الدولة الريعية والانتقال إلى الديمقراطية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدولة الريعية والانتقال إلى الديمقراطية

نشر فى : الخميس 21 مايو 2015 - 3:50 م | آخر تحديث : الخميس 21 مايو 2015 - 4:36 م

تحتاج دول الثروة البترولية والغازية العربية، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجى، طرح السؤال التالى: هل أنها كدول ريعية، يعتمد دخلها المالى بصورة شبه كاملة على ما تبيعه من البترول والغاز إلى الخارج، ستكون قادرة فى المستقبل على المواءمة بين اقتصادها الريعى وعقليتها الريعية وبين ضرورة انتقالها إلى نظام ديمقراطى، دون تعديلات جوهرية فى كل مكونات ذلك النظام الريعي؟

هذا موضوع بالغ الأهمية ويحتاج أن يناقش باستفاضة، خصوصا بعد أن طرحت ثورات وحراكات الربيع العربى موضوع الديمقراطية بقوة على جميع المجتمعات العربية، الغنية منها والفقيرة. وهذا الموضوع وبقية الشعارات التى طرحتها الملايين فى ساحات المدن العربية سيبقون معنا لعقود طويلة.

لنذكر أنفسنا بأن دول البترول والغاز العربية تعتبر كدول ريعية لأن اقتصادها اقتصاد ريعى يقوم على بيع مادة وهبتها الطبيعة، مادة البترول، إلى الخارج، ثم تستلم القوى القائمة على شؤون الدولة ثمن ذلك الريع وتتصرف بتوزيع وإنفاق جزء منه حسبما تراه.
إذن فنحن أمام اقتصاد لا يقوم من خلال الجهد والإبداع والمخاطرة، الأمر الذى يقود إلى بناء مجتمع وبشر بعقلية ريعية قوامها: جهد قليل ودخل كبير. وهذا بدوره يولد مشاعر الاسترخاء فى المجتمع وعدم رغبة المواطنين فى الانخراط فى الحياة السياسية وفى القيام بأية واجبات تحتاج إلى جهد وتعب.

فإذا أضيف إلى ذلك أن الدولة، المستلمة لعائدات الريع البترولى والغازى من الخارج، المكتفية بتلك الثروة التى تستلمها، لن تحتاج فى هذه الحالة لجهد مواطنيها لتوليد ثروة تستلمها الدولة عادة فى شكل ضرائب وثمن خدمات، فإننا أمام مشهد مركب: دولة مستغنية عن جهد مواطنيها وقادرة على تقديم بعض الخدمات المعيشية الأساسية لمواطنيها، ومواطنون سعيدون بالذى يحصلون عليه دون عناء ولا بذل جهد.


***


إنها معادلة فيها كل الإمكانيات التدميرية للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهى حياة مناقضة لكل ما تقوم عليه الديمقراطية من متطلبات، وعلى الأخص مبدأ المواطنة. والأسباب؟

1 ــ نحن أمام سلطة دولة تستلم ثروة الريع الخارجى بكامله وتوزعه حسب مبدأى الولاء والزبونية من جهة والانتماء الفرعى غير الوطنى الطائفى أو القبلى أو العائلى، من جهة أخرى. ولن يكون ذلك التوزيع قائما على العدل والإنصاف والأولويات المجتمعية والالتزام الأخلاقى بالفقراء والمهمشين.

2 ــ فى تلك الأجواء لا يمكن أن تنمو مفاهيم المواطنة القائمة على غياب ممارسات التَمييز والمحسوبية، على المساواة فى الفرص الحياتية والحقوق والواجبات وأمام القانون، على العضوية الكاملة فى الحياة السياسية، خصوصا الحياة السياسية الديمقراطية التى تحتاج لنجاحها إلى فاعلين ومشاركين يمثلون المجتمع ويدافعون عن حقوقه أمام إمكانية تغول الدولة وممارساتها الخاطئة.

3 ــ هناك ارتباط وثيق بين امتلاك السلطة، والعكس صحيح أيضا، إذ إن من يملك السلطة يملك الطريق إلى الثروة. وبالطبع فالحديث عن إمكانية قيام مجتمع ديمقراطى، حيث تمتلك أقلية الثروة والسلطة، هو لغو وتهريج تكذبه وقائع تاريخ البشرية عبر كل العصور.

هل كل ذلك يعنى عدم إمكانية قيام نظام ديمقراطى فى أية دولة يقوم اقتصادها على دخل ريعى خارجى لمادة واحدة، كما هو الحال بالنسبة للدول العربية البترولية والغازية؟ الجواب هو بالطبع كلا.

بالإمكان الانتقال إلى نظام ديمقراطى فى مثل هكذا دول إذا حصل إصلاح جذرى فى نظام الاقتصاد الريعى، إنتاجا للريع، وبيعا، واستلاما للثروة وتوزيعا لها، واستغلالا لجزء منها فى توليد ثروة إنتاجية قائمة على الجهد والتنظيم، وسيطرة ومراقبة مؤسَسَية مجتمعية لكل تلك الجوانب. عند ذاك ستكون ثروة الريع تلك ثروة مساعدة فى خلق نظام اقتصادى يصب فى صالح الممارسة الديمقراطية بدلا من نظام يشوهها ويحيلها إلى ممارسة مظهرية لا تخدم عموم المواطنين.


***


لقد جرى التركيز على الدول العربية النفطية الريعية لأن ذلك الريع يقرر نوع كل مناحى الحياة فيها. لكن، فى الواقع، فإن جميع الدول العربية هى دول ريعية بشتى الصور والأشكال والممارسات، وفيها جميعا بنيت شرائح ريعية طفيلية تقف الدولة على رأسها وتشجع استمراريتها، وذلك من مثل ريعية الأراضى التى توزع أو المشاريع والوكالات التى ترسى حسب الولاء والزبونية أو بيع الجنسية أو بيع الجوازات فى مضاربات الأسهم. إنها ممارسات تنسجم تماما مع عقلية وتنظيم القبيلة التى تضرب فى أعماق كل ارض العرب وتقوم على توزيع المكرمات حسب الولاء والقرب.

مستقبل الديمقراطية فى مثل هكذا مجتمعات يحتاج إلى تغييرات جذرية فى العقليتين الريعية والقبلية، وهو طريق طويل لابد من السير فيه، إلى نهايته.


مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات