28 نوفمبر وما حوله - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

28 نوفمبر وما حوله

نشر فى : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:50 ص

أنصاف الحقائق لا تساعد على فهم ما يجرى حولنا ولا تؤسس لمستقبل طال انتظار حسم خياراته.

فى النصف الأول من الحقيقة فإن التلويح بالسلاح ورفع المصاحف والرايات السوداء فى جمعة (28) نوفمبر لا يحمل بذاته تهديدا أو شبهة تهديد للدولة ونظامها الجديد.

الجماعة تقوضت قوتها التنظيمية فى الحشد والتعبئة تحت الضربات الأمنية إلى حدود يصعب معها أن تمثل تحديا جديا والهتاف لـ«داعش» فى تجمعات تنتسب إليها تنزع عن تظاهراتها أية قيمة سياسية وأخلاقية.

الهتاف بنصه وروحه يثبت اتهامات التوغل فى الإرهاب وترويع المواطنين العاديين بحق الجماعة ويشطب أية مظلوميات تتحدث بها.

بالمعنى الحرفى فهو عمل إرهابى وبالمعنى السياسى ففيه نزوع اليائسين إلى الانتقام.

«تدعش» التظاهرات لا يوفر تعاطفا من أحد فى مصر أو من خارجها على حد سواء.

إنه حكم نهائى بالفشل أيا كانت مستويات العنف فى (28) نوفمبر.

هناك احتمالان أولهما أن يشهد هذا اليوم معدلا مرتفعا من العنف يستهدف مؤسسات الدولة وتجمعات المواطنين وأن تفضى المواجهات المسلحة إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى.

وثانيهما أن يمر بصورة شبه عادية كأية تظاهرات محدودة أو أعمال عنف فى المستويات المعتادة.

فى الأول خشية مبطنة من الدخول فى النفق الداعشى، وهذا مستبعد بالنظر إلى قوة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية التى أخذت فى التعافى.

فى الثانى رهان على أن أية أخطار محتملة تظل فى حدود المناكفات السياسية والمسلحة التى يمكن التعايش معها لبعض الوقت قبل التخلص من صداعها، وهذا أقرب إلى حقائق القوة لكنه يفتقد إلى رؤية مقنعة تضمن التماسك الداخلى دون اهتزاز كبير.

فى مدى التماسك والأخطار التى تحيط به يتبدى النصف الثانى من الحقيقة.

لا نحن ندرك إلى أين نحن ذاهبون ولا التماسك قضية مفروغ منها.

أن يتجاوز القلق فى بنية السلطة ما هو طبيعى من إجراءات حازمة تضمن سلامة المؤسسات العامة وحياة المواطنين إلى ما هو منفلت من تصريحات عن إطلاق الرصاص الحى فإننا أمام أزمة حقيقية.

الفارق جوهرى بين الحزم والهوس وبين القوة والانفلات.

واجب أية دولة تثق فى نفسها أن تتعقب مصادر النيران بكل قوة دون أن تتغول على القانون، أن تطمئن الناس دون أن تبالغ فى مستويات الخطر.

المواجهة انتهت قبل أن تبدأ، فلا فرصة لأية جماعة فى أن تخترق المعادلات السياسية أو أن تمثل تهديدا لأى نظام ما لم تتمتع بنفوذ سياسى وأخلاقى فى الشارع.

هذا ما تفتقده جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها بفداحة فلا غطاء شعبى يؤيد ويؤازر وفجوة كراهيتها اتسعت بصورة يصعب ترميمها فى أى مدى منظور.

الأكثر إثارة أن كراهية الجماعة أوسع من أن تنسب إلى مستويات الرضا العام عن السياسات الحالية.

خسرت الجماعة كل ادعاء بالسلمية وكل انتساب للديمقراطية وكل فرصة لإعادة الدمج فى الحياة السياسية وكل رهان على استعادة ثقة شعبها.

