عودة موضة حرق المصاحف - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عودة موضة حرق المصاحف

نشر فى : الخميس 21 أبريل 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الخميس 21 أبريل 2022 - 8:30 م
فى نشاط مستفز وأخرق عادت من جديد موضة حرق المصاحف فى أوروبا. نشطاء وأعضاء أحزاب دينية متطرفة يقدمون على حرق المصاحف فى السويد، تحت حراسة شرطة الدولة، فيثيرون غضب عديد المقيمين والمواطنين من المسلمين وغير المسلمين فى تلك الدولة.
لكن السؤال لماذا يقدم هؤلاء على ذلك؟.
أولا، هناك اعتقاد لدى بعض مارقى الفكر وشاردى العقيدة، أنهم بفعلتهم تلك إنما يريدون أن يثبتوا للناس داخل بلدانهم وخارجها، أنهم يتمتعون بحرية الرأى والتعبير، وأنهم بذلك غير مقيدين بأى قيد، وهم أحرار أسوياء.
ثانيًا: يرى هؤلاء أن بلدانهم بلدان ديمقراطية، تتيح لهم فعل مثل تلك الأمور بحرية كاملة، وأن تلك البلدان تختلف البتة عن البلدان النامية التى يتسم حكامها وشعوبها بالتخلف والرجعية ومعاقبة المتظاهرين ولا تسود فيها أدنى درجات قيم حرية الرأى والتعبير. وقد كان من باب أولى لمن يتمسك بتلك القيم فى الغرب أن يتمسك باحترام مقدسات الآخرين، وهى جزء أصيل من حرية الرأى والتعبير، حيث لا يتم المساس بمقدسات الآخر.
ثالثًا: نظرًا لما يتسم به هؤلاء من عنصرية تجاه المسلمين، فهم يرون أن أبلغ الوسائل لحرق قلوبهم هى إسقاط مقدساتهم أو النيل منها، وهى بالتحديد فى هذا الزمان الرسول والمساجد وحجاب المرأة. بالطبع هم هذه المرة وجدوا أقصر طريق لذلك عبر حرق المصاحف، باعتباره قدس أقداس المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وبغض النظر عن التزامهم بالشعائر الدينية أو عدم التزامهم بها.
رابعًا: إن سعى هؤلاء خلال حرق المصاحف يرتبط بالرغبة فى استفزاز مشاعر المسلمين، رغبة فى إخراج جميع ما يجيش بخاطرهم كرد فعل وكغيره على مقدساتهم. بعبارة أخرى، يسعى هؤلاء إلى توريط المسلمين فى اتخاذ مواقف متطرفة، قد تصل إلى حد القتل أو حرق المنشآت أو حتى التهديد باستخدام العنف، وبذلك يدَّعى القائمون بحرق المصاحف بصدق حديثهم، فى أن المسلمين أصحاب عقيدة عنف وتخلف، وأنهم يتسمون بالرجعية والبربرية.
والأهم مما سبق هو ملاحظة وتبيان أنه ما تحمله تلك الشعوب من قيم معلنة وما يظهره حكامها من مواقف، يسقط جله فى أحدث اختبار أى عند الحرب الروسية الأوكرانية التى ما زالت رحاها تدور حتى اليوم. فتصرفات العنصرية فى التعامل مع الجنس الأوروبى والجنس غير الأوروبى من اللاجئين، وجلب المرتزقة من البلدان المجاورة لساحات الحرب وهو ما كانوا هم أنفسهم ينتقدوه فى حروب المنطقة العربية، والدروع البشرية التى كانت يوصفها هؤلاء فى منطقتنا بالبربرية، وحجب الصحف والمعلومات البنكية وغيرها وغيرها من أمور، تؤكد كل تلك التصرفات أن تلك الشعارات هوت ولم يعد لها ذكر عندما تتعارض مع مصالح تلك البلدان المستنزفة لثروات العالم الثالث والمؤيدة للصهيونية.
ودون شك أن القائمين بحرق المصاحف ومن هم على شاكلتهم كالذين ينشرون صورا كاريكاتيرية للتهكم على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يعلمون تمام العلم أن قيام المسلمين بعكس ما يقومون به، أى إحراق الإنجيل أو تشوية الرموز الدينية المسيحية هو من الأعمال التى تتنافى مع كون المسلم مسلمًا صحيحًا. بعبارة أخرى، فإن رد هؤلاء المارقين على أن المسلمين من حقهم أن يقوموا بتشوية رموز المسيحية، هو أمر غير قائم أصلا، لأنه يسقط عقيدة المسلم، فهى عقيدة تشترط الإيمان بجميع الرسل والأنبياء دون تفرقة بينهم. هنا يحضر المرء ما قاله فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب منذ ثلاثة أيام من عدم جواز مجرد لمس المسلم للإنجيل أو التوراة دون أن يكون على طهارة، باعتبار هاذين الكتابين مقدسين يسرى عليهما ما يسرى على المصحف الشريف. كما استنكر شيخ الأزهر غضب بعض المسلمين من تقديم الطعام فى نهار رمضان لغير المسلمين، وغضب البعض من بناء الكنائس، معتبرًا أن ذلك الأمر منهى عنه. وذكر أن المسلمين ليسوا وحدهم فى هذا العالم، ومن ثم فإن العلاقة بين الأمم والشعوب أساسها التعارف والتعاون وليس الصراع أو حمل الناس على الإسلام بالقوة أو الإساءة إلى أديانهم ومعتقداتهم.
الشىء الآخر أن هؤلاء المارقين لا يعلمون أن ما يقومون به لن يمس القرآن فى شىء، فأعداد المسلمين تزداد رغم ما يثار كثيرًا من بعض حكام الغرب وبعض مواطنيهم ممن يتهمون بالعنصرية بالربط بين الإسلام والإرهاب والعنف. كما أن هؤلاء المارقين يجهلون أن المصحف كمنهج وليس كمخطوط مطبوع لن يضيره الحرق، لكنه يبدو الغل والحقد هو من يحكم تلك التصرفات الرعناء لدى هؤلاء.
عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات