حاجة مصر إلى معجزة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 3:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاجة مصر إلى معجزة

نشر فى : الأربعاء 23 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 مايو 2012 - 8:00 ص

دقّ الأستاذ هيكل فى حواراته المستفيضة أخيرا فى الصحافة والتليفزيون، جرس الإنذار للاحتمالات المفتوحة على المستقبل مع انتخابات رئيس جديد للجمهورية. حيث بدت الفترة الانتقالية وكأنها وضعتنا أمام طريق محفوف بالمخاطر. يحمل فيها كل مرشح أثقالا عديدة لما يمثله من موروث سياسى يتحرك فى إطاره وما سوف يواجهه من مصاعب وعقبات. يتساوى فى ذلك الذين يمثلون التيار الدينى ويرون أن من حقهم بحكم الأغلبية خوض التجربة إلى آخرها، أو أولئك الذين ينحازون إلى الاتجاه المدنى ويرون أن مصائر البلاد تحتاج إلى إدارة قوية مجربة.. أيا كانت الأسماء والاتجاهات والتيارات!

 

وبينما يختلف الناس فى توقعاتهم ويشعر الكثيرون بمتعة الرهان على المستقبل، لا يريد أحد أن ينظر إلى أبعد من اللحظة الراهنة بكل بؤسها والتباساتها. كما لا يريد أن ينظر إلى الخلف بكل أحقاده ومراراته. ولدى المصريين قناعة بأن كل ما هو آت لا محالة آت. وأى رئيس قادم سوف يحتاج إلى معجزة لإزالة تلال المشكلات والتعقيدات التى تراكمت على مر الزمن: فى الاقتصاد والتعليم والتعمير والزراعة والصناعة وسوق العمل.. إلى غير ذلك. وما عليهم إلا أن ينتظروا ما يحمله لهم القدر من مفاجآت.

 

وفى خضم حالة الهرج والمرج والمعارك الصاخبة بين المرشحين، والخناقات الناشبة بين البرلمان والمؤسستين العسكرية والدستورية.. لم ينتبه كثيرون إلى الضربة القاصمة التى تلقتها مصر من صندوق النقد الدولى الذى رفض بعد شهور من المفاوضات والاتصالات والأخذ والرد إكمال قرض الـ3.2 مليار دولار، بسبب قلق القائمين على الصندوق من عدم وجود توافق مجتمعى وسياسى. وهو ما يعنى أن ثمة خلافات داخلية بين القوى السياسية والمجتمعية فى مصر تحول دون إتمام القرض وتشكك فى القدرة على سداده. ومثل هذا القرض لا تتوقف أهميته على توفير سيولة لدعم الموازنة فقط، إنما ترجع أهميته إلى أنه يعد بمثابة شهادة رسمية من الصندوق على مدى قوة الاقتصاد المصرى، وقدرته على جذب الاستثمارات. وحين نعجز عن الحصول على مثل هذه الشهادة فنحن نقف عرايا أمام مجتمع دولى كالمتسول على قارعة الطريق.

 

ولكى يهدئ وزير المالية من روع المصريين بأن الأمور تحت السيطرة، فقد عدنا إلى الحديث عن السعى للحصول على قرض من السعودية بقيمة نصف مليار دولار.

 

من الواضح أن مصر تقترب كثيرا من نموذج اليونان، وقد عجزت أثينا عن الوفاء بالتزاماتها لسداد القروض الضخمة التى حصلت عليها من دول اليورو. وكانت مشكلتها ومازالت هى تقاعسها عن تنفيذ إجراءات التقشف المطلوبة لسد العجز فى الميزانية والحد من الإنفاق العام وتخفيض نسب إعانة البطالة والمعاشات.

 

حصلت اليونان على فترات سماح متتالية، زودها الاتحاد الأوروبى خلالها بمليارات الدولارات كقروض. ولكنها كانت تأتى فى كل مرة تطالب بالمزيد. ولم تستطع وقف المظاهرات والإضرابات وإقناع نقابات العمال بالعودة إلى العمل.. الأمر الذى أدى فى النهاية إلى إحباط عام بين الدول الأوروبية التى أسهمت فى إقراض اليونان وعلى رأسها ألمانيا. وبات من المتوقع فى أى لحظة أن يتم خروج العملة اليونانية «الدراخما» من سلة اليورو. وإذا حدث هذا وهو أمر ليس بعيد الاحتمال، فقد تجد اليونان نفسها ملقاة على قارعة الطريق خارج أسوار الاتحاد الأوروبى.

 

صحيح أننا فى مصر لا ننتمى إلى اتحاد اليورو، ولسنا جزءا من مجموعة دول عربية مثل اليونان فى مجموعة الدول الأوروبية. ولكن الجميع يعلم أن خروج اليونان من الاتحاد الأوروبى سوف يرسم بداية النهاية لأكبر تجمع اقتصادى عالمى. ولن يقتصر الأمر على ذلك.. فقد بدأ نسيج المجتمع اليونانى فى التشقق والتمزق. وأدى تدهور الأوضاع الاقتصادية وعجز الحكومات والأحزاب السياسية عن مواجهة المشكلة، إلى صعود قوى اليسار المتطرف بنشوء حزب يسارى جديد بزعامة الكسيس تسيبراس، يسعى إلى تسوية مع دول الاتحاد الأوروبى يمكن اليونان من الخروج على المجموعة.

 

ما نراه حولنا فى بلد مثل اليونان، وهى كشعوب البحر المتوسط عموما مثل مصر، لابد أن يثير مخاوفنا من أن نجد أنفسنا نسلك نفس الطريق. فالشعب اليونانى الذى يفضل جلوس المقاهى ولعب الطاولة، ويرفض أى ضغوط لإرغامه على الحد من إنفاقه وقبول إجراءات التقشف، يثير حفيظة الأوروبيين ويفقد تعاطفهم.

 

فإذا نفد صبر المجتمع الأوروبى إزاء اليونان، فمن الأولى أن ينفد صبر المجتمع الدولى إزاء مصر إذا ظلت الأوضاع السياسية والاجتماعية على ما هى عليه من زعزعة وعدم استقرار.. وهذا ما يجعل الحديث عن حاجة أى رئيس قادم فى مصر إلى معجزة، وبالأساس حاجة مصر إلى رئيس يصنع معجزة، وإلى شعب يصدق قدرته على صنع المعجزة.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات