جاءت كلمات نادر بكار، مساعد رئيس حزب النور السلفى فى مقابلة له مع صحيفة الاقتصادية السعودية قبل ساعات من مغادرته القاهرة متوجها للعاصمة الأمريكية التى قال فيها إن حزب النور «أفسد على جماعة الإخوان المسلمين 80 عاما كاملة من ادعاء أن الإسلام هو الإخوان المسلمون» كرسالة أخرى لواشنطن بأن قوى الاسلام السياسى متنوعة وتضم العديد من الأحزاب والفرق، ولا تقتصر فقط على جماعة الإخوان المسلمين.
وتسعى الأحزاب السلفية منذ تأسيسها خلال السنوات الثلاث الماضية للتواصل مع واشنطن ودوائر النفوذ فيها رغم الاختلافات العميقة عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء وبمساواة الأقليات ومعنى تطبيق الشريعة الإسلامية والعلاقات مع إسرائيل.
ولا يقتصر الجهد السلفى فى واشنطن على حزب النور فقط، فقد سعت بعض قيادات حزب الوطن كذلك للتعرف على العاصمة الأمريكية رغبة منها فى فتح قنوات اتصال مع دوائر صنع القرار والتأثير الأمريكى أملا فى علاقات جيدة تجمعهم بواشنطن.
•••
زيارة ممثل حزب النور ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة. إلا أن توقيت هذه الزيارة له مدلولات شديدة الأهمية. جاءت الزيارة بعد تمرير دستور مصرى جديد يراه البعض الخطوة الأهم فى مرحلة ما بعد الثالث من يوليو والتى كان حزب النور فيها هو الممثل الوحيد لتيار الإسلام السياسى. لذا لم يكن بمفاجأة قيام قيادات حزب النور بحملات تسويقية كبيرة لصالح الدستور رغم خلوه من مواد أصر الحزب عليها فى دستور عام 2012 فيما يتعلق بهوية الدولة الإسلامية ودور الشريعة وطريقة تفسيرها. ويضيف تصنيف الحكومة الانتقالية فى مصر الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية منذ عدة أسابيع، ومطالبتها دول العالم الاعتراف بتبعات هذا التصنيف وعدم التعامل مع الجماعة أو جناحها السياسى الممثل فى حزب الحرية والعدالة ليكون موضوعا مهما يؤثر على طبيعة هذه الزيارة.
كما جاءت الزيارة موازية لجهود حثيثة تقوم بها عدة دول عربية فى العاصمة الأمريكية تروج لاعتبار جماعة الاخوان المسلمين ما هى إلا إحدى جماعات تيار الإسلام السياسى المتنوعة التى تعج بجماعات وأحزاب وسطية ومعتدلة وسلفية وأصولية وجهادية وراديكالية، وأنه من الخطأ افتراض أن جماعة الاخوان المسلمين تمثل وتحتكر تيار الإسلام السياسى المعتدل. ويرتبط بهذه الجهود الجديدة جهود قديمة بدأت عقب وقوع جرائم 11 سبتمبر 2001 الارهابية. فعقب تشكيل الكونجرس للجنة حكومية مستقلة لإجراء تحقيقات موسعة لمعرفة كيف ولماذا ومن قام بالهجوم. ألقت اللجنة باللوم على الفكر الوهابى السعودى، واقتنعت الدوائر البحثية والفكرية الأمريكية أن غياب الديمقراطية ووجود الاستبداد ودعم واشنطن لهذه النظم الفاسدة هو سبب مهم فى خلق بيئة يسهل منها خروج إرهابيين. لذا حاولت عدة دول عربية توظيف ما لها من نفوذ وممثلين فى العاصمة الأمريكية للعمل على تشويه سجل جماعة الإخوان المسلمين ووصمه بالإرهاب وأنها الجماعة «الأم لكل الجماعات الإرهابية». وعرفت واشنطن وجود لوبى مؤقت حركته عدة سفارات عربية، منها السعودية والمصرية والإماراتية بهدف إلصاق تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى بجماعة الإخوان المسلمين.
وتعكس علاقات السلفيين المصريين وحزب النور بالمملكة العربية السعودية ظلالا إضافية على هدف هذه الزيارات فى جهود تشويه صورة جماعة الإخوان فى واشنطن.
•••
من ناحية أخرى يرى البعض ممن يعتقدون بدور كبير لواشنطن وراء كل ما يحدث داخل مصر أن الزيارة تعد استعدادا من جانب واشنطن لما يروه استبدال تحالفا سقط بين إدارة أوباما مع جماعة الإخوان المسلمين بالحركات السلفية خاصة بعدما آلت إليه الأوضاع فى مصر، وإزاحة الرئيس مرسى وتصنيف جماعة الإخوان بالإرهاب. إلا أن السلفيين يواجهون معضلة كبيرة خلال زياراتهم لواشنطن، فقد سبقهم الإخوان منذ سنوات فى تقديم أنفسهم كممثل شرعى للإسلام المعتدل، ونال هذا الطرح قبولا عاما من الدوائر الأمريكية والغربية خاصة بعد فوزهم وأنصارهم فى كل الاستحقاقات الانتخابية الحرة ليس فقط فى مصر بل على امتداد المنطقة العربية. أما السلفيون فلا أحد يدرى كيف سيسوقون أنفسهم فى العالم الغربي! هل سيقدمون أنفسهم كبديل لجماعات العنف السياسى، هل سيقدمون أنفسهم كبديل لتنظيم القاعدة، أم أنهم سيقبلون بتمثيل الأصولية الإسلامية فى صورتها المحافظة. وكيف سيبررون إقصاء أجهزة الدولة الأمنية المصرية لجماعة الإخوان المسلمين من العملية السياسية المصرية.
سيواجه السلفيون خلال تقربهم من دوائر النفوذ فى واشنطن سيلا جارفا من الهجوم على مواقفهم التى يصعب فهمها أمريكيا، ويصعب تبريرها باستخدام ذريعة «الخصوصية الثقافية المصرية» أو «هوية المجتمع الإسلامية». وليس سرا أن بعض قادة التيار السلفى رفضوا فى السابق «العملية الديمقراطية» برمتها، ولم يشجع شيوخ كبار منهم المشاركة السياسية سواء التصويت أو الترشح فى الانتخابات، أو حتى التظاهر، ويرى بعضهم أن الديمقراطية مجرد وسيلة وأداة يمكن أن تستخدم فقط لتطبيق الشريعة؟
وعلى السلفيين إدراك أن لكلمة شريعة إسلامية سمعة غير طيبة ومنفرة عند غالبية الدوائر الأمريكية إن لم يكن كلها. ولا يوجد بالقاموس السياسى الأمريكى تعريفا جيدا أو وصفا مقبولا لمصطلح الشريعة على الرغم من وجود ما يزيد على سبعة ملايين أمريكى يدينون بالإسلام.
•••
أما قضية الأقلية القبطية، فلا أعتقد أن لدى السلفيين أى إجابات مقنعة لا لشعب مصر ولا لبقية العالم يمكن لهم من خلالها تبرير مواقفهم الحادة والطائفية ضد تولى مسيحى منصب الرئاسة، أو حتى توليهم مناصب مرموقة فى الدولة، أو مطالبة بعض كبار شيوخهم بضرورة فرض «الجزية» على أهل الكتاب من غير المسلمين، ناهيك عن مواقفهم المتطرفة تجاه الشيعة.
أما المعضلة الحقيقية فتتمثل فى عدم قبول التيار السلفى للتعددية السياسية بمعناها الواسع. لم يجد التيار السلفى حتى الآن إجابة واضحة ناهيك عن كونها مقنعة لقضية التعامل مع «الآخر». ويرتبط بذلك مفهوم المواطنة وحقوق وواجبات المواطن السياسية وغير السياسية بغض النظر عن دينه ودرجة تدينه وجنسه.
عقد اتصالات مباشرة بين واشنطن والتيار السلفى يخدم أيضا مصالح أمريكا، وستحقق هذه الاتصالات مكسبا كبيرا لواشنطن، فهى تستطيع أن تقول بصوت مرتفع إنها منفتحة على كل القوى السياسية المصرية، خاصة تلك التى لا تقترب معها فكريا وثقافيا، ويبعد عنها تهمة التحيز والوقوف مع تيار مصرى ضد تيار آخر.