كيف ستحقق الصين الهيمنة؟ - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف ستحقق الصين الهيمنة؟

نشر فى : الخميس 24 نوفمبر 2022 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 24 نوفمبر 2022 - 7:50 م

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب كارل بيلدت يشير فيه إلى إغفال الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لعنصر التجارة التى تعد سببا للصعود الصينى كقوة اقتصادية، مشيرا إلى إمكانية تحقيق الصين الهيمنة عن طريق التجارة.. نعرض من المقال ما يلى.
أشار كاتب المقال إلى أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن استغرقت وقتا طويلا فى إعداد استراتيجيتها للأمن القومى والتى أصدرتها أخيرا فى أكتوبر، وعلى الرغم من أن البيت الأبيض أصدر وثيقة مؤقتة فى مارس 2021، يبدو أن الصيغة النهائية قد تطلبت مزيدا من العمل أكثر مما كان متوقعا.
أضاف الكاتب أنه من غير الصعب معرفة السبب وراء صدور هذه الاستراتيجية، فبينما ركّزت الوثيقة المؤقتة بشكل أساسى على الصين وتعاملت مع روسيا فقط كمصدر إزعاج، فرض الواقع نفسه فى فبراير 2022 وذلك عندما شن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حربا من أجل جعل أوكرانيا «خالية من النازية» و«منزوعة السلاح» أى فعليا القضاء على أوكرانيا. بينما وصفت الاستراتيجية المؤقتة روسيا بأنها مصدر للتعطيل فإن الوثيقة النهائية أقرت بأن روسيا «تشكل الآن تهديدا فوريا ومستمرا للسلم والاستقرار الدوليين»، بسبب تبنيها «لسياسة خارجية إمبريالية».
لكن مهما يكن من أمر فإن الصين هى العنصر الأهم الذى يلوح فى الأفق بالنسبة للنظرة الاستراتيجية لإدارة بايدن كما ينبغى أن يكون عليه الحال. إن الوثيقة النهائية توضح بأن الصين هى «المنافس الوحيد لأمريكا التى لديها النية لإعادة تشكيل النظام العالمى وتتمتع بشكل متزايد بالقوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتقنية لتحقيق ذلك». لقد لاحظ جراهام أليسون من جامعة هارفارد من خلال أطروحته المتعلقة «بفخ ثوقيديدس» أن القوة الصاعدة للصين والخوف الذى تغرسه فى القوة المهيمنة هى التى تعمل على تحريك الخطاب الاستراتيجى، بالإضافة إلى الخطاب المتعلق بالسياسة الخارجية.
• • •
مع ذلك ومن بين جميع الأدوات التى يمكن للولايات المتحدة استخدامها فى هذه المنافسة الجديدة بين القوى العظمى، فإن هناك أداة رئيسية مفقودة من استراتيجيتها الجديدة وهى التجارة. إن هذا الإغفال صارخ بشكل خاص؛ لأن الصين تدين بصعودها إلى نجاحها كقوة تجارية.
لفت كاتب المقال الانتباه إلى إدراك الإدارات الأمريكية السابقة إلى أن التجارة كانت مفتاح الهيمنة الأمريكية العالمية، فعلى سبيل المثال، حددت استراتيجية الأمن القومى للرئيس باراك أوباما لعام 2015 أجندة تجارية طموحة تهدف إلى وضع الولايات المتحدة «فى قلب منطقة تجارة حرة تغطى ثلثى الاقتصاد العالمى». تفاوضت إدارة أوباما بعد ذلك على اتفاقية تجارية مع 11 دولة أخرى مطلة على المحيط الهادئ باستثناء الصين، واتفاقية استثمار عبر المحيط الأطلسى، لكن ألغى الرئيس دونالد ترامب كلا من الشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسى حيث صوّرت إدارته بشكل خاطئ التجارة كمصدر للإذلال والإفقار الأمريكى.
صحيح أن استراتيجية بايدن تشير بشكل عابر إلى أن «ازدهار أمريكا يعتمد أيضا على تجارة عادلة ومنفتحة ونظام اقتصادى دولى». لكنها تتجنب بشكل متعمