صعوبة التغطية الإعلامية - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 4:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صعوبة التغطية الإعلامية

نشر فى : الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 9:32 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 9:33 ص

 كان لقاء ضم مجموعة من الإعلاميين: من الصحفيين والمذيعين والمراسلين من جميع الاتجاهات والانتماءات الإعلامية. وكان طبيعيا أن يدور الحديث الغالب حول موضوع الساعة وهو الانتخابات فى مصر.. حين أدلى أحدهم بملاحظة دقيقة نافذة، وهى أن معظم المعلومات والأحاديث المتبادلة حول ما يجرى فى هذه الانتخابات والقصص الاخبارية بشأنها، تكاد تجزم بأنها لن تنجو من عمليات التزوير دون أن تكون لديهم معلومات دقيقة وموثقة.. وبالتالى فإن ما تنشره الصحف وتذيعه قنوات التليفزيون قد يكون أقل سوءًا مما يجرى فى الواقع!

ما هو سبب ذلك؟ ولماذا تختلف ظواهر الأمور عن باطنها فى كثير من الشأن العام فى مصر، بما فى ذلك الانتخابات، ويصعب الوصول فيها إلى الحقيقة وإلى المعلومة الصحيحة التى تضع الرأى العام والمجتمع كله أمام نفسه دون تزييف أو تزويق، وتسقط بذلك كثير من الانتقادات والمآخذ التى توجه إلى العملية الانتخابية والقائمين عليها؟!

الطريق للوصول إلى الحقيقة وإلى المعلومة الصحيحة فى مصر إذن مملوء بالمصاعب والمطبات مثل شوارع القاهرة.. هكذا أجمع الحاضرون من خلال معايشة مباشرة لتجربة تغطية الانتخابات. وقد حكى كل واحد ما يلاقيه من متاعب مقارنة بتغطية الانتخابات فى السودان والعراق وإيران وغيرها من الدول الزاعقة والمارقة فى أرجاء العالم على اختلاف نظمها السياسية، مما جعل أى حديث عن التطوير والتغيير فى أسلوب إجراء الانتخابات فى مصر أشبه بالهذيان أمام سراب فى الصحراء.

من الأمثلة على ذلك أن الصحفى خصوصا إذا كان يمثل صحيفة أو قناة تليفزيونية غير مصرية، لا يستطيع أن يتحرك خارج منزله إلى الشارع أو المدينة أو القرية وينقل بالصوت والصورة أحداث المسيرات وآراء المواطنين ومواقفهم السياسية من الأحزاب والمرشحين إلا إذا حصل على تصريح من وزارة الإعلام وبعبارة أخرى بعد موافقة أجهزة الأمن. وهذا ليس بالأمر السهل. فالحصول على التصريح يحدد حركة الصحفى وفريق التصوير فى نطاق محافظة لا يتعداها. ولابد أن تكون هناك موافقة مقابلة من أجهزة المحافظة التى سيذهب إليها. فإذا لم تتوفر أو تأخرت لأسباب معلومة أو مجهولة عجز الصحفى عن القيام بواجبه. وقد سمعت أن الحصول على تصريح بالتجول فى جهة ما واستخدام أجهزة البث الفضائى أثناء التصويت يحتاج إلى ثلاثة أيام على الأقل.

مثال آخر: إحجام المسئولين من القيادات الحزبية والسياسية والوزراء فى الحزب الحاكم عن الدخول فى أى حوار أو حديث مع وسائل الإعلام الأجنبية بل والمصرية فى كثير من الأحيان. وعلى الرغم من أهمية وجود تواصل بين السياسة المصرية والرأى العام العالمى لشرح وجهة النظر الرسمية والرد على الاتهامات الموجهة إلى أجهزة الدولة بالقيام بعمليات تعتيم وتزوير سرية أو علنية، فإن الردود الرسمية تأتى متأخرة وفاترة وغير مبالية. وقد رأينا كيف خرجت الخارجية المصرية عن صمتها المتعالى أخيرا للرد على الانتقادات والملاحظات الأمريكية مكتفية بالقول بأنها ترفض التدخل فى شئون مصر الداخلية، دون الرد بالتفصيل على النقاط المحددة التى أثيرت!

والثابت أن شكوى الصحفيين والمراسلين الأجانب من صعوبة تغطية الانتخابات المصرية، والتى يتفق معظم الصحفيين المصريين معها، إلى حد التهديد بعدم تغطية هذه الانتخابات ومقاطعتها إعلاميا، إنما يرجع إلى الأسلوب غير الطبيعى فى إدارة العملية الانتخابية وكأنها عصابة يجرى تقسيم الغنائم سرا فيما بين أفرادها. فلا توجد حوارات ولا مناظرات بين المرشحين على شاشات التليفزيون كما يحدث فى دول العالم، والضوابط القانونية التى وضعت للدعاية للمرشحين تستخدم كقيود على الحركة باسم الحفاظ على الأمن. وهكذا يقف الناخب فى هذه المعركة الانتخابية أمام بحر متلاطم من الأسماء والأشخاص واللافتات والشائعات لمرشحين مجهولين اسما ونسبا ومبدأ.. فرضهم الحزب الحاكم وقلدته الأحزاب والقوى السياسية الأخرى. دون تعريف بتاريخ المرشح أو برنامجه أو انجازاته. وهو ما أدى فى الانتخابات السابقة إلى دخول نواب المخدرات وتجار الأراضى والتأشيرات ونواب العلاج على نفقة الدولة والمهتمين فى إشعال أحداث طائفية.

وحتى الآن لم تنجح وسائل الإعلام المصرية فى نقل صورة حية وحقيقية ومباشرة لأعمال البلطجة ولمعارك الشوارع الدامية. ولا ندرى هل ينجح الإعلام فى نقل صورة الصناديق الانتخابية قبل أو بعد تقفيلها يوم الأحد المقبل؟!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات