الأزمة الليبية بميزان العقل - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأزمة الليبية بميزان العقل

نشر فى : الجمعة 21 يوليه 2017 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 21 يوليه 2017 - 8:50 م
نشرت صحيفة ليبيا المستقبل مقالا للكاتب «محمد محمد المفتى» يتحدث فيه عن الأوضاع فى ليبيا التى أصبحت متفاقمة والتى لن تنتهى من وجهة نظره إلا باشتراك جميع الأطراف فى اجتماعات ونقاشات يقدم فيها كل منهم تنازلات لحل تلك الأزمة التى عجزوا حتى الآن عن تداركها كما عجز العالم الخارجى عن احتوائها.
يبدأ المفتى مقاله بأن معركة القـربوللى ربما تكون آخر معارك الحرب الأهلية الليبية الحالية. فها هى قد أوصلت الجميع إلى صمت الانتظار! فعادة ما يأتى الصمت نتيجة الحيرة فى انتظار ما هـو قادم. وها هى الأطراف السياسية الليـبـية المعـنية تتلهى بتصريحات لا تضيف جـديدا، بل قـادة الدول المحيطة، الأوروبية والعربية، فى لقاءاتهم التى لا تتوقـف، ليس لديهم سوى تـكرار عـبارة «لا حل للأزمة الليبية سوى الحل السياسى».
يبدو أن الكل فى انتظار صياغة إدارة الرئيـس تـرامـب، لرؤيتها. وإن صدقت التخمينات سـيقود الموقف الأمريكى القادم، إلى دمج الكيانات الرسمية الليبية واختفاء الوجوه والأسماء المتصدرة للمشهد، والبدء فى دمج الكيانات المسلحة «مع» أو «تحت» إمرة الجيش كمدخل لتطهير البلاد من السلاح العشوائى. وفى ضوء هذا التوقع، يبدو أن المعضلة التى تواجه الجميع هى أن عليهم تناسى ثاراتهـم والجلوس حول طاولة واحدة وتـقـديم تنازلات متبادلة.
إن النخبة السياسية فى ليبيا بأدائها المتـدنى الذى تعكسه معاناة الناس، ليسوا فى نظر البليونير ترامب سوى حفـنة من الساسة الصغار فى ولاية أمريكية مغمورة، متنافسين حول المصالح والعقود والمناصب. وقد يوفر السيد ترمب بعباراته وحركاته غير المتوقعـة، شتى الطرائف اليومية لوسائط الإعـلام. لكن الإدارة التى تقف من ورائه، تعـرف ما تريد ولديها القوة لتفرض ما تراه. أليس هذا ما حدث إثر زيارته للسعودية؟ إذن الدور الأمريكى ليس محط اختيار، بل محصلة لحقائق جغرافية وسياسية. ثم إن العالم تجاوز الحقبة الاستعمارية، ونحن وكل العالم نعيش عصر السيطرة المعلوماتية، وهى ما تمنح الولايات المتحـدة مكانتها.
بالمقابل فإن الليبـيين، بحاجة لتناول موضوعى لما يعيشونه من تخبط وفوضى ودمار، وفقدان الاتجاه... تـناول يستوعب كل هذه التغيرات على الأرض، السلبى منها والإيجابى... 

***
يؤكد الكاتب أيضا أنه ليس من مخرج من هذا الوضع المأساوى، إلا باحتـواء وباء السلاح، المنتشر فى كل زقاق وشارع. ويتساءل: من يا ترى يمكن أن يقوم بهذا الدور، إلا سلطة تردع، وتعيد لإدارات الدولة هيبتـهـا، وللمواطن أمـنـه؟ المطلب بسيط وواضح، لكن المعضلة الحقيقية هى: كيف، وما هى الآليات لتحقيق ذلك؟.
ففى ضوء الأحداث الأخيرة، يبدو أن هناك من فكر فى حل لمشكلة السلاح بتـدميره بالحرب. ربما تولدت الفكرة بإيحاء من قوى خارجية كما يرى البعض، ولكنه نتاج تلقائى كما هو الحال فى كثير من الأزمات، وهكذا فقد السلاح والمسلحون تدريجيا مبرر وجودهم، ووهج الإعجاب الذى رافقهم فى الشهور الأولى بعد ثورة فبراير. ومن هنا كانت معارك بنغازى وسرت والجفرة وفـزان.. وأخيرا القربوللى، التى ربما أقنعت البعض بأنه لا جدوى من امتلاك السلاح وتحريك الأرتال.
أما عن الجيش فيقول المفتى إنه قديما كانت الكتائب المقاتلة تجند على أساس الولاء لزعيم، وتستمد أنصارها على أساس الجهة أو القبيلة أو المذهب، ولأداء مهمة محددة. وحديثا مع قيام الدولة العصرية أو القومية القائمة على التجارة والصناعة، ظهرت فكرة الجيش الوطنى المكون من مجندين يتلقون مرتبات ويحاربون باسم الدولة. وفى المجتمعات التقليدية تأسست دول وطنية بعد نيلها الاستقلال على نفس النمط، وتبنت مبدأ اقتصار ملكية السلاح واستعماله على الدولة. لكن انهيار السلطة لأى سبب كما حدث فى ليبيا بعد فبراير 2011، صاحبه تراجع إلى أنماط تقليدية، فكانت المليشيات الأقرب إلى نموذج القبيلة القديمة. لكن الميليشيات لا تتسق مع الدولة الحديثة ذات التكوين المركب من إدارات وقضاء وأمن (شرطة) وقطاعات خدمية (تعليم، صحة، كهرباء، مياه، حرس بلدى.. إلخ). ولهذا يبقى الجيش والشرطة من أساسيات الدولة الحديثة، لحماية الحدود، وتمكين المؤسسات (برلمان ومجالس تشريعية ومحافظات وغيرها)، وتحقيق الأمن اليومى للمواطن، وبدون الجيش والشرطة تعم الفوضى وتستحيل الحياة الطبيعية فى أى مجتمع.
مبكرا وبعد فبراير 2011 ظهرت فى المدن الليبية ومنها مصراته زعامات وأجنحـة مسلحة منظمة طامحة للسيطرة على مسار الأمور فى الدولة الليبية. وهكذا تم تجميع ونقل كميات ضخمة من ترسانة نظام القذافى إلى مصراته. ومع مرور الوقت تحولت الأحلام إلى مواجهات دامية، فكانت معارك الهيمنة على العاصمة طرابلس، من غرغور إلى المطار. بل ومحاولة السيطرة على بنغازى من خلال تأجيج الصراع هناك، عبر أسطول الجرافات السيئة الذكر.
مع مرور الوقت، طرحت إحصائيات الموتى والجرحى، وردود فعل الشارع تساؤلات عن جـدوى ذلك التوجه العسكرى. وبالطبع قادت تلك التطورات إلى ارتفاع صوت الاعتدال، صوت مصراته المتاجرة التى كانت طيلة القرنين الماضيين عامل توحيد للوجدان والوطن الليبى. وقد سبق أن نشرت قبل قرابة عشر سنوات، مقالا مطولا، بعنـوان «مصراتـه ســداة النسيج الليبى»، طرحت فيه فرضية مؤداهـا أن تجار مصراته، بحكم انتشارهم فى كل واحة وقرية ومدينة ليبية، خلقوا شبكة سـاهمت فى توحيد المجتمع الليبى دون حراك سياسى، ودون قصد. ولا شـك أن مصراته تستحق الاعتراف بمكانتها كثالث مدينة كبرى وكمركز اقتصادى تجارى هـام الآن ومستقبلا، لكن ذلك لا يعنى منحها حـق امتلاك السلاح، ومن ثم التصرف كـ«دولة ــ مدينة».
***
انتقل المفتى بعد ذلك ليتحدث عن المشير خليفة حفتر، الذى نجـح فى كسب ثقة قـدامى رجال القوات المسلحة من جميع أنحاء ليبيا، واستطاع أن يعيد بناء مؤسـسة عسكرية فـعـالة تحمل له الولاء وتـنفذ أوامره، ويخضعون لمنظومة قيم وإنتماء رقمى. وجاءت مبادرة الكرامة كاستجابة لحالة الفوضى والاغتيالات والتفجيرات، بغض النظر عن حقـيقـة من دبر تلك الفوضى ودوافعـهـم وأجـنداتـهم، لكن الشارع، خاصة فى بنغـازى، حمّلها للتنظيمات الإسلامية. ولاشك أن حملة دعائية غـذت ذلك الانطباع. بيد أن التشكيلات الإسلامية نفسها سـاهمت ببيانـاتها وفيديوهاتها المروعـة، فى تعزيز قـناعة الشارع ضدهـا. وهكذا أصيبت بنغازى بالشلل، وبلغ الاحتقان مبلغه. 
وطـبعا لا يمكن إنكار أن الحرب فى بنغازى أو سرت، كأى حملة عسكرية لا يمكن أن تخلو من سلبيات أبسطها معدلات الوفيات والإصابات (التى ستحتاج إلى سنين لإعادة تأهيل أصحابها) والدمار المادى وهو فى الواقع تدمير لمدخرات الليبيين لعقود والتى هى جزء من ثروة البلاد. وهناك التجاوزات والتى لا تخلو منها أى حرب. وسـتبقى مبررات الحرب وجدواها لدى الجانبين محور جدل، ولقرون كاملة.
على الضفة الأخرى من الصراعات يضيف فالكاتب أن هناك جماعات مسلحة تنتمى للإسـلام السياسى تكتلت. وهـنـا سـتبقى ظـاهـرة الإسلاميين النازعـيـن لحمل السـلاح لسنين. وسيحـاول المـؤرخون الإجابة عن أسئلة كثيرة بشأنهـا. من ذلك كيف تحول ثوار فبراير إلى امتداد لتنظيم الدولة أو«داعش»؟ ولماذا استعجلت المجموعات المسلحة فى رفع شـعاراتها، دون تقدير لردود فعل المجتمع، فـفـقـدت رصيدها من التعاطف الشعبى الذى اكتسبته منذ التسعينيات إلى 2011؟ وما المسئول عن ذلك؟ هل هى أخطاؤهم، أم هى حملة معادية لتشويهـهـم؟ ولماذا اندفع هـؤلاء الشباب إلى القتال دون برنامج سياسى؟ ولماذا تـعـددت انقساماتـهـم وزعاماتهم؟ وألا يكون إحياء الدين بمواكبـة روح العصر؟
***
يختتم الكاتب مشددا على أن التسويات والقرارات القادمـة، يجب أن تـشـارك فيها جميع الأطراف، ولا يجب أن تكون مجرد بيانات مشتركة على ورق، بل مسـتمدة من واقع الحال على الأرض وتوازن القوى، وأن يتم اختيارها على أساس فاعليتها فى تحقيق سـلام اجتماعى واسـتـقـرار مـســتدام. المقترحات سـهلة، ولكن أى مقترح بدون آلية تحـوله إلى واقـع، ليس إلا محـض خيال، وهذا ما أكـدته تجربة السنين الماضية. وفوق كل ذلك يجب أن تكـون القـرارت جـادة تـعـيد لنـا كرامـتنـا أمام أنفسنا وأمام الأجـيـال القادمـة، وأمـام المـجـتـمـع الدولى.

 

التعليقات