براءة تريحنا ولا تطمئننا - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

براءة تريحنا ولا تطمئننا

نشر فى : الأربعاء 22 يوليه 2009 - 10:59 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 يوليه 2009 - 10:59 م

 يريحنا ولا يطمئننا قرار تبرئة المدرس الذى اتهم بإهانة الرئيس. يريحنا لأنه ألغى حكما بحبس الرجل لمدة ثلاث سنوات مع كفالة تعجيزية قيمتها مائة ألف جنيه، لمجرد أنه كتب ست أبيات شعرية انتقد فيها الأوضاع الحالية فى مصر. وجاء فى حكم البراءة أن الرجل حين كتب ما كتب فإنه كان يسجل خواطر شخصية كتبها لنفسه، وأنه لم يقم بتوزيعها، الأمر الذى يعنى انتفاء ركن العلانية وقصد الرغبة فى الإشهار، وينفى القصد الجنائى. وإلى جانب ذلك فإنه لم يستهدف بما كتبه إهانة رئيس الجمهورية.

دعك من أن توجيه التهمة إلى المدرس ــ سعيد منير حنا ــ هو الذى وفر ركن العلانية لما كتبه، وأن ما كان خواطر شخصية احتل مكانه فى الصحف اليومية، وحقق له شهرة لم يكن يحلم بها بفضل ذكاء وحسن تدبير الأجهزة الأمنية التى قدمته إلى المحاكمة، وسعت إلى سجنه وقطع لسانه. وفى هذه الحالة فإنه يحق لصاحبنا لا أن يوجه الشكر فقط إلى محكمة الاستئناف التى برأته، ولكن أيضا إلى جهاز أمن الدولة الذى جعل صورته وسيرته وشعره على تواضعه متداولا فى مختلف الأوساط الثقافية والحقوقية وربما السياسية أيضا. ثم إلى وسائل الإعلام التى حولته من مدرس مغمور فى إحدى مدارس محافظة المنيا فى صعيد مصر، إلى نجم تصدرت صورته الصفحات الأولى للصحف.

أما الذى لا يطمئننا فى المسألة فأمور عدة منها ما يلى:
< أن الرجل كتب خواطر شخصية بخط يده، ولكنها وقعت بين يدى مسئول الأمن بالإدارة التعليمية فى بلده «العدوة»، فما كان من صاحبنا إلا أن أقام دعوى قضائية ضد المدرس، اتهمه فيها بإهانة رئيس الجمهورية، وهو ما يثير السؤال التالى: كيف وصلت تلك الخواطر الشخصية إلى يد مسئول الأمن؟.. وألا يعنى هذا أن هناك من يحاول أن يتلصص على موظفى الحكومة إلى الحد الذى يمكِّن مسئول الأمن من الوصول إلى أوراقهم الشخصية؟
< من حقنا أيضا أن نتساءل: لماذا يتواجد مسئول للأمن أصلا فى الإدارة التعليمية؟.. ــ ألا يدل ذلك على المدى الذى بلغه انتشار ممثلى الأجهزة الأمنية فى مفاصل الدولة، وتواجدهم فى مختلف الوزارات والإدارات، حتى إذا كانت صغيرة وفى مكان بعيد عن الأعين مثل بلده العدوة؟

إن آخر ما يمكن أن يخطر على البال أن يكون للجهاز الأمنى مندوب يحتل وظيفة رسمية فى بلدة صغيرة مثل «العدوة»، الأمر الذى يفسر بحسبانه محاولة لرصد ما يجرى فى الوسط التعليمى، بمدرسيه ومشرفيه وطلابه. وإذا صح ذلك فكم يصل عدد مسئولى الأمن فى جميع مديريات وزارة التعليم؟ وما هو عددهم فى بقية وزارات وهيئات الحكومة. وإذا أضفنا هؤلاء إلى عدد العاملين فى أجهزة وزارة الداخلية فكيف يصبح حجم هذا الجيش العرمرم؟. وهل يكون ذلك مصدرا لاطمئناننا أم سببا فى قلقنا ودهشتنا؟

أثلجت البراءة صدورنا حقا، لكننا لم نعرف لماذا كانت هناك قضية أصلا. وألا يثير ذلك شكنا فى أن الهدف من العملية إخافة الناس وتحذيرهم من توجيه أى نقد للسلطة. عملا بالمثل القائل: اضرب المربوط يخافك «السايب».

وإذا لم تكن هناك قضية ــ كما أكد حكم الاستئناف ــ فإننا قد نفهم ادعاء مسئول الأمن، لأن الأصل عند هذه الأجهزة أن المواطن متهم حتى تثبت براءته. فلماذا حولت النيابة المدرس إلى القضاء؟ ولماذا أصدر القاضى الابتدائى حكمه القاسى ضد الرجل، وقررت حبسه ثلاث سنوات وفرضت عليه مائة ألف جنيه كفالة لكى يستأنف الحكم؟.. وأليس ذلك دالًا على أن رياح الخوف ومداهنة الحكومة ضربت أيضا مرفق العدالة، فجعلت بعضنا من رجال النيابة والقضاء يزايدون على أجهزة الأمن؟

لا ننسى واقعة الطالبة آلاء مجاهد التى انتقدت الحكومة عام 2006 فى موضوع للإنشاء فعاقبتها الإدارة التعليمية بالدقهلية بتعليق نتيجتها وحرمانها من استكمال الامتحان (الرئيس تدخل لانقاذ مستقبلها). وها هو مدرس فعل نفس الشىء فى أوراقه الخاصة فقُدِّم إلى المحاكمة، الأمر يدل على أننا نتراجع خطوات إلى الوراء كلما تقدمت بنا السنون. وسأترك لك الإجابة عن السؤال: هل هذا مما يطمئننا أو يقلقنا؟.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.