مصر.. وحرائق الجوار! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر.. وحرائق الجوار!

نشر فى : الجمعة 21 أبريل 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أبريل 2023 - 8:00 م
المواجهات الدامية التى يشهدها السودان، وتهز بعنف مناعة جسده الضعيف، واستقراره السياسى والأمنى الهش، تفرض على الدولة المصرية رؤية جديدة للتعامل مع التحديات المتصاعدة والعواصف المتزايدة والحرائق المشتعلة فى الجوار.. رؤية تنفتح على كل القوى السياسية المتنوعة وبالطبع لا يعنى ذلك من قريب أو بعيد الميليشيات والجماعات المسلحة.
فخلال العقد الفائت، اعتمدت القاهرة على مقاربة خاصة بها، للتعامل مع الأزمات والتغيرات السياسية فى دول الجوار، مفادها «إعلاء منطق ومفهوم الدولة الوطنية لتحقيق مصالح الشعوب، والانتصار دائما لدولة المؤسسات على حساب كل فكر آخر قد يهدف لبث الفرقة والانقسام والفتنة بين أهل البلد الواحد».
هذه المقاربة التى يتمحور جوهرها حول الحفاظ على استقرار الدول عبر تقوية ودعم مؤسساتها الوطنية، وتحديدا أجهزتها العسكرية والأمنية من أجل بسط السيطرة والنفوذ وتحقيق الاستقرار فى كافة ربوعها، أضحت فى حاجة ماسة للتعديل والتطوير لتتلائم وتتكيف مع المتغيرات السياسية فى تلك الدول.
فالنظر فقط إلى المؤسسات الوطنية الثابتة فى دول الجوار على أنها المعبرة وحدها عن كافة الأطياف السياسية، والقادرة على لم شمل الفرقاء فى البلاد، ليس فى محله تماما بعدما جرت فى نهر السياسة مياها كثيرة، إذ إن التغيرات الثورية التى هبت على تلك الدول خلال السنوات الأخيرة، أفرزت واقعا جديدا ومختلفا، تتحكم فيه قوى سياسية كثيرة لها وزنها وحركتها وكلمتها المسموعة والمؤثرة فى الشارع.
هذه الفسيفساء السياسية المتنوعة فى دول الجوار، تتطلب من القاهرة التعامل معها بلا تردد، والانفتاح على مكوناتها المختلفة من دون تحفظ سياسى أو أيديولوجى، حتى لو كنا على خلاف جذرى معها، من أجل تحقيق الهدف الأسمى، وهو بناء شبكة علاقات قوية مع تلك الدول، تحفظ لمصر تأثيرها ودورها ومصالحها الوطنية، وكذلك كسب معركة الرأى العام فى تلك الدول لصالح قضاياها المصيرية، أو على الأقل عدم التحريض ضدها فى الشارع على أنها ضد تطلعات الشعوب فى الحرية والتحول الديمقراطى.
صحيح أن القاهرة بدأت خلال الفترة الأخيرة، تفعيل هذا النهج الجديد بعد سنوات من اعتماد المقاربة السالف ذكرها، إلا أن التطورات المتلاحقة والحرائق المشتعلة فى دول الجوار، تفرض علينا مزيدا من العمل الجاد لترسيخ الانفتاح على كافة القوى فيها من أجل الحفاظ على الدور المصرى التاريخى واستعادة التأثير الطبيعى فى آليات صناعة القرار فى تلك الدول، بما يحفظ مصالحنا الوطنية والاستراتيجية فى هذه المنطقة المهمة لأمننا القومى.
الأزمة الأخيرة فى السودان الشقيق، والتى تمكنا من تطويق عواصفها الأولى، عبر تأمين عودة القوات المصرية المشتركة فى التدريب المشترك مع القوات السودانية وفق البروتوكول الموقع بين البلدين، بعد اتصالات دبلوماسية مكثفة، وجهود أمنية هائلة على الأرض قام بها رجال مؤسساتنا الأمنية، تفرض على القاهرة الانتقال إلى المرحلة التالية، والمتمثلة فى دفع الطرفين المتصارعين نحو مائدة المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتفعيل المسار السياسى لاحتواء الخلافات، بما يحفظ للسودان أمنه واستقراره ويحافظ لشعبه على حقه فى الحياة الكريمة، ويرفع عنه سيف التدخلات الخارجية التى تدفع فى اتجاه تمزيق وحدة أراضيه وبث الفرقة بين مواطنيه، وإشعال الحرب الأهلية فى كافة أرجائه.
ربما يعتقد البعض أن القاهرة المكبلة بعبء أزمتها الاقتصادية الطاحنة، لن تستطيع وضع حد للتدخلات الخارجية فى السودان، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية هناك، لكن هذا التصور ينطوى على قصور فى التفكير، ونسيان متعمد لوقائع تاريخ قريب، رسمت خلاله وبحزم خطوطها الحمراء فى سرت!.
فالسودان بالنسبة لمصر لا يقل أهمية من الناحية الاستراتيجية عن ليبيا، فهو عمقنا الطبيعى، وعن طريقه يأتى شريان الحياة المتمثل فى نهر النيل، والعلاقات مع شعبه تضرب جذورها فى أعماق التاريخ، وبالتالى لا يمكن تركه فريسة للتدخلات الخارجية، سواء من قبل قوى إقليمية أو دولية، تتعارض مصالحها بشكل واضح مع أمننا القومى.
هذه الأهمية الاستراتيجية للسودان، تتطلب من القاهرة وقفة حاسمة مع تلك القوى التى تتدخل فى شئونه بما يضر بمصالحنا، عبر فتح نقاش جاد وصريح لا مواربة فيه، نضع فيه على الطاولة خطوطنا الحمراء، التى نحافظ من خلالها على أمننا القومى، مثلما فعلنا سابقا فى ليبيا، وحتى لا نفاجأ فى يوم من الأيام بأن دخان الحرائق فى الجوار الجنوبى لمصر، حجب عنها رؤية سد النهضة!.
التعليقات