المسلمون فى أمريكا «بين التجسس والإرهاب» - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 3:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المسلمون فى أمريكا «بين التجسس والإرهاب»

نشر فى : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 8:00 ص

خلال حفل الافطار الرمضانى الذى أستضافه الرئيس الأمريكى يوم الرابع عشر من الشهر الماضى أمام حشد من ممثلى الجالية الإسلامية الأمريكية، إضافة إلى سفراء الدول الإسلامية، استشهد باراك أوباما بقيم الدين الإسلامى الداعية للتفانى والسلام والاحسان. وقال أوباما «علينا أن نظل أوفياء لأسمى مثلنا، فى الولايات المتحدة الأمريكية، ليس هناك مكان للانقسامات الزائفة بين الأعراق والأديان. كلنا أمريكيون، وكلنا متساوون فى الحقوق والكرامة، ومن المحظور إطلاقا استهداف أى كان أو الانتقاص من قدره بسبب دينه. وهذا أيضا ما يجعلنا أقوى». إلا أنه وقبل أسبوع من كلمات الرئيس الأمريكى الجميلة، كشفت تقارير موثقة وجود لائحة تضم ما يقرب من سبعة ألاف شخص الكثير منهم مواطنين أمريكيين يخضعون لتجسس أجهزة الأمن القومى الأمريكى، وكان لوجود خمسة من كبار النشطاء الأمريكيين المسلمين ضمن القائمة المذكورة أثاره الكبيرة على الجالية المسلمة التى يقدر عددها ما بين ثلاثة إلى ستة ملايين شخص.

•••

ورغم تناغم المسلمين فى النسيج المجتمعى الأمريكى بصورة أكبر من نظيراتها فى أى دولة غربية أخرى، وهو ما يظهر فى تمتعهم بمستويات تعليمية ووظيفية ومالية أكبر مما يتمتع به متوسط المواطن الأمريكى، إلا أن ممارسات أجهزة الأمن الأمريكية تشكك الكثير منهم فى حقوق المواطنة التى يتمتع بها كل الأمريكيين. سياسيا لا ينشط المسلمون الأمريكيون على المستوى القومى العام، إلا ان الاستثناء يظهر فى مجلس النواب (أحد مجلسى الكونجرس بالإضافة لمجلس الشيوخ) الذى يضم نائبين مسلمين، النائب كيث أليسون – الحزب الديمقراطى – ولاية مينيسوتا، والنائب أندريا كارسون- الحزب الديمقراطي- ولاية أنديانا.

واشتملت لائحة المسلمين الأمريكيين الخمسة كلا من فيصل جبيل، من النشطاء داخل الحزب الجمهورى، وعمل سابقا فى عدة مناصب حكومية. نهاد عوض، المدير التنفيذى لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، وهى أكبر منظمة حقوق مدنية اسلامية فى الولايات المتحدة. آغا سعيد، بروفيسور علوم سياسية فى جامعة كاليفورنيا، ومدافع صلب عن الحريات المدنية للمسلمين داخل أمريكا ومناصر للحقوق الفلسطينية. عاصم غفور، محام بارز خاصة فى قضايا الارهاب. هوشنك أمير أحمدين، بروفيسور علاقات دولية فى جامعة روتجرز بولاية نيوجيرسى.

ويعتقد أن مراقبة هؤلاء الخمسة تمت تحت صلاحية قانون يسمى «مراقبة المخابرات الأجنبية». وتحت طائلة هذا القانون يجب على وزارة العدل إقناع قاضى محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية السرية بمبررات مقبولة بأن هؤلاء الاشخاص وكلاء لمنظمة إرهابية، أو دولة أجنبية. وبعد أن يصدر القاضى المختص التصريح يجدد عادة كل 90 يوما حال التجسس على مواطنين أمريكيين.

ويؤكد موقع الإنترسيبت الاخبارى أن النظام القانونى لمنح تراخيص لوكالة الأمن القومى من أجل القيام بعمليات المراقبة يمنح الحكومة الأمريكية مجالا واسعا من الحرية فى التجسس على من تختار من المواطنين الأمريكيين.

وتثير طبيعة أسماء المسلمين الخمسة تساؤلا هاما عن معايير إخضاعهم للمراقبة، فهم بلا استثناء شخصيات عامة تظهر كثيرا فى وسائل الاعلام الأمريكية، وتشارك فى ندوات ونقاشات عامة ومفتوحة تشمل فى بعض الأحيان مسئولين أمريكيين كبار. من هنا أرسل تحالف من 44 منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان والحقوق المدنية والدينية، تضم فيها عدد محدود من الجمعيات الإسلامية، رسالة إلى الرئيس الأمريكى باراك أوباما للمطالبة «بشرح مفصل علنى لهذه التصرفات». وجاء فى نص رسالة التحالف بقيادة اتحاد الحريات المدنية الأمريكى أنه «على إدارتكم ان تنبذ مصطلح التمييز» وأيضا فى ما يتعلق بالربط بين الديانة والأمن القومى.

وجاء رد فعل البيت الأبيض متوقعا، إذ أمر بالتحقيق فى نشاط الوكالة بعد تسرب المعلومات عن نشاطاتها التجسسية ضد الشخصيات المسلمة، وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض كيتلن هايدن «من غير المقبول استخدام النمطية العرقية أو الدينية بهذه الطريقة».

•••

ومنذ هجمات سبتمبر الإرهابية تعرضت الجالية الأمريكية المسلمة إلى رقابة متزايدة من قبل الحكومة والشعب الأمريكى خاصة مع وقوع أى حوادث إرهابية سواء قام بها مسلم أو غير مسلم. من هنا يواجه المسلمون عملية profiling اشتباه نمطى متزايدة فى المطارات. وتقوم بعض الأجهزة الأمنية بمراقبة العديد من المساجد التى يعتقدون بانعقاد دروس واجتماعات قد ينتج عنها تهديدات مستقبلية. من هنا يشعر العديد من الأمريكيين المسلمين أنهم يعاملون كطابور خامس حيث أنه يتم التساؤل والشك بولائهم لأمريكا بسبب ما حدث فى سبتمبر 2001.

من ناحيتها أشارت دراسة لمؤسسة بيو لدراسة الرأى العام جرت خلال مايو الماضى على عينة عشوائية من 1504 مواطن أمريكى أن 63% من الأمريكيين يعتقدون بوجود تمييز ضد المسلمين بصورة أو أخرى، فى حين يعتقد 19% فقط بعدم وجود أى تمييز. كما أشارت الدراسة إلى اعتقاد 46% من الأمريكيين أن الإسلام يشجع العنف فى حين نفى42% وجود علاقة بين الديانة الإسلامية وأعمال اعنف.

وانقسمت تجربة المسلمين الأمريكيين منذ سبتمبر 2001 بين ما هو إيجابى وما هو سلبى. إيجابيا طور المسلمون خبرات فى التعامل مع تحديات التمييز العنصرى، إذ فرضت تداعيات سبتمبر 2011 على المسلمين زيادة أيمانهم بضرورة وقيمة العمل السياسى والقانونى بشكل عام. ومن جانب آخر دفعت الأزمة المسلمين إلى العمل على مساندة والوقوف مع مؤسساتهم الخدمية والحقوقية. وتمثل الجانب السلبى فى زيادة حالات التمييز العنصرى ضد المسلمين والعرب سواء فى أماكن العمل لو الدراسة أو التسوق.

فى النهاية، عندما حل شهر رمضان الماضى، هنأ الرئيس باراك أوباما الشعب الأمريكى والمسلمين قائلا «هنا فى الولايات المتحدة، نحن ممتنّون للعديد من المنظمات الأمريكية الإسلامية، والأفراد المسلمين، والشركات المملوكة لمسلمين»، إلا أن كلمات باراك أوباما تعكس تناقضا كبيرا بين كلماته الجيدة من ناحية وبين شكوك وسلوكيات العديد من أجهزة حماية الأمن القومى الأمريكية من ناحية أخرى

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات