هوس الدولة المدنية - رباب المهدى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 6:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوس الدولة المدنية

نشر فى : الأربعاء 22 يونيو 2011 - 8:28 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 يونيو 2011 - 8:28 ص
الوضع فى مصر الآن يشبة عائلة وضعت مقدما كبيرا لشراء قصر منيف متعدد الغرف والمنافع، ثم اختلف أفراد العائلة حول كيفية تأمين هذا القصر وسداد باقى الأقساط. فقبعوا فى غرفة واحدة منه وبدأوا يتشاجرون حول من يجلس على المقعد الوحيد الموجود بالغرفة، ومن له الأفضلية فى النظر من النافذة.

نسوا أنهم دفعوا مقدما كبيرا لشراء قصر وليس غرفة. أذكر هذا المثل على خلفية ما يحدث الآن من استقطاب وسجالات شتى حول المبادئ فوق الدستورية ومعركة الدستور أولا (بحملاتها المختلقة) وأخيرا دفاع البعض عن وجوب تشكيل هيئة من القضاة والعسكريين لحماية مدنية الدولة. وعلى قدر تفهمى لمشروعية جزء من خوف البعض على ما يراه مبادئ الديمقراطية مثل منع تحولها إلى دكتاتورية الأغلبية، فإن معركة الدولة المدنية أصبحت تشكل خطرا حتى على مستقبل الديمقراطية فى بلدنا لعدة أسباب.

•••

أولا: لأنها خارج السياق التاريخى والاجتماعى للحالة المصرية. ففى أوروبا ــ منبع هذه المعركة ــ كانت مدنية الدولة (أو فصل الدين عن الدولة) مرتبطة بصراع بين الإقطاع المتحالف مع المؤسسة الدينية من جهة وعذابات جماهير الفلاحين ثم ظهور البرجوازية الناشئة من جهة أخرى. بمعنى أنه كان صراعا فرضته متغيرات اقتصادية و اجتماعية ذات بعد جماهيرى وليس صراعا بين نخبة محدودة منعدمة الجذور فى المجتمع ومنفصلة عن نضالاته كما فى الحالة المصرية. وبهذا المعنى فهى معركة فوقية الخسارة فيها مؤكدة وتنسحب ــ وهذا هو الأخطر ــ على خسارة مبادئ ديمقراطية مهمة مثل عدم التمييز والمساواة.

•••

ثانيا: فإن هذه المعركة وفى هذا التوقيت بالذات تبعد مرة أخرى بالنقاش العام والصراع السياسى عن جموع الشعب، وهذا ما نجح فيه نظام مبارك ومكنه من الاستئثار بالحكم ثلاثين عاما ثم جاءت الثورة لتكسره. فاستمرار السلطوية تحت عباءة التعددية السياسية فى النظام السابق كان مبنيا على حالة من انعدام الثقة بين التيارات السياسية دفعتهم للتحالف مع النظام فى مقابل تحالفهم ضده، ودفعت بالجماهير نحو العزوف عن السياسة وفقدان الثقة فى هذة التيارات. ومن هذا المنطلق فإن اختصار الصراع السياسى والنقاش العام فى معارك منفصلة الصلة بالجماهير مثل معركة الدولة المدنية هى إعادة إنتاج لهذا النمط من الحكم الذى يبعد الجماهير عن المشاركة فى السياسة ويفتح باب السلطوية على مصراعيه.

خاصة حينما تأتى هذة المعارك الضيقة فى ظل لحظة ثورية تحركت فيها هذه الجماهير وأعلنت بوضوح عن أولوياتها: الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. وبدلا من أن تلتقط التيارات السياسية هذه الأولويات و تطرح رؤاها حول البدائل فى مسألة توزيع الثروة وإعادة صياغة منظومة الأمن، تنجر إلى معركة مفتعلة حول مدنية الدولة. فى حين أن كل هذه القوى (إسلاميين وليبراليين) لم تحرك ساكنا ضد قانون تجريم الإضرابات مثلا مع أنه فى صميم الديمقراطية، ولم نر لها ردة فعل على شكل الموازنة العامة الجديدة التى حافظت على امتيازات أصحاب الثروة فى مقابل حقوق الفقراء والكادحين. ولكن رأيناها تخرج المبادرة تلو الأخرى لتقرر أن الأولوية الآن هى لمعركة الدستور وتحاول أن تقصر هذة المعركة على تضمين ما تراه هى مهما وليس على إنتاج آلية تضمن التمثيل الشعبى فى إنتاج هذا الدستور.

•••

وفى هذا السياق تصبح على استعداد ــ وهذا هو الخطر الثالث ــ أن تستعين بالجيش لحماية مدنية الدولة مستلهمة نموذج أتاتورك فى تركيا والذى أدى إلى انقلابات عسكرية، والذى جاهدت تركيا لعقود للخروج منه. وتنسى أو تتناسى هذه النخبة أن من أول مبادئ الديمقراطية بعد الجيش عن السياسة و أن من أتى بحكم الإسلام السياسى فى السودان هو الجيش.

•••

نحن فى مصر دفعنا الثمن لدولة ديمقراطية تفصل الجيش عن السياسة، وتجعل للمواطنين الصوت الأعلى فى تحديد الأولويات العامة. دولة لا تقوم على التمييز أو الإقصاء وتبنى من منظور العدالة الاجتماعية. هذة الدولة الديمقراطية تهددها الآن أقلية مشغولة فقط بعلاقة الدين بالدولة بشكل مطلق وخارج السياق التاريخى والمجتمعى.

 

التعليقات