اخدعنى.. أرجوك! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اخدعنى.. أرجوك!

نشر فى : الإثنين 21 يونيو 2010 - 11:33 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 يونيو 2010 - 11:33 ص

 من بين أسباب تراجع شعبية الرئيس الأمريكى أوباما أخيرا، زيادة الاقتناع بأنه يفتقر إلى استراتيجية قوية تستند إلى توافق عام بين الديمقراطيين فى الكونجرس، وأنه ينتهج سياسة تعتمد على بلاغته ومهاراته الخطابية واطلاق الشعارات التى لا تعنى شيئا فى الواقع العملى، وقد أطلق بعض المراقبين الأمريكيين عليها «سياسة الخطابات المملة»

وظهر مدى امتعاض الرأى العام البريطانى من هذه السياسة، حين شن أوباما هجوما حادا على شركة البترول البريطانية (B.P) بسبب انفجار بئر للنفط تحت مياه خليج المكسيك، ولم يأبه بتقديم المساعدات التقنية الأمريكية لإنقاذ المنطقة من كارثة بيئية وتمكين الشركة من دفع التعويضات الملائمة.

وقد عرفنا نحن فى الشرق الأوسط «سياسة الخطب المملة» التى استهلها أوباما بخطابه الشهير فى جامعة القاهرة. ثم توالت الأزمات بعد ذلك حول قضية السلام وتجميد المستوطنات وحصار غزة وقافلة المساعدات التركية التى قتل فيها الكوماندوز ثمانية أتراك من ركاب السفينة.. وفى كل هذه الأزمات لم تتخذ إدارة أوباما موقفا واحدا قويا يعبر عن استراتيجية تساند السلام وتدين العدوان الإسرائيلى وتستعيد ثقة الشعوب العربية. واكتفى أوباما بتنظيم زيارات ومقابلات فى واشنطن مع نتنياهو وعباس. لم تسفر عن شىء غير حديث لا جدوى منه عن المفاوضات غير المباشرة وتمسك واشنطن بحل الدولتين.

ويبدو أن ثمة تنسيقا بين التصريحات «المملة» لأوباما والأكاذيب «المضللة» لنتنياهو فبعد ضغوط ملحة من جانب تركيا وأطراف أوروبية ومن الأمم المتحدة على إسرائيل لرفع الحصار عن غزة، أصدرت إسرائيل بيانا ملتبسا تضمن نصا مزدوجا باللغتين العبرية والإنجليزية، لا يشير النص العبرى بكلمة واحدة إلى تخفيف الحصار، بينما تضمنت النسخة الإنجليزية التى سلمت للسفراء الأجانب كلمات تشير إلى تخفيف الحصار مع الابقاء على الحصار البحرى، ودون ذكر لفتح المعابر أو تحديد للمواد والمعدات التى تسمح إسرائيل بادخالها إلى غزة.. وذلك بعد أن أعلن عمرو موسى أثناء زيارته للقطاع أنه يحمل معه كل الأموال اللازمة لإعادة إعماره.

ماذا يعنى أن تصدر إسرائيل بيانين فى وقت واحد، يناقضان بعضهما ويشككان فى نواياها تجاه تخفيف الحصار أو رفعه؟ ولا يجد هذا الموقف أدنى اعتراض أو احتجاج من أمريكا والاتحاد الأوروبى واللجنة الرباعية الصورية التى عبر بعض أعضائها مثل فرنسا والمانيا عن الارتياح للخطوة الإسرائيلية!

هناك نوع من التواطؤ الدولى على ترك إسرائيل تفلت بدون عقاب وبدون تشكيل لجنة دولية للتحقيق فى حادث قافلة الحرية، بينما تبدى هذه الدول حماسا منقطع النظير فى فرض عقوبات على إيران التى لم ترتكب حتى الآن شيئا من الجرائم التى ترتكبها إسرائيل.

وقد ظهر منذ البداية أن إسرائيل على يقين من أنها ستفلت بجريمتها بعد شىء من المظاهرات والاحتجاجات.
أما الدول العربية، فلا هى تظاهرت واحتجت، ولا هى أظهرت تضامنا حقيقيا مع تركيا، ولا هى أعلنت اعتراضها على اللغة المزدوجة التى شقت لسان نتنياهو نصفين.

الدول العربية بدت مصابة بداء الصمت وخداع النفس إيمانا منها بأنه خير من داء الكلام، وبات لسان حالها يقول: اخدعنى أرجوك.. فنحن شعوب لا تميز بين الإنجليزية والعبرية، ولا تريد أن نقول شيئا يغضب إسرائيل. لأننا لا نملك ردا على التعنت الإسرائيلى.. الذى يرفض أى تغيير فى وضع قطاع غزة تحت الحصار.

فإذا صح أن الاسابيع المقبلة قد تشهد سفنا وقوافل للمساعدات الإنسانية التى تخترق الحصار، وأن إسرائيل سوف تمنعها بالقوة كما حدث مع القافلة التركية.. فنحن أمام صيف دموى ساخن فى المنطقة!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات