‎نتنياهو يبدأ تغيير الخريطة من سوريا - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 19 يوليه 2025 12:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

‎نتنياهو يبدأ تغيير الخريطة من سوريا

نشر فى : الجمعة 18 يوليه 2025 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 18 يوليه 2025 - 9:00 م

‎ما الذى يمكن أن نفهمه من السلوك الإسرائيلى فى سوريا يوم الأربعاء الماضى وما بعده؟!

‎الإجابة الواضحة أن إسرائيل بعثت برسالة لكل من يهمه الأمر فى المنطقة أن رسم خريطة المنطقة الجديدة حسب المعايير الإسرائيلية قد بدأ فعليا، وليس مجرد أوهام أو جعجعات صهيونية.

‎قد يسأل البعض وما الذى حدث فى سوريا وتحديدا فى محافظة السويداء التى تقع جنوب البلاد وتجاور الجولان السورية المحتلة؟

‎يوم السبت الماضى حدثت مشكلة بين عائلتين من الدروز والبدو السوريين، وحدث تبادل خطف بين العائلتين، وانتهى الأمر يوم الإثنين باشتباكات موسعة واستخدام أسلحة مختلفة وتدخلت قوى الأمن السورى لفض الاشتباكات. الدروز يقولون إن قوات الأمن الرسمية والميليشيات المحسوبة عليها قد ارتكبت جرائم حرب ضدهم، وتعمَّدت إهانة شيوخ عقل الطائفة ونسائها.

‎وبعض المحسوبين على النظام يقولون إن الحادثة بأكملها ربما تكون مدبرة لإشعال معركة تقود إلى تدخل إسرائيلى.

‎هذا التدخل لم يتأخر، ورأينا رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس يأمران الجيش بالتدخل وقصف مقر وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان السورية فى دمشق، ثم قصف كل الآليات والدبابات والمعدات العسكرية السورية التى دخلت مدينة السويداء لفض الاشتباكات واستعادة الهدوء والسيطرة على الأوضاع.

‎أما الأخطر فهو أن إسرائيل أمهلت القوات السورية مهلة تنتهى منتصف ليل الخميس لسحب كل قواتها من السويداء، وهو ما تم فعلاً، ثم خرج نتنياهو ليقول إن النظام السورى ليس مسموحا له بأى تواجد عسكرى فى بلاده باستثناء العاصمة دمشق، أى نزع السلاح فى سوريا، وعمليا يعنى ذلك فصل السويداء وبدء تقسيم سوريا ولا نستبعد أن تكون الخطوة المقبلة هى تمرد الأكراد فى الشرق والشمال وإقامة كانتون جديد.

‎وزير الأمن الداخلى المتطرف إيتمار بن غفير دعا علنا لاغتيال الرئيس السورى أحمد الشرع قائلا: «إن من كان جهاديا سيصبح جهاديا ولن يتغير».

‎وكل المسئولين الإسرائيليين دخلوا فى عملية كذب مفضوح حينما تعهدوا بالدفاع عن «الإخوة الدروز وعدم السماح بالمساس بهم».

‎الموقف الدرزى كان منقسما، البعض هلل وفرح بالتدخل الإسرائيلى بل ورفع علم نجمة داود فوق بعض مبانى السويداء، والبعض الآخر تحفظ أو اعترض على التدخل الإسرائيلى، لكنه اعترض أيضا على السياسة السورية التى لم تمنع الاعتداء عليهم هذه المرة. أو قبلها فى صحنايا وجرمانا.

‎لا أستبعد شخصيا الدور الإسرائيلى فى إشعال هذه الفتنة، لكن بالمنطق أيضا يصعب تعليق كل شىء على شماعة إسرائيل، فالمشكلة فى سوريا متشعبة وترتبط بأن هذا البلد العربى الشقيق ضحية الصراع بين أنظمة حكم مستبدة ومتسلطة، وبين قوى وتنظيمات إرهابية تعتمد على دعم الخارج، وإسرائيل تنفذ من هذه الثغرات. لكن ليس هذا موضوعنا اليوم. بل نتحدث عن أن إسرائيل يبدو أنها بدأت تطبق على أرض الواقع، ما تحدث عنه نتنياهو يوم ٢٧ سبتمبر الماضى بعد ساعات من اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر اللّٰه بقوله: «الآن بدأنا عملية إعادة رسم خريطة المنطقة».

‎وللأسف فإن ما يحدث على أرض الواقع يؤكد ذلك إلى حد كبير.

‎نتنياهو حوَّل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة لسنوات طويلة بعد أن قتل وأصاب نحو مائتى ألف، ويمارس عملية تهويد ضخمة جدا فى الضفة. هو وبعد أن وجه ضربة صعبة لحزب اللّٰه فى لبنان، فإنه لم ينسحب من عدد من النقاط الاستراتيجية فى الجنوب، والأخطر أنه كرَّس نظرية حق التدخل ومطاردة وقتل كوادر حزب اللّٰه من دون قدرة وحق الأخير على الرد. هو شن حرب خاطفة على إيران لمدة ١٢ يوما بمشاركة كاملة من أمريكا وكبَّدها خسائر فادحة ليس فقط بقصف منشآتها النووية، بل باغتيال كبار قادتها العسكريين وأهم علماء برنامجها النووى، وقصف عددٍ كبيرٍ من منظومات الدفاع الجوى ‎ومخازن الصواريخ.

‎هو تمكن من تحييد «الحشد الشعبى» فى العراق، ويوجه ضربات مختلفة لقواعد الحوثيين فى اليمن، والنتيجة أن كل قوى المقاومة أو الممانعة أو «الأذرع الإيرانية» قد تعرضت لضربات شديدة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى الآن.

‎ما حدث فى سوريا يوم الأربعاء يعنى ببساطة أن نتنياهو يقول للجميع أنا ملك الشرق الأوسط وأنا من يقرر جدول أعمال هذه المنطقة، وكل تحرك عسكرى أو اقتصادى أو سياسى، لابد أن أوافق عليه وأشارك فيه، وعلى الجميع التطبيع معى، ليس بشعار الأرض مقابل السلام، بل لمجرد أن أقبل  عدم مهاجمتهم!

‎هذا ما يريده نتنياهو بدعم أمريكى مفتوح، فما هو رأى العرب، أو القوى الفاعلة منهم، وهل صحيح «أن القدر الإسرائيلى آتٍ وحتمى»، أم أن الحد الأدنى من التنسيق العربى العربى يمكن أن يوقف البلطجة الإسرائيلية أو على الأقل يحد منها؟!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي