هل فجر الأزهر الكنائس؟ - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل فجر الأزهر الكنائس؟

نشر فى : السبت 22 أبريل 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 22 أبريل 2017 - 9:30 م

وصل الخلاف بين السلطة والأزهر فى أعقاب تفجيرات الكنائس حدَّ إعلان وفاة المؤسسة الدينية العريقة على لسان أحد مذيعى التوك شو. الأزهر على حد قوله: فشل فى الاستجابة لتعليمات الرئيس، ولم يفعل شيئا على مدى سنوات لتجديد الخطاب الدينى من أجل القضاء على الإرهاب. وهو ما يجعله شريكا فى المسئولية عما يحدث على الأقل من وجهة نظر القلقين من إحجام الأزاهرة عن الاستماع للرئيس والامتثال لأوامره.
المدافعون عن الأزهر ينفون التهم عنه ويضعون كثيرا من الحجج لتبرئته مما ينسب إليه. فحتى إن صح أن بعض المنخرطين فى أعمال العنف هم من خريجى الأزهر، فهم فى النهاية قلة لا تمثل مؤسسة يتخرج منها آلاف كل عام. أضف إلى ذلك أن كثيرا من المنخرطين فى جماعات العنف و«الجهاد» الإسلامى أتوا من خلفيات متباينة وبينهم كثير من الأطباء والمهندسين وغيرهم.
لا يحتاج الأمر لكثير من الإنصاف للإقرار بأن الأزهر ورجاله ليسوا مسئولين مسئولية مباشرة عن ذبح الأقباط أو تفجير الكنائس لا فعلا ولا تحريضا. هذه بديهية.
إلا أننا فى الوقت ذاته لا نستطيع أن نغفل أن الأزهر شريك برجاله ومشايخه وخريجيه فى نشر خطاب الكراهية والإقصاء والطائفية فى ساحات الدرس وعلى منابر المساجد. كثير من خطباء الأزهر وخريجيه يشاركون مشايخ الوسطية والسلفيين من داخل الأزهر وخارجه فى تبنى مفاهيم التكفير والإقصاء، وكلها موجودة فى المناهج التى يدرسونها لمختلف الأعمار فى معاهدهم المنتشرة فى ربوع المحروسة. نظرة واحدة إلى تعليقات المصريين عقب تفجيرات المسيحيين أو عمليات الاعتداء على أقباط كفيلة بإدراك مدى النجاح الذى تحقق فى زرع مفاهيم مغلوطة عن معنى وماهية الإيمان أو الانتصار للعقيدة.
ليس الأزهر شريكا بالفعل وإنما بالمساهمة فى تأسيس بيئة حاضنة للتطرف، وبنشر أفكار ومفاهيم هى أبعد ما تكون عن سماحة الدين والعقيدة، بحجة أنها ما استقرت فى تراث السلف الصالح على مدى قرون. وقد استبسل الأزاهرة فى الدفاع عن الموروث المستقر إلى حد التماهى مع الخالق والقول: بأن من يخالفونهم فى الرأى أعداءهم وأعداءه، وفى البيان الصادر منذ أيام عن مجلس كبار علمائهم يقولون: إن منتقديهم هم «أعداء الأزهر، بل أعداء الإسلام».
وتاريخ الأزاهرة فى تكدير وتكفير من يخرج على صفوفهم أو يجروء على مخالفتهم ووصمهم بالردة والتحريض على قتله معروف، ويضيق المقام هنا عن ذكر ما فعلوه مع الراحلين فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وغيرهم.
ومن الغريب والطريف أن الأزهر لم يجد حجة للدفاع عن نفسه أفضل من هذا الجمود والثبات. ففى بيانهم قالوا: إن «الحقيقة التى يتنكر لها أعداء الأزهر بل أعداء الإسلام هى أن مناهج الأزهر، اليوم، هى نفسها مناهج الأمس».. يا للمأساة!
من الصعب أن نتصور أن يصلح الأزهر من نفسه بنفسه. فنشر مفاهيم التسامح والتعددية والقبول وبساطة الدين وإنسانيته، يعنى التنازل عن صولجان الحقيقة الإلهية المطلقة، وعن سلطان الكهنوت المفروض على العامة. إقناع الناس بسهولة الدين واتفاقه مع الفطرة وتذكيرهم بأنه لا توجد وساطة بين العبد وربه فى الإسلام ليست الرسالة التى يمكن أن تحفظ لهم مواقعهم كوسطاء بين الناس وبين الله، ومرجعيات تحتكر الفهم والنقل والتفسير لما أنزل على رسوله.
الأغرب فى هذا الصراع كله هو أن الدولة التى تسعى لتطوير الخطاب الدينى، كانت الشريك الفاعل فى زرع مفاهيم التدين المغلوط، والراعى الأهم لتوسيع نطاق انتشار الأزاهرة بمدارسهم ومعاهدهم ومفاهيمهم. وهى التى صنعتهم نجوما فى أعلام الدولة. بل وحولت أئمتهم ودعاتهم إلى أولياء من دون الله، لا يملك أحد أن يراجعهم فى رأى أو تفسير دون يتهم بالردة والزندقة.
أضف إلى هذا أن الجالسين على مقاعد السلطة من المطالبين بإصلاح الخطاب الدينى، هم أنفسهم من أفسدوا الخطاب السياسى باعتماد مفاهيم الإقصاء والتخوين والإخراج من الملة الوطنية بنفس المنطق والآلية التى يتعامل بها مشايخ الوسطية مع مخالفيهم فيما يبدوا كما لو كان إنكارا تاما من الجانبين لأن العنف والدم والكراهية التى بدأت تلتهم أجزاء من الوطن هى محصلة إخفاق فى الفهم والاستيعاب والانفتاح على كل المستويات وعلى رأسها الدين والسياسة.

التعليقات