أردوجان وزيناوى فى مصر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أردوجان وزيناوى فى مصر

نشر فى : الخميس 22 سبتمبر 2011 - 10:45 ص | آخر تحديث : الخميس 22 سبتمبر 2011 - 10:45 ص

فيما لا يزيد على عشرة أيام استقبلت مصر اثنين من الزعماء اللذين يتمتعان بشعبية واضحة فى بلديهما، هذا فضلا عن أن كل واحد منهما يمثل مدرسة مختلفة فى السياسة، وينتمى إلى دولة تختلف مشاكلها وآمالها وطموحاتها عن دولة الآخر، ومن الواضح أن أردوجان فى الفترة الأخيرة استطاع أن يحقق شعبية ضخمة فى الأوساط العربية والإسلامية وذلك بمواقفه ضد إسرائيل وتصريحاته وسحبه للسفير التركى وطرده للسفير الإسرائيلى، فأردوجان زعيم له كارزيما خاصه ويعرف كيف يستخدمها ومتى، وهو ما يفتقده الكثيرون من الحكام العرب، فى حين أن زيناوى اكتسب شعبيته فى بلده وافريقيا بسبب هدوئه الواضح فى تحركاته، وقدرته على العمل الصامت، والتحالف مع الرؤساء الآخرين على أساس موضوعى وعلمى وهو واضح محدد الملامح فيما يريد وفيما يفعل وإذا كانت زيارة أردوجان اتسمت بشعبية ضخمه، وترحيب من الجماهير بسبب مواقفه بالمقارنة بزيارة زيناوى التى لم يهتم بها سوى المتخصصين فى شئون أفريقيا أو المهتمين بشئون مستقبل مصر خاصه من جهة مصادر المياه والتى تعتبر من أخطر قضايا المستقبل فى العالم ككل، بل يتنبأ الخبراء بأن حروب المستقبل ستكون بسبب المياه. ولا شك أن التحرك المصرى فى الاتجاهين يدل على أننا بدأنا نضع أقدامنا على الطريق الصحيح وأن المستفيد فى النهاية هو الشعب المصرى.

 

لكن بمحاولة المقارنة بين الزيارتين، أرى أن زيارة أردوجان كانت الفائدة منها هى تصحيح الفكر الشعبى عن حقيقة الحزب الذى ينتمى إليه أردوجان والمبادئ التى يتبناها مما أدى إلى حدوث صدمه ما فى التيار الإسلامى الذى كان يروج بين الناس أن أردوجان يتبنى المرجعية الإسلامية فى حكمه، اما المستفيد الأكبر من هذه الزيارة فقد كان أردوجان نفسه فأردوجان يعيش الصراع الحقيقى على قيادة المنطقة والطرف الآخر فى  هذا الصراع هو إيران بكل ما تمتلك من قوة نووية وتعضيد للقضية الفلسطينية وجبهه الصمود وحزب الله، لكن بحلول فصل الربيع العربى وانهيار ليبيا وثورة سوريا وإحراج حزب الله بسبب هذه الثورة وبسبب المحكمة الدوليه التى اتهمت قيادات الحزب فى مصرع الحريرى، ارتدى أردوجان القفاز وتحرك فى أكثر من اتجاه ليعلن للعالم كله أنه أصبح زعيم المنطقة ومن يريد أن يفعل شيئا فى هذا المحيط الجغرافى عليه أن يمر على تركيا حتى لو كانت إسرائيل، وكان اختياره لمصر لكى يعلن فيها ذلك، ليس بالكلام بالطبع لكن بالحركة والاتفاقيات والشو الإعلامى الضخم والحوارات.. اختيارا موفقا وجذابا لسببين الأول إن مصر كانت دائما القائد للمنطقة الكبرى منذ عام 1952 وحتى عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل 1978 حيث قام العالم العربى بهجوم شرس وعنيف ضد الاتفاقية، ولقد نجح مبارك فى العوده إلى الدول العربية، لكن فشل تماما سياسيا فى أن يكون زعيم الأمة التى يحقق طموحاتها وأن يحقق توازنا معقولا بين التزامه ببنود المعاهدة مع إسرائيل وبين التزامه العربى والإسلامى والذى هو أسبق وابقى لأى زعيم ثم فقد كل مصداقية سواء على المستوى المحلى أو العربى عندما بدأت تظهر ملامح مؤامرة التوريث وهكذا فقدت مصر ريادتها للمنطقة، ومع الثورة تحلقت الأنظار فى العالم العربى والأوروبى والأمريكى إلى مصر ونظروا إلى شعبها بكل تقدير واحترام، وتوقع الكثيرون عوده مصر إلى مكانتها الطبيعية، ولأن مصر هى محط الأنظار كان قرار أردوجان بزيارة مصر وهكذا أظن أن ما حققه أردوجان من زيارته لمصر أكثر كثيرا مما حققته مصر من هذه الزيارة وربما كان توضيح أردوجان لعلمانيته وعلمانية حزبه وكونه مسلما ملتزما لا يعنى إطلاقا أنه يحكم بالشريعة وبالدين وقال قولته الشهيرة والتى صدمت الكثيرين من المطالبين بالدوله الدينية إننى لا أحكم بالدين لأنى إنسان يخطئ، لذلك لا أحمل أخطائى على الدين والذى من طبيعته عدم الخطأ، ولقد صدمت هذه الجملة الكثير من المسيحيين قبل المسلمين الذين يتعاملون مع النصوص الدينية دون استخدام العقل ويشهرون النصوص فى وجوه المجتهدين، دون اجتهاد فى تفسير النص.

 

وإذا كانت الفائدة لمصر من زيارة أردوجان هى  هذه فقط فهذا يكفى لكنى أرى أن زيارة زيناوى كان لها فوائد عديدة لمصر من أهمها إعادة مصر إلى محيطها الأفريقى وهذا المحيط كان أولوية مطلقة لثورة يوليو 1952 بعد المحيط العربى مباشرة ولقد ساند عبدالناصر حركات التحرر فى أفريقيا من الجزائر وليبيا حتى السودان وغانا.. واستطاع بطرس بطرس غالى أن يجعل مصر هى الملاذ والقائد والأب لمعظم دول أفريقيا حتى اختبر أمينا للأمم المتحدة، وكأن مبارك استراح من افريقيا ذلك لأنه لم يكن يملك رؤية الزعماء مثل عبد الناصر والسادات، ولا رؤية السياسيين مثل محمود فوزى وبطرس بطرس غالى، وهكذا تركت أفريقيا لمغامرات القذافى المضحكة المبكية، لذلك كان سفر الوفد الشعبى لإثيوبيا تعبيرا عن ارتباط الشعب المصرى بمحيطه الأفريقى وجاءت زيارة زيناوى لتتوج هذه المشاعر. أما الأمر الثانى الذى حققته زيارة زيناوى فهو التفاوض على مصادر المياه (نهر النيل) وإقامه إثيوبيا لأحد السدود (سد الألفية) ومدى تأثر مصر به، حيث أعلن زيناوى التزامه باتفاقيه 1993 والتى تنص على عدم إقامة أى مشروع على النيل يمكن أن يضر بمصر والسودان، ولقد تم تكوين لجنة فنية محايدة من خبراء دوليين ومصريين لبحث أى تأثير ضار على مصر ولقد صرح زيناوى بالقول «إنه قد حان الوقت لإعمال العقول والاتفاق على تعظيم الاستفادة اقتصاديا من نهر النيل بدلا من الخوف والصراع».

 

ولقد كان لابد لإعلامنا أن يكون أكثر ذكاء ذلك لأن أردوجان جاء لتلميع زعامته وقيادته للمنطقة وقد حقق له إعلامنا أكثر مما كان يتوقع وجاء زيناوى ليس لطلب الزعامة للمنطقة أو لتحقيق مجد شخصى لكنه جاء ليبدأ علاقة حقيقية صحيحة للحفاظ على شريان الحياة الذى يربطنا معا والحوار الذى يجعل مصيرنا واحدا، فمن منهما أولى بالاهتمام الإعلامى وبرامج التوك شو؟!

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات