هل من فرصة للإشراف الأممى على سوريا؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل من فرصة للإشراف الأممى على سوريا؟

نشر فى : الخميس 21 سبتمبر 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 21 سبتمبر 2017 - 9:55 م
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «أكرم البنى» وجاء فيه، مع انسداد أفق المفاوضات السياسية، وتفاقم معاناة السوريين من ملفات إنسانية لم تعد معالجتها تحتمل التأجيل، ومع ازدياد تغول أطراف خارجية فى الصراع الدامى وتنامى أخطار أوهام النظام بتحقيق انتصار عسكرى ربطا باتساع مناطق خفض التصعيد والنجاح النسبى فى دحر تنظيم «داعش»، تبدو بلادنا المنكوبة والمهددة بتفاقم الاضطراب والعنف، أمام فرصة منح المجتمع الدولى مهمة الأخذ بيدها عبر قرار نافذ يضعها تحت وصاية دولية أو إشراف أممى يحاصر منطق القوة والغلبة ويعيد للمجتمع دوره فى سياق عملية التغيير السياسى وإعادة الإعمار المرتقبة.

والفرصة ليست قفزة فى الهواء ولا تنطلق من الرغبات والأمنيات بل يحكمها توافق للمصالح يرجح أن يحض أهم القوى العالمية، كروسيا والولايات المتحدة وأوروبا، على توسل المظلة الأممية لمحاصرة بؤرة التوتر السورية وتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة.

وإذا كان السؤال الأهم: ما هى مصلحة روسيا فى الإشراف الدولى على بلد هى فيه الطرف الأقوى والمقرر، ولماذا قد تتنازل وتشارك الغرب هذه الغنيمة؟ فإن الإجابة لا تنطلق من معطيات اللحظة الراهنة فقط وإنما من حسابات بعيدة المدى يفترض أن تأخذها موسكو فى الاعتبار، حيث يمنحها هذا الخيار أولا، غطاءً أمميا هى فى حاجة إليه لتحصين موقعها ودورها، بخاصة عندما تغدو الرقابة الدولية إطارا داعما لخطتها فى تعميم مناطق خفض التصعيد، وثانيا، لأنه يعزز حظوظ استقرار الوضع السورى، ويساعدها فى تخفيف الاحتقان الشعبى وردود الأفعال تجاه ما خلفته حربها على البلاد، بما فى ذلك تجنب التفرد فى تقرير مستقبل لسوريا قد يغرقها وحيدة فى مستنقع يماثل تجربتها الأفغانية، وثالثا، لأن قيادة الكرملين يمكنها الاستناد إلى تلك الشرعية الدولية للجم شهية التوسع الإيرانية، ولمحاصرة النفوذ التركى ومتطلباته، بما فى ذلك طمأنة إسرائيل واللوبى اليهودى الضاغط عليها، ورابعا، وهو الأهم، لأن مثل هذا الإشراف يدشن مناخا سياسيا جديدا قد يرضى الداعمين العرب والغربيين ويشجعهم على المشاركة فى إعادة الإعمار، ولنقل يغازل اشتراطهم تنفيذ الانتقال السياسى قبل بدء عملية إعمار تتخطى تكلفتها بالأرقام الأولية، القدرة المحدودة لروسيا وحلفائها، ولا يبدل الأمر تنطح الصين ودول البريكس لهذه المهمة.

والقصد أن قرار إعادة الإعمار شيء وتنفيذه شيء آخر، ويتوهم من يعتقد ببدء التنفيذ فى ظل الشروط القائمة، وبالأهداف السياسية التى يطرحها النظام وحلفاؤه، فلا يمكن أن تنجز عملية إعادة إعمار بالمعنى الحقيقى، إن غابت عنها الدول الكبرى ومؤسساتها التى تمتلك الأموال والتقنية والخبرات، وأهمها دول ذات وزن حاسم، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسة ودول الخليج العربى. وهؤلاء بداهة، لن يتعاطوا مع عملية إعادة إعمار تصب الحب فى طاحونة النظام السورى وحلفائه ومشاريعهم السياسية المعروفة والمرفوضة.

وفى المقابل، يشكل الإشراف الأممى حافزا لتأمين مصالح الدول الغربية ما دام يفتح الباب أولا، لدخولها بصورة شرعية ومستدامة فى الوضع السورى وللمشاركة الجدية فى تقرير مصيره ومستقبله العمرانى والسياسى، وثانيا، لأنه يمكنها من محاصرة نفوذ الدول الإقليمية ومشاريعها المغرضة فى سوريا، وتحديدا إيران وتركيا، عداكم عن أنه يشكل بديلا مقبولا عند إسرائيل عن تحالف الدول الثلاث الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، وثالثا، لأنه يخفف إلى حد كبير ضغط اللاجئين السوريين، حيث لا يمكن أن يُطمئن هؤلاء الهاربين من أتون العنف والانتقام ويشجعهم على العودة لديارهم، سوى وجود طرف ثالث يضمن لهم الأمن والحماية ويعيد التأسيس للبنيتين التحتية والخدمية، بما فى ذلك عودة آلاف الكوادر العلمية والمهنية المعنية بإعادة إعمار وطنها، والتى لا بد أن تفرض تأثيرها على الحياة المدنية والسياسية وقد باتت أكثر إيمانا بالقيم الغربية، ورابعا، لأنه يعزز توحيد الجهود الدولية لدحر الإرهاب الإسلاموى ولتمكين مناهضيه من لعب دور ثقافى وسياسى ضده، وأيضا لتخفيف المظالم والأسباب التى تساهم فى توليده وتنميته، وخامسا، لأنه يساهم فى تغيير الصورة السلبية التى ترسخت بين السوريين والعرب عن مجتمع غربى لم يحرك ساكنا لوقف ما حصل من قتل ودمار، ولم يتدخل لحماية أرواح المدنيين.

اعتمدت الأمم المتحدة مبدأ الإشراف الدولى كوسيلة لمعالجة مخلفات الحرب العالمية الثانية، ولإنقاذ مجتمعات عجزت عن التخلص من صراعاتها الدموية بسبب تهالك بناها الذاتية وتشابك التدخلات الخارجية فى شئونها، وهو ما وصل إليه الوضع السورى، ما يعنى، أن الإشراف الدولى، بات طريقا ممكنة لتخليص السوريين من محنتهم، ربطا بتحجيم دور النظام القمعى القائم، مع الحفاظ على ما تبقى من الدولة ومؤسساتها، ومنع سقوط المجتمع فى أوحال الطائفية والمحاصصة والتقسيم وأتون الثأر والانتقام.

وحين تخلص الدول الكبرى إلى اعتماد الإشراف الدولى على سوريا كخطة طريق لإطلاق عملية تغيير بنيوية تحيى دور المجتمع وتبعث الثقة بمكوناته المدنية فى رسم مستقبل البلاد، تصبح مفاوضات جنيف قابلة للحياة، ويغدو بالإمكان إنجاح النظام السياسى الانتقالى، ووضع حد لمراكز سلطوية فاسدة أفرزتها الحرب، بما فى ذلك تفكيك التنظيمات المتطرفة واستيعاب المعارضة المسلحة فى جيش وطنى يعاد تشكيله، فى سياق إعادة هيكلة مؤسسات الدولة ودورها العمومى، يحدوها انتشار لجان أممية للرقابة الأمنية والسياسية تستعين بمختلف الكوادر والخبرات السورية.

لن يكون تمرير هذا الخيار سهلا وستقاومه أطراف كثيرة وتعرقله، أولها سلطة تأبى تقديم التنازلات وتستمر فى التهرب من الحلول السياسية، لكن صعوبة، إن لم نقل استحالة، استمرارها فى الحكم بعد ما ارتكبته، ثم حاجتها الماسة للمساعدات المادية والتقنية الغربية والعربية لمعالجة الخراب العمرانى والاقتصادى، والأهم اضطرارها للخضوع للإرادة الروسية إن تبنت الإشراف الأممى، هى عوامل ستحاصر مجتمعة رفض السلطة السورية وتجبرها على الالتزام بما يقرره المجتمع الدولى، وربما لن يختلف الأمر بالنسبة لإيران التى تستنزف فى العراق واليمن، وقد تكره على المساكنة تحسبا من اندفاعة للبيت الأبيض تضع تهديداته بالحد من نفوذها موضع التنفيذ، وكذلك حال تركيا التى لن يهمها فى نهاية المطاف سوى احتواء الوضع الكردى وضبط انفلاته.

واستدراكا، يغدو خيار الإشراف الأممى اليوم، ضرورة وفرصة فى آن، ضرورة لإنقاذ المجتمع السورى من مصائر مأسوية تهدد وحدته ومستقبله، بما فى ذلك وقف الاستهتار الدولى المخزى بالأرواح التى تزهق وبمعاناة بشر فاقت كل الحدود، وفرصة تخلقها حوافز موضوعية لتشابك المصالح العالمية وتقاطعها، يعزز حظوظها أن تكون أوروبا، بما تملكه من وزن ومصالح لدى جيرانها العرب، هى السباقة لتبنى هذا الخيار والتشجيع عليه.

الحياة ــ لندن
التعليقات