الثمن مستحق للذين يلجأون للعنف والإرهاب ويستخدمون المقدس الدينى لإثارة الفتن برفع المصاحف بجوار رايات «داعش» السوداء.

غير أن ذلك كله لا يبرر أن تستباح الدماء بغير ذنب أو أن يسمح لبعض المحسوبين على الدولة بإطلاق عبارات تسىء لكل معنى قانونى وحضارى فى هذا البلد.

الدول تواجه بحزم لكن وفق القانون الذى يخولها صلاحيات واسعة فى الحرب مع الإرهاب، حتى الإجراءات الاستثنائية إن اقتضتها الظروف ينظمها الدستور والقانون، أما الكلام الغوغائى عن إطلاق الرصاص الحى بلا قانون يلزم وقواعد تضبط استخدام القوة ففيه إهدار للحق فى الحياة لمواطنين لا ذنب لهم إلا أن يكونوا تواجدوا بالصدفة فى مواقع الأحداث.

الكلام نفسه لا يعبر عن أية ثقة حقيقية ويسىء إلى صورة البلد فى العالم.

لماذا تغيب الثقة حيث يجب أن تحضر وتتقوض الصورة حيث يجب أن تقوى؟

الإجابة يلخصها ارتفاع معدلات القلق العام على صورة المستقبل.

وهذه قضية أخطر مما قد يحدث فى (28) نوفمبر، فهو يوم جديد يمضى شأن غيره من الأيام التى توالت بعد (30) يونيو لكن ما حوله سوف يتواصل أثره ويسحب من رصيد الشرعية.

لا «داعش» ولا الجماعة، لا «فتنة المصاحف» ولا الرايات السوداء، مصادر الخطر الحقيقية.

يظل ما تمثله فى حدود لا تتعداها بينما الاضطراب السياسى محتمل لأسباب أخرى.

الصراخ الإعلامى إشارة إلى الأزمة لكنه ليس صلبها.

الديمقراطية مبادئ وقواعد وفى الصمت الرسمى على الانتهاكات الأخلاقية الفاحشة مشروع انقضاض على أية حرية منصوص عليها فى الدستور وعلى الشرعية الدستورية نفسها.

فى الانتهاكات مشروع إرهاب لكل صوت يحاور ويناقش ويمارس حقه الدستورى فى التعبير عن رأيه ومشروع انقضاض على أثمن ما أسفرت عنه ثورة يناير من تطلع لبناء نظام سياسى جديد تستحقه مصر ودفعت ثمنا باهظا من أجله.

بلغت الانتهاكات ذروتها فى حالة الفنان «خالد أبوالنجا» بسبب رأى سياسى أبداه، وأيا كان رأيه فهو من حقه الدستورى والإنسانى، ومعنى انتهاك كرامته الإنسانية دون ردع من قانون أو سلطة أن الحريات تضيق والأفواه تكمم، وهذه أسوأ رسالة تصدر عن مصر قبل سفر رئيسها إلى باريس وروما.

صلب الأزمة أن الماضى يطل برأسه من جديد مدعوما من «رأسمالية مبارك» وإعلامها وبعض المتنفذين فى الأمن بطلب الانتقام من «يناير» دون أن يكون هناك حسم للخيارات الكبرى أو رؤية تلهم التغيير وتقود إلى المستقبل.

فى العودة إلى الماضى مشروع اضطراب سياسى يقوض أية شرعية ويفتح المجال واسعا أمام المجهول.

فى الإفراج الأمنى عن الموقوفين فى تظاهرات شارع «محمد محمود» الأخيرة اعتراف بأنه قانون يصعب تطبيقه واحترامه لكن دون أن تكون هناك بوادر معلنة لحسم ما يتوجب حسمه.

على هذا النحو فلا شىء آخر يحسم مهما توافرت أسبابه وضروراته، وهو ما أفضى إلى تآكل الشعبية وانخفاض معدلات الرضا العام.

وهذا مشروع تصدعات أخطر فى أثرها من الإرهاب وضرباته.