حرب الدهاء.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 7:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب الدهاء..

نشر فى : الإثنين 23 مارس 2009 - 5:02 م | آخر تحديث : الإثنين 23 مارس 2009 - 5:02 م

 تترقب أطراف عربية عديدة بكثير من الحذر ذلك التحول فى نبرة الحوار التى بادر الرئيس أوباما إلى طرحها بقوة مع إيران. ولدى العرب ما يشبه الرغبة المضمرة فى أن تكون الرسالة الأمريكية إلى حكام طهران لبدء حوار مباشر غير مشروط، مجرد نوع من الدهاء الأمريكى.. خصوصا وأن إدارة أوباما مددت، بعد توليها الحكم مباشرة، العقوبات التى كانت مفروضة على إيران. كما أن الرسالة الأمريكية فى عيد النيروز لم تتضمن اقتراحات محددة بل مجرد إبداء لحسن النوايا لحل المشكلات التى أدت إلى القطيعة والعداء بين الدولتين طوال أكثر من ثلاثة عقود.

ولا يستطيع أحد فى العالم العربى أن يزعم أن واشنطن التى عبأت محور الاعتدال العربى ضد طهران طول حكم بوش، قد تشاورت مع أطراف عربية قبل أن تطرح فكرة الحوار بهذه القوة.. وإن ذهب البعض إلى أن التنسيق الأمريكى مع إسرائيل، كما فى حالات عديدة هو الأمر الوحيد المؤكد فى هذا الصدد.

ومهما يكن حجم الدهاء الذى يكنه كل طرف فى التعامل مع الآخر، وبينهما بحور من الدماء منذ استولى الحرس الثورى على مبنى السفارة الأمريكية فى طهران واحتجز عشرات من موظفيها، والدور الذى لعبته واشنطن فى مساندة صدام فى الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن ثمة رغبة أمريكية أكيدة تقابلها رغبة إيرانية دفينة فى إقامة علاقات على أسس متكافئة من الاحترام المتبادل والاعتراف بالمصالح الاستراتيجية لإيران فى منطقة الخليج، التى تتناثر فيها القواعد العسكرية الأمريكية لتحيط بإيران إحاطة السوار بالمعصم.

يستطيع العرب أن يرقبوا تلك المباراة الدبلوماسية المثيرة، بين المقاربة الأمريكية والتمنع الإيرانى، والتى لا يريد أى طرف أن يسلم للآخر فيها كل ما يريده.. ليعرفوا أن دولة عظمى مثل أمريكا، لديها من المرونة ما يحملها على تغيير المسارات والعداوات، بعد أن أخفقت سياسات الحصار والعقوبات، وكانت باعثا للإيرانيين على الاعتماد على الذات، وبناء قوة نووية قادرة على الردع.

أمريكا أوباما ــ الأكثر ذكاء من ضيق أفق بوش ــ تريد أن تدخل مع إيران فى سياق أوسع، ليس فقط فيما يتعلق بالملف النووى ولكن أيضا فيما يتعلق باستراتيجية الخروج من وحل أفغانستان الذى يوشك أن تغرق فيه قوات الأطلنطى. بينما تُحكم الأزمة المالية العالمية خناقها حول أعناق الجميع.

وقد سبق أن لعبت طهران دورا مهما فى مساعدة واشنطن بعد أن تخلصت من نظام حكم طالبان فى كابول عام 2001، ومن ثم وجهت الدعوة إلى طهران لحضور المؤتمر الذى تدعو إليه واشنطن لبحث الوضع فى أفغانستان.

تتزايد أرضية المصالح المشتركة التى تحتم على كل من إيران وأمريكا توطيد التعاون بينهما فى مجالات استراتيجية بالغة الأهمية لنجاح أوباما فى سياسات التغيير التى بشر بها، سواء فى العراق أو أفغانستان أو منطقة الخليج، وفى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى الذى يلعب فيه النفوذ الإيرانى ببراعة شديدة فى الفراغات الناجمة عن تشرذم العرب وخلافاتهم الصغيرة.
موقف الاستهانة وتمنى الفشل للحوار الأمريكى الإيرانى الذى يغلب على الرؤية العربية، لن يجدى فتيلا. إذ تفرض المتغيرات العالمية وضرورات الواقعية السياسية أن تتسلح بقدر من المرونة دفاعا عن مصالحها.. ونحن نرى أن حقبا من المشكلات بين واشنطن وطهران، لم تمنع مبادرات الحوار غير المشروط.. مقارنة بتلك الخلافات الصغيرة المصطنعة، والحديث عن شارع يحمل اسم قاتل السادات، كمبرر لقطيعة تناقض منطق الثقافة والحضارة المشتركة والأمن الإقليمى.. الذى أصبح بالكامل كما نرى خاضعا لأمريكا وإسرائيل!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات