الأجندة الإستراتيجية لأوباما: معنى التغيير ودروسه - ياسر علوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 9:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأجندة الإستراتيجية لأوباما: معنى التغيير ودروسه

نشر فى : الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 1:19 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 1:19 م

 لم يرق المشهد الافتتاحي لأوباما إلى مستوى التطلعات التي أثارها شعار التغيير الذي طغي على حملته الانتخابية.

فبين خطاب يتمسك بأكثر خيارات سلفه مع تطعيمها بتعهدات مرسلة حول "التغيير والانفتاح"، ومبعوثين للمنطقة بدون تكليفات محددة تعطي تحركهم مضمونا أبعد من مجرد حملة علاقات عامة لتحسين صورة الولايات المتحدة، رأى كثيرون أنه لا مجال لأي تغيير حقيقي، بدعوى ثبات المصالح الأمريكية التي لا يغيرها الأفراد.

ومع ذلك، ورغم وجود ثوابت إستراتيجية لا يمكن إنكارها، فإن التطرف في الإلحاح على هذه الثوابت يعني عمليا أن الانتخابات الأمريكية مجرد طقس شكلي يخلو من أي مضمون.

بالمقابل، لا يمكن التطرف في الاتجاه العكسي على طريقة المبشرين بالدلالات الخطيرة لاسم باراك "حسين" أوباما أو أصوله العرقية. المطلوب فقط هو التعرف بدون تهويل أو تهوين على مضمون وحدود التغيير في أولويات أوباما، وتداعياته على منطقتنا.

ويمكن القول ابتداء أن الأجندة الإستراتيجية في أيام أوباما الأولى تشهد تغيرا ملموسا في طبيعة "النقاش" وهوية "المناقشين". الأزمة الاقتصادية مثلا وجهت ضربة قاسمة لطروحات المحافظين وفرضت تغيرا في طبيعة "النقاش" لتطرح أسئلة غابت لثلاثة عقود على الأقل مثل دور الدولة في مواجهة الركود وضبط انفلات السوق. بالمثل، تغيرت هوية "المناقشين الكبار" مع أفول دور مراكز البحث اليمينية "كالمشروع الأمريكي" و"مركز كاتو" لصالح مراكز ليبرالية مثل مركز "التقدم الأمريكي" المنتظر أن يزيد دوره في بلورة خيارات إدارة أوباما الاقتصادية والاجتماعية.

وفي مجال السياسة الخارجية، تغير "النقاش" ليفصح عن هواجس تجاهلتها الإدارة السابقة، كصعود النفوذ الروسي على خلفية علاقة أمريكية-روسية متوترة، والأزمة الأمريكية مع بعض حلفائها التاريخيين وفي مقدمتهم باكستان، والورطة العسكرية المزدوجة في أفغانستان والعراق. وتغير "المناقشون الكبار" أيضا، فحلت مراكز دراسات كمركز "صبان" في مؤسسة "بروكنجز" مثلا محل مراكز مثل "هوفر" أو"هدسون".

وتظهر قراءة سيل أوراق العمل والدراسات الصادرة عن "المناقشين الكبار" الجدد في الأسابيع الأخيرة توجهين جديدين في السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط (بأوسع تعريف لها، أي من أفغانستان إلى المغرب)، هما:

أولا: الاضطرار لتقبل فكرة منطقة نفوذ روسية تشمل حدود الاتحاد السوفييتي السابق، مع محاولة ضبط امتدادها غربا باتجاه أوروبا الشرقية، أو جنوبا باتجاه الشرق الأوسط. لم يعد ممكنا وقف الزحف الروسي أو استفزازه بالضغط عليه في مناطق نفوذه الحيوي، وهو درس أزمة جورجيا، ولم يعد ممكنا أن تنقل إدارة أوباما تركيزها العسكري إلى أفغانستان بدون ترتيب أوراقها مع روسيا.

يمكن الاكتفاء فقط بما يظهره حساب الإمكانات من عدم قدرة روسيا على توسيع مجالها الحيوي إلى الشرق الأوسط أو شرق أوروبا، مع ضمانة إضافية يقدمها الدور التركي المتحرك حثيثا باتجاه المشرق العربي، ليس فقط كمصد لأي تمدد روسي في الشرق الأوسط وإنما أيضا كموازن للتمدد الإيراني غربا باتجاه المنطقة، وهو الدور الذي لعبه العراق تقليديا حتى تكفلت إدارة بوش بإزالة العقبة العراقية من وجه إيران، قبل أن تجأر بعد ذلك بالشكوى من الدور الإيراني وتطالب العرب بالتصدي له.

ثانيا: انتقال مركز العمل العسكري شرقا إلى أفغانستان، والانكفاء المتدرج عن العراق، وهو ما أنتج أزمة متفاقمة بين الولايات المتحدة وحليفتها التاريخية باكستان، الذي أصبح قسم من أراضيها في مرمى النيران الأمريكية. وتداعيات هذه الأزمة اثنتان: تعزيز التقارب الأمريكي مع الهند الذي يوجد إجماع في دراسات "المناقشين الكبار" على أنه الإنجاز السياسي الأهم للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد بوش والذي يجب أن يحافظ أوباما عليه، وتزايد الحاجة الأمريكية لترتيب العلاقة مع إيران التي أصبحت واسطة العقد بين بؤرتي النشاط العسكري الأمريكي، البؤرة الصاعدة في أفغانستان وتلك الخامدة في العراق.

والمفارقة أن هذين التوجهين انعكسا في قرار إدارة أوباما بتحييد المؤسسة العسكرية الأمريكية بمستوييها السياسي المتمثل في وزير الدفاع ، والميداني المتمثل في الجنرال بترايوس قائد المنطقة المركزية الممتدة من أفغانستان إلى اليمن، عن التغييرات المصاحبة للإدارة الأمريكية الجديدة.

دلالات ذلك كثيرة، منها مثلا أن بترايوس قائد عسكري بنى اسمه أثناء عمله في العراق (قبل توليه القيادة المركزية) نتيجة إنجاز سياسي لا عسكري، هو "ابتكار" مجالس صحوة العشائر في العراق كموازن رئيسي لتنظيم القاعدة في الأوساط السنية. وهو صاحب نظرية التهدئة الميدانية مع إيران، والتي قطف ثمارها هدوءا في العراق اعتبرته إدارة بوش إنجازها الرئيسي. وللقارئ أن يتصور مدى تداعيات هذه الخبرة سواء على مهام عمله الجديد في ميدان عمليات ذي طابع عشائري كثيف في أفغانستان وباكستان، أو حاجته المتزايدة لتسهيلات عسكرية وأمنية من أطراف ذات مصالح متعارضة مع الولايات المتحدة كروسيا وإيران والصين، وهي في نفس الوقت دول الطوق الاستراتيجي المحيط بأفغانستان.

قد يكون الوقت مبكرا لاستخلاص دروس حاسمة مما سبق، ولكن من الصعب تجاهل التحول الخطير في السياسة الأمريكية من مبدأ حسم التناقض في المصالح بالصدام العسكري كما في إدارتي بوش، إلى إدارة التناقضات بل والتعاون مع أطراف لا تشارك الولايات المتحدة توجهاتها الأساسية كروسيا والهند. بالمقابل، لن يكون التاريخ الطويل من التحالف مع الولايات المتحدة عاصما من الفتور أو التدهور في العلاقات الأمريكية مع حلفائها القدامى وفي طليعتهم باكستان.

يستخلص مما سبق أنه لا مكان في الشراكات الإستراتيجية التي ستقيمها إدارة أوباما لأطراف تستند فقط إلى "تاريخ من الصداقة وحسن السلوك"، وإنما ستكون الفرصة أكبر أمام أطراف قادرة على "فرض الشراكة" إما بإدارتها للتناقضات مع الولايات المتحدة (روسيا، الهند، وحتى إيران) أو حتى بإدارتها لمعارك محدودة لتحسين شروط تحالفها مع الولايات المتحدة وانتهاز كل فرصة لذلك (نموذج تركيا مثلا). فهل يستفيد "الحلفاء التاريخيون" من هذا الدرس، سواء في باكستان أو في غير باكستان؟

ياسر علوي  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات