فى سبيل الله أم الإنسان؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى سبيل الله أم الإنسان؟

نشر فى : الجمعة 23 سبتمبر 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 23 سبتمبر 2016 - 10:10 م
على طول التاريخ الإنسانى انقسم البشر إلى فسطاطين بلغة الإسلاميين أو قطبين أو فريقين؛ فريق يدعى أنه يجاهد فى سبيل الله ولكى ينصر الله يقوم بغزو أراضٍ وقتل بشر ونهب ثروات.. إلخ، وفى ذات الوقت يرفع الفريق الثانى عقيرته أنه يجاهد فى سبيل الإنسان «حريته – غذاؤه – كرامته» وأيضا يستخدم نفس الأدوات من غزو أراض، وقتل بشر، ونهب ثروات... إلخ.

العجيب أن هذا الأمر ممتد منذ فجر التاريخ؛ ففى العصور القديمة كان قورش الفارسى ونبوخذ نصر البابلى ويوليوس قيصر الرومانى يغزون العالم بأمر الآلهة «أى فى سبيل الله»، بحسب المصطلح الذى ظهر بعد التوحيد، وفى سبيل الله كانوا يقتلون الإنسان ويستعبدونه.

أما الإسكندر الأكبر فهو الوحيد فى العصور القديمة الذى رفع راية الإنسان، وذلك بسبب أرسطو طاليس، الفليسوف الذى اهتم بالإنسان وفكره وتقدمه وكان معلما للإسكندر ومرافقا له فى غزواته، فكان الغازى الوحيد الذى رفع شعار الإنسان أكثر من الآلهة لكنه كان أيضا يقتل الإنسان ويستعبده.

يقابله فى العصر الحديث نابليون بونابرت الذى أحضر معه إلى مصر علماء وفنانين وأدباء وأسس «معهد مصر» الذى تخصص فى تاريخ وجغرافيا مصر وفى العلوم والتراث المصرى واللغة وحجر رشيد.. إلخ، وأيضا كان شرسا فى تعامله مع الشعوب التى يخضعها.

***
ننتقل سريعا إلى أوروبا فى العصور الوسطى التى رفعت شعار فى سبيل الله وجيشت الجيوش بالحروب الصليبية لتحرير الأراضى المقدسة من المسلمين، وقد كانت توسعات الدولة الإسلامية أيضا فى سبيل الله فى الأندلس والنمسا واجتياح العثمانيين لمصر والشرق الأوسط.. إلخ.

أما الاستعمار البريطانى فقد رفع راية الإنسان وفى سبيل ذلك أخضع معظم العالم لسيطرته بقوة السلاح ومذلة البشر واستعبادهم، وقبل أن ينسحب من الشرق الأوسط غرس الاستعمار الصهيونى فى فلسطين. بعده بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى السيطرة على العالم وقد أسست تاريخها بثلاث مراحل؛ الأولى تتمثل فى تأسيس الدولة على قيم الكتاب المقدس، ثم بناء الدولة كما حدث فى مملكة داود وبعده سليمان فى العهد القديم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ثم بعد أن أصبحت الدولة قادرة على التوسع، هنا تأتى المرحلة الثالثة وهى تصدير هذه القيم الدينية والأخلاقية إلى العالم، وفى سبيل ذلك حاولت وتحاول فرض هيمنتها على العالم بكل أنواع القوة التى تملكها سواء بالسلاح المادى أو المعنوى أى العلوم والآداب والفنون.

أمام هذه الهجمة جاءت الثورة الشيوعية عام 1917 رافضة لله والدين ‏«الدين أفيون الشعوب» لأجل الإنسان، رافعة شعاراتها «المساواة بين البشر والحرية.. إلخ» وجاء رمزها المنجل والمطرقة، وفى سبيل ذلك قامت بغزو البلاد واستعباد البشر.

***
فى عصرنا الحديث ما زالت الولايات المتحدة يتنازعها تياران فى منتهى الوضوح نراهما فى الانتخابات الأمريكية.

فترامب يرى أن علينا المحافظة على الولايات المتحدة فى نقائها العرقى ورفض اللاجئين ورعاية القيم داخليا مع الشعب الأمريكى وذلك للعودة للأصول. بينما هيلارى كلينتون تتحدث عن تصدير القيم الأمريكية إلى الخارج والترحيب باللاجئين والعمل على ضمهم فى الوقت الذى فيه تحاول تشجيع التيارات السلفية والمتأسلمة العنيفة بشرط البقاء فى أوطانهم لكى يحكموا كما حاولت فى مصر وحكم الإخوان لمدة عام بهدف أن يقوموا بنشاطهم بعيدا عن أمريكا.

هذا كله يسير جنبا إلى جنب مع الحماية القوية لإسرائيل وترك حركة المسيحيين الصهاينة تتوغل فى كل أنحاء أمريكا، رافعين شعار «فى سبيل الله»، وهذه الحركة المؤثرة جدا فى القرار الأمريكى ترى أن العرب ليسوا كائنات حقيقية لكن خيالات لكل ما يمكن شيطنته واحتقاره خاصة الإرهاب ومعاداة السامية، وأنهم شعوب يجب محاربتهم والتخلص منهم إن أمكن ذلك.

الحقيقة التى يجب أن يعرفها الجميع أنه لا رئيس ديمقراطى أو جمهورى يمكن أن يتخلى عن إسرائيل وإذا كانت نغمة هيلارى اليوم أخف من ترامب لأنها مؤيدة لحل الدولتين علينا أن نتذكر أنها تؤيد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

إن الأمريكيين الصهاينة يبدون أحيانا أكثر تشددا من اليهود الذين يعيشون فى إسرائيل، لقد وصلت الصهيونية المسيحية الأمريكية الآن إلى مستوى من الوهم الصرف بأن كل ما هو جيد للصهاينة الأمريكيين فى إقطاعياتهم وخطابهم الخيالى جيد لأمريكا وإسرائيل وبالتأكيد للعرب أيضا والمسلمين والفلسطينيين؛ لأنهم كائنات لا تعرف أين مصلحتها الحقيقية وأنهم قساة لا يعرفون اللين ويخلون تماما من السماحة والتفاهم الإنسانى.

الجدير بالذكر أن الذى ساعد على تأكيد هذه الصورة للشعب الأمريكى هم العرب أنفسهم؛ فمنذ منتصف الستينيات للقرن الماضى رفع شعار «فى سبيل الله» فى كل الدول العربية، فصار السادات والقذافى وصدام حسين وعلى عبدالله صالح وجعفر النميرى ومن بعده البشير قادة دينيين أكثر منهم عسكريين، لأنهم جاءوا بانقلابات عسكرية تحولت فى مصر فقط إلى ثورة أيام عبدالناصر، أما السادات فقد صار أمير المؤمنين.

أما عن دول الخليج فبالطبع لا تحتاج للحديث عنها، فهى دول ترفع شعارات دينية على أعلامها ومنها من يطبق الشريعة الإسلامية «الحدود»، ومعظمهم يستخدمون نظام الكفيل لكل الأجناس المختلفة التى تعمل لديهم، وفى كل مرة يتحدث المسئولون فيها يرددون أن كل ما يفعلونه هو فى سبيل الله.

لا شك أن الفضائح تتالت مع وجود داعش وجبهة النصرة، فقد وضح أن هذه الجماعات العنيفة التى تعيش خارج العصر والتى تستخدم الإرهاب وتفجير الذات فى بشر لا علاقة لهم بهم وبقضيتهم إنما كانوا وما زالوا يمولون من حكومات وجمعيات عربية إسلامية. لقد خدعت هذه الحكومات أمريكا ذاتها ولم يكن فى إمكان بشار الأسد الاستمرار فى الحكم إلا بسبب انكشاف هذا الأمر وذلك حينما تحالف الروس مع الأمريكيين واتضحت الخريطة وإذ بدول عربية وإسلامية كبرى تمول الإرهاب.

من هنا جاء القانون الذى يعطى للشعب الأمريكى حق مقاضاة الدول التى تمول الإرهاب وهذه كارثة لأن معظم ثروة الخليج من أرصدة ومشروعات وغيرها فى الولايات المتحدة ويمكن تجميدها بحكم محكمة. وقد صدر هذا القانون بحكم لصالح أهالى ضحايا كارثة 11 سبتمبر 2001.

***
إن الذى ينادى بأنه يعمل فى سبيل الله هو السبب فى الأزمة الدينية وانتشار موجة الإلحاد، والذى ينادى أنه يعمل فى سبيل الإنسان هو السبب فى الأزمة الإنسانية بالمجاعات والتشريد والقتل للبشر. نموذجنا الأعلى فى ذلك والذى تحاول تقليده كل بلاد العالم هو الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهو البلد الذى يأتى أولا فى اكتشاف الفضاء لغايات علمية ويحتضن الأمم المتحدة لغايات إنسانية ويعضد إسرائيل لغايات دينية، لكنه وللمفارقة يتصدر دول العالم فى إنتاج السلاح والغازات الصناعية وهو البلد الذى يحتل المرتبة الأولى فى عدد السجناء فهل كل ذلك فى سبيل الله أم الإنسان؟!

 

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات