يظهر أن ممارسة الإرهاب الممنهج الاجتثاثى من قبل جيش الكيان الصهيونى ضد أطفال ونساء وشيوخ وأبطال مقاومة غزة وسائر أرض فلسطين، وحصول نظام الكيان على هدية الفيتو الأمريكى ستّ مرات فى مجلس الأمن وبالتالى إبطال تصويت أربع عشرة دولة من أعضائه الخمسة عشرة لإيقاف حرب الإبادة فى غزة، ثم قيام طيران الكيان الصهيونى، بمعرفة ضمنية مسرحية أمريكية لا تخفى على أحد، بمهاجمة اجتماع مدنى فى عاصمة قطر، وهى الدولة العضو فى مجلس التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون العربى الإسلامى.. يظهر أن كل تلك الجرائم والألاعيب وغدر الحلفاء الأصدقاء المخدوعين بلعبة التطبيع ووعودها الكاذبة قد أيقظت أخيرًا عند بعض حكومات العرب والمسلمين هواجس الخوف والقلق بشأن استقلالهم وأمنهم الوطنى والجمعى الذى اعتقدوا عبر الأزمنة أنه فى الحفظ والصّون ما دام أنه فى يد الصديق الوفى الأمريكى.
فجأة أصبح موضوع بناء القدرة الأمنية الاستراتيجية الذاتية العربية والإسلامية تجاه الاستعمارين الغربى والصهيونى مطروحًا للنقاش علنًا وبقوة، بعد أن أبعدته عن المشهد عبر سنين طويلة أطروحات شعارات النيوليبرالية العولمية المدعية بأنها تنموية، وأنها ستقود إلى أمنية آمنة.
اليوم نحن أمام قيام الحلف السعودى - الباكستانى الأمنى المرشّح للتوسع، وأمام دعوة رؤساء أركان جيوش دول مجلس التعاون لوضع استراتيجية أمنية دفاعية لمجلس التعاون تقف فى وجه الأخطار الجديدة الكبرى التى من الممكن أن يواجهها أعضاء مجلس التعاون، بل حتى قدرة المجلس الوجودية.
لكن تعقيدات المشهد تطرح العديد من الأسئلة والتحديات المفصلية التى تحتاج إلى إجابة ومواجهة من مثل:
أولًا: ما الذى يمنع عددًا أكبر من الدول العربية والدول الإسلامية طلب الانضمام إلى الحلف السعودى - الباكستانى لتكوين حلف ناتو عربى - إسلامى فى زمن معقول ليتعامل فى الحال مع العجرفة الأمريكية وعجرفة الكيان الصهيونى، اللذين يتصرفان الآن وكأن الشرق الأوسط برمّته من أملاكهما، يهجمان حيثما ومتى شاءوا، ويحتلان ما طاب لهما من أرض، ويدمران ما طاب لهما من جيوش أو قوى مقاومة، ويفرضان الحلول الاستسلامية بالنسبة لكل القضايا العربية والإسلامية، ويهددان مستقبل هذا القطر أو تلك الدولة علنًا بحيث يفرضان الحصارات الاقتصادية والمالية والتجارية ويصنفان هذه الجماعة أو هذه الدولة بتصنيفات الإرهاب أو الفساد وغيرها من التصنيفات المشينة المبتكرة يوميًا من قبل قادتهم المجانين وإعلامهم المنحاز؟
ألا تحتاج وتستحق تلك الاستباحة المواجهة بتنظيم مماثل للناتو؟ أو حتى أكثر التزامًا وتماسكًا من حلف الناتو الغربى، بسبب عظم الأخطار التى تواجهها الأمتين العربية والإسلامية؟
ثانيًا: ألا تفرض تلك المشاهد الخطرة التفكير فى إجراء تعديلات جوهرية وعميقة وواقعية فى ميثاق الجامعة العربية (وهو موضوع مطروح منذ عقود عدة) وفى إتفاقية التعاون العربى الإسلامية بحيث تنتقل الكتلتان تدريجيًا إلى آفاق تعاون حقيقى متماسك وشامل فى حقول السياسة المشتركة، فكرًا وسلوكًا، والاقتصاد والمال لتكوين سوق مشتركة، وآفاق الصناعة والزراعة والإعلام والتواصل الإلكترونى وحقول التكنولوجيا الجديدة من مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعى والبحوث حتى يقود كل ذلك إلى التقليل من الاعتماد فى كل تلك الحقول على الخارج، وعلى الأخص الغرب الأمريكى والأوروبى، وذلك من أجل البناء الذاتى من جهة والبناء الجماعى المشترك من جهة أخرى؟ ذلك أن نجاح أو فشل وضع الأمن الجديد يرتبط أشد الارتباط بكل هذه الحقول الداعمة له، والتى بدونها لن يكون الأمن الجديد أكثر من تمنيات وأحلام.
ثالثًا: لعلّه من غرائب الصّدف أن ينشغل العالم حاليًا بموضوع حل الدولتين للموضوع الفلسطينى من خلال السّيل الجارف من اعتراف الغالبية السّاحقة من دول العالم بالدولة الفلسطينية.. ذلك أنه هل يمكن تصور قبول الكيان الصهيونى لذلك الاقتراح، وهو الذى يرفضه علنًا ويوميًا قادة الكيان، على أساس أن الزمن والظروف قد نقلا الموضوع الفلسطينى من كونه خاصًا بأرض فلسطين إلى كونه خاصًا بحلم توراتى خيالى ينادى بقيام "إسرائيل الكبرى" التى تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات.. هل يمكن أن يضطر الكيان إلى قبول تقليص حلمه التوراتى الادّعائى إذا لم توجد كتلة عربية - إسلامية بالمواصفات التى ذكرنا يخشاها ويحسب لها ألف حساب؟
إذا كان قادة العرب والمسلمين جادين حقًا فى الخروج من الجحيم فعليهم أن يواجهوا مثل تلك الأسئلة ويوجدوا لها حلولًا فى الواقع العربى والإسلامى.