ترامب والسد.. والثمن المستحيل! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 18 يوليه 2025 11:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

ترامب والسد.. والثمن المستحيل!

نشر فى : الجمعة 18 يوليه 2025 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 18 يوليه 2025 - 9:00 م

اعتراف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بتمويل بلاده بناء سد النهضة الإثيوبى، الذى يعيق تدفق المياه إلى مصر، وإبداء الرغبة فى حل هذه القضية، ربما يثير الارتياح والطمأنينة لدى البعض، لكنه فى الوقت نفسه، يرفع منسوب القلق والارتياب لدى الكثيرين، بشأن الثمن الذى قد يسعى للحصول عليه من القاهرة مقابل إنهاء هذه الأزمة.

فمنذ انطلاق ولايته الثانية مطلع العام الجارى، عرج ترامب أكثر من مرة على أزمة السد الإثيوبى، من دون أن تكون هناك مناسبة أو تطورات على الأرض تدفعه إلى الحديث عن تلك القضية المعلقة منذ سنوات، وكانت أحدث تصريحات له عن السد الإثيوبى الأسبوع الماضى، عندما قال خلال اجتماعه فى البيت الأبيض مع الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته: «نحن وإثيوبيا أصدقاء لكنهم بنوا سدا منع وصول المياه إلى نهر النيل، الذى يعد منبع حياة ومورد دخل مهما للغاية.. إنه حياة مصر». وأضاف: «أعتقد أن الولايات المتحدة موّلت السد.. لا أعلم لماذا لم تُحل المشكلة قبل البناء؟ لكن من الجيد أن يكون النيل مليئا بالمياه.. نحن نعمل على حل هذه المشكلة».

بالتأكيد رغبة ترامب فى التدخل لحل أزمة سد النهضة الإثيوبى، تعد أمرا مرحبا به إذا كانت هناك بالفعل نوايا صادقة وحقيقية لدى الولايات المتحدة فى نزع فتيل الأزمات وترسيخ الأمن والاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، لكن الكثير من وعود الرئيس الأمريكى بإحلال السلام وتبريد النزاعات والأزمات فى الكثير من المناطق حول العالم، لم تؤتِ ثمارها إلى الآن، مثل وقف العدوان الصهيونى على غزة وسوريا ولبنان واليمن، وإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وغيرها من الصراعات التى حصدت أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء.

ليس هذا فحسب، بل إن الرئيس ترامب نفسه، كان قد جمع خلال ولايته الأولى المفاوضين المصريين والإثيوبيين فى مفاوضات مكثفة بواشنطن، نتج عنها الوصول إلى تفاهمات قبلت مصر التوقيع عليها، لكن إثيوبيا رفضتها وانسحبت من الاجتماعات، وهو ما عكس رغبتها فى عدم الالتزام بالتوقيع على أى اتفاق قانونى ملزم، يضمن حقوق مصر المائية ويُخضع السد لقواعد القانون الدولى المتعلقة بالممرات والأنهار.. فماذا فعل ترامب؟ لا شىء على الإطلاق!

إذن.. ما الذى يدفع الرئيس الأمريكى إلى معاودة الكَرَّة مرة أخرى وفى هذا التوقيت بالذات، على الرغم من عدم تحقيقه اختراقا فى هذه القضية خلال ولايته الأولى؟ يرى البعض أن ترامب يغازل مصر بقضية نهر النيل التى تعتبر قضية وجودية للشعب المصرى من أجل «تليين» مواقف القاهرة الرافضة بحسم وقوة للتصورات الإسرائيلية والأمريكية لليوم التالى فى غزة بعد انتهاء حرب الإبادة بحق الفلسطينيين، وتحديدا فكرة تهجيرهم إلى خارج القطاع، بحيث تكون وجهتهم سيناء، وتنفيذ سيناريو مشابه فى الضفة الغربية عبر تهجير أهلها إلى الأردن، ومن ثم إنهاء القضية الفلسطينية من جذورها وفرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة بكاملها، عبر بوابة التطبيع مع أغلب دول الإقليم.

صحيح أن نهر النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت، إلا أن القضية الفلسطينية لا تقل أهمية وتأثيرا على الأمن القومى المصرى، وبالتالى من يعتقد أنه يمكن مساومة مصر بمياه النيل من أجل تقديم تنازلات تتمثل فى القبول بتهجير الفلسطينيين من أرضهم أو التورط فى إدارة شئونهم، يبدو واهما إلى حد كبير.. فهذا الثمن يصعب بل يستحيل على مصر دفعه تحت أى ظرف، وفقا للمواقف المصرية المعلنة من جانب جميع مؤسسات الدولة.

لهذا فإن الرد الرسمى المصرى على تصريحات ترامب كان هادئا ومتزنا وعقلانيا، حتى لا يبنى أوهاما ويكتشف بعد ذلك أنها ذهبت أدراج الرياح؛ حيث قال الرئيس السيسى إن «مصر تُثمِّن تصريحات الرئيس الأمريكى التى تُبرهن على جدية الولايات المتحدة فى بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب، وتؤكد ثقتها فى قدرته على حل المشاكل المعقدة وإرساء السلام والاستقرار والأمن بمختلف ربوع العالم، سواء كان ذلك فى أوكرانيا، أو الأراضى الفلسطينية أو إفريقيا، كما تقدر حرصه على التوصل لاتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الإثيوبى، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة».

على أى حال، ستبقى مصر راغبة فى التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن السد الإثيوبى، بما يحفظ حقوقها التاريخية فى مياه النيل، بل وتدعم أى جهد دبلوماسى من شأنه حلحلة الأزمة، لكنها فى الوقت ذاته لن تقدم تنازلات تنال أو تهدد أمنها القومى، خاصة إذا كان هذا الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية.

التعليقات