عن الدستور وصياغاته - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الدستور وصياغاته

نشر فى : الأحد 24 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 24 نوفمبر 2013 - 8:00 ص

قبل أيام قليلة من التصويت على الدستور المعدَل فى لجنة الخمسين، لا يعرف المهتمون بالقانون الأساسى للدولة شيئا يعتد به من أمره. يستمع الناس إلى تصريحات عن مواد اعتمدت، وأخرى عدِلت أو حذفت، وثالثة تعذَر الاتفاق بشأنها. وإذا علم هؤلاء الناس أن اللجنة قد فتحت صفحة على موقع «فيس بوك» تنشر فيها ما اعتمد من نصوص الدستور المعدَل، لجأوا إليها ولكنهم سرعان ما يكتشفون أن المواد المنشورة عددها قليل، وهى دون ترتيب، ولا تنسب إلى هذا الباب أو ذاك، والمحصلة هى أن المهتمين، ودعك من المواطنين الصالحين العاديين، لن يمكنهم أن يتابعوا بأى درجة من الفهم الجاد التصويت العلنى فى لجنة الخمسين على الدستور مادة مادة، ثم على الدستور كاملا. بخلاف مواد زاعقة موضع خلافات سياسية واضحة مثل ما يسمَى مواد الهوية، أو محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، أو توزيع الاختصاصات القضائية، أو حقوق المرأة، أو نسبة الأعضاء المعينين، فإن المتابع المدقق أو المواطن العادى لن يستطيع أن يدرك كل أبعاد مادة من المواد وآثارها إن استمع إلى تلاوتها قبل التصويت مباشرة، ولا حتى إن قرأها قبل يوم أو يومين من التصويت. ثم إن الدستور ليس مجموعة من المواد ترص واحدة بعد الأخرى، وإنما هو بناء لا بدَ من التوازن والاتساق بين مكوناته، وهو ما لا يمكن التحقق منه إذا ما تسربت أحكامه إلى الرأى العام حكما فحكم، خاصة إذا ما اختلطت موضوعات الأحكام المتسربة فى الأيام الأخيرة لمناقشة التعديلات ما بين الفصل فى اختصاصات الهيئات القضائية، وتعيين خمسة فى المائة من أعضاء مجلس النواب، وإلغاء نسبة الخمسين فى المائة المخصصة للعمال والفلاحين، وغيرها من موضوعات.

•••

ما تسنَى لنا معرفته عن مواد الحقوق والحريات يكشف عن تقدم حدث فيها وعن نجاح للمهتمين بها فى ادراج أحكام متقدمة جديدة مثل تلك الخاصة بنقل الأعضاء البشرية. ومع ذلك فإن أى تقدم فى الحقوق سيكون منقوصا إن لم يصاحبه تقدم بشأن حقوق النساء وحرياتهن. الدستور لابدَ أن يكون أداة لعلاج الانتكاسة التى حلَت بالنظرة إلى النساء وبتطلع المجتمع إلى مساواتهن بالرجال، وهى مساواة الهدف منها تحقيق التقدم للمجتمع كله برجاله ونسائه معا. المجتمعات المتقدمة هى التى تستفيد من الإمكانيات الكامنة فى كل نسائها ورجالها على قدم المساواة وبلا تمييز. اقتصاد ينتج بكل امكانيات من يعيش على أرضه خير، وأكبر ثروةً، من ذلك الذى يفرِط فى إمكانيات نصف أعضائه. وقد تكون الحريات والحقوق المنصوص عليها فى الدستور ممتازة، إلا أن الأحكام الواردة فى باب المقومات الأساسية للدولة أو فى باب نظام الحكم قد تقيِد من فرص ممارستها ممارسة فعلية.

•••

بالرغم مما تقدَم، فإنه قد يكون مفيدا النظر فى بعض الأحكام المقترحة ومبرراتها، وفى صياغة بعض الأحكام المتسربة الأخرى. فوجئ الرأى العام مؤخرا بفكرة تعيين خمسة فى المائة من أعضاء مجلس النواب. للمجالس المنتخبة فى النظم الديمقراطية وظائف ثلاث هى التشريع، والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وتمثيل المواطنين أو الهيئة الناخبة. والواقع هو أن التمثيل هو الأساس للوظيفتين الأخريين، فإنه بمقتضى تمثيل النواب للمواطنين، هم يشاركون نيابة عنهم فى التشريع وفى الرقابة على السلطة التنفيذية. بأى معيار تعيِن السلطة التنفيذية من يراقب عليها؟ نعم، كان التعيين موجودا فى دستور 1971، ولكن المتفق عليه هو أن هذا كان دستورا لدولة تسلطية، لم تكن الثورة التى اندلعت فى يناير 2011 إلا للقضاء على سلطويتها. الحجة التى تقدَم لتبرير التعيين أقبح من الفكرة ذاتها. الحجة هى أن التعيين سيسمح بعلاج الخلل فى تمثيل كل من المواطنين الأقباط، والنساء. المعنى المضمر هو أن الدستور يقبل مقدما ببقاء الأسباب المجتمعية للخلل المشين فى تمثيل المواطنين الأقباط والمرأة، وهو بدلا من أن يتزوَد بأحكام تعالج هذه الأسباب يكتفى بتضميد أعراض الخلل. عوضا عن ذلك، لماذا لا يلزم المواطنون، الذين يصدر الدستور باسمهم، الدولة بوضع سياسة نشطة تهدف إلى تعزيز تمثيل المواطنين الأقباط والنساء للشعب فى مجلس النواب؟ المأمول فيه هو دستور معدَل لا ينفض عن نفسه أحكام دستور 2012 وحدها، وإنما يتحرر أيضا من الإطار السلطوى والوصائى الأوسع لدستور 1971. دستور سنة 1971 والنظام السياسى الذى نشأ فى ظله هو الذى أدَى إلى ترعرع الصراعات الطائفية فى مصر وإلى الحط من شأن النساء والنظرة الدونية إليهن. كثرة الإحالة الممجوجة إلى القانون فيما تسرَب من مشروع الدستور المعدَل هى أيضا من عوائد دستور 1971، وهى بلا مثيل فى دساتير البلدان الديمقراطية التى يضيف بعضها صراحة ان القانون لا يجب أن ينال من حريات المواطنين وحماياتهم المقررة فى الدستور.

•••

أما الصياغات التى يجدر التعليق عليها فبعضها يرجع إلى مفاهيم تمسك بتلابيب الدستور ومعدلِيه، وبعضها الآخر يكشف عن عدم انضباط فى المفاهيم كان من الحرى تلافيه. المادة العاشرة تخلصت مما أدخله على مضمونها دستور 2012 بل وبعضا مما ورد بشأنه فى دستور 1971، ولكنها احتفظت بالمضمون كما قرره الدستور الأول للدولة السلطوية فى 1956، وهو أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية»، بينما التقرير بشأن المجتمع ليس من شأن الدساتير، ثم احتفظت المادة للدولة بوظيفة وصائية، وإن كانت مخففة، بنصها «وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وقيمها». يبدو أن بلوغ سن الرشد وتحرير المجتمع من وصاية الدولة أمر عويص.

•••

أخذت لجنة الخمسين بفكرة تخصيص نسب محددة من الإنفاق الحكومى للبحث العلمى، وللتعليم الجامعى، وللتعليم الأساسى، وللرعاية الصحية. النسب فى المجالات الثلاث هى على التوالى 1، و2، و4، و3 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. لقد حذت اللجنة بذلك حذو دساتير متقدمة لدول أخرى، ولكن الانضباط المفاهيمى كان يدعوها إلى أن تقيس النسبة المحددة إلى مجمل الإنفاق الحكومى وليس إلى الناتج المحلى الإجمالى. الحكومة تضع مشروع الميزانية العامة وتحدد الإيرادات والنفقات العامة فيها وبالتالى هى تستطيع أن تقيِد نفسها بنسب من الميزانية تنفقها فى هذه المجالات الأربعة. ولكن الحكومة لا يمكن أن تعرف مقدما حجم الناتج المحلى فى سنة من السنوات. قد ينخفض المتحقق فعلا من الناتج المحلى عن تقدير الحكومة له فى بداية سنة مالية ما نتيجة لأزمة أو لتباطؤ النشاط الاقتصادى، وهو ما يستتبعه انخفاض إيرادات الدولة المحصلَة من الضرائب. ماذا عساها تكون نتيجة ذلك على الإنفاق الحكومى على البحث العلمى، والتعليم، والصحة، وكيف للحكومة أن تخطط لإنفاقها؟ لأن الميزانية هى حوالى ثلث الناتج المحلى، كان من الأحرى بالدستور أن يرتفع بالنسب المذكورة إلى ثلاثة أمثالها وأن ينسبها إلى الإنفاق العام.

•••

مثال آخر على الصياغة غير المنضبطة، موروث من دستور 1971، هو وصف المحكمة الدستورية بالعليا. المحكمة الدستورية فى مصر ليست محكمة عليا، فهى ليست محكمة موضوع، كما هى حال المحكمة العليا فى الولايات المتحدة التى تضطلع أيضا بدور المحكمة الدستورية بدون أن تضيف هذه الوظيفة إلى مسمَاها. «العليا» فى وصف المحكمة الدستورية فى مصر هو تفخيم لا مثيل له فى أى دولة أخرى. هل توجد محكمة دستورية «دنيا» تتميَز عنها «المحكمة الدستورية العليا»؟ البلاغة فى الإيجاز ودقة القصد فى ضبط المفردات. على الرغم من ضبابية ما نعرفه عن مشروع الدستور المعدَل ففى أحكامه وصياغاته الكثير الذى يجدر التعليق عليه

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات