أعزُّ الولد .. وِلد الوِلد - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أعزُّ الولد .. وِلد الوِلد

نشر فى : الخميس 21 مايو 2009 - 10:18 م | آخر تحديث : الخميس 21 مايو 2009 - 10:18 م

 من أجمل عيون الشعر العربى وأكثرها وجيعة لحظات الفراق، تلك الأبيات التى بكى فيها ابن الرومى تعبيرا عن محنة فقده لأحد أبنائه..

بكاؤكما يشفى وإن كان لا يجدى
فجودا فقد أودى نظيركما عِندى
ألا قاتل الله المنايا ورميها
من القوم حبات القلوب على عمد
طواه الردى عنى فأضحى مزاره
بعيداً على قرب قريباً على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا وعيدها
وأخلفت الآمال ما كان من وعد
ألحَّ عليه النزف حتى أحاله
إلى صفرة الجادى عن حمرة الورد
وظل على الأيدى تساقط نفسه
تساقط در من نظام بلا عقد
ثكلت سرورى كله إذا ثكلته
وأصبحت فى لذات عيشى أخا زهد
ألام لما أبدى عليك من الأسى
وإنى لأخفى منه أضعاف ما أبدى
محمد ما شىء توهم سلوة
لقلبى إلا زاد قلبى من الوجد

ربما أمسك الكثيرون فى مصر عن التعبير عن مشاركتهم فى أحزانهم وعواطفهم للرجل الكبير وأسرته.. وربما أحجمت الدولة أو أوعزت لأجهزتها أن تترك الرجل لأحزانه.. ولكن تبقى مشاعر الحزن العام لفقد حفيدٍ طفلٍ أقوى من كل منع وردع. فلم يملك الرسول (صلى الله عليه وسلم) دموعه وهو ينعى فلذة كبده. وقد قيل دائما إن أعز الوِلد وِلْدُ الوِلد. ومن كان يملك أن يقدر عمق الإعزاز والحب والاقتراب من معانى الأبوة، والأسى لفقد ما لم يكن يتوهم المرء فقده فى حياته، إلا إذا كان الإحساس بالثكل قد بدد كل إحساس بالسرور وما تحمله الحياة من وعود وآمال.

لا أحد يعرف علاقة الحفيد بجده إلا ما يعرفه الجد بحفيده.. هنا تتشابك بذور عميقة من الحب، والأمل، والوجد، والشوق، والامتداد، والماضى، والحاضر، والمستقبل.. لا يدركها إلا من امتلأ قلبه بحنين جارف وحب لا تتملكه الأنانية.

يلم بى منذ بعض الوقت مرض يقعدنى عن المبادرة. ولى أحفاد يمتد الشوق بى إليهم عبر بحار ومسافات شاسعة. ألوذ بأصواتهم عبر الهاتف أو عبر الفيديو. ويشق على حجم البعاد عنهم، وأدرك من صميم قلبى كيف يعتصر الألم قلب الجد وهو يرى صورة حفيده تتوارى عن عينيه، بعد أن كانت ملء السمع والبصر..

هذه التجارب الإنسانية تمر بالجميع. ولكن يظل أشقها على النفس فقد الصغير والحفيد الذى تعلقت المشاعر به منذ ولادته.. خصوصا إذا حاول المرء أن ينأى بنفسه عن الألم أو ابداء مشاعره أمام شعبه وخارج دائرة المقربين منه. هنا يصبح الألم ضعفين أو ثلاثة. ولا يملك المرء إلا أن يدعو له بالصبر ولأسرته بالسكينة والعزاء.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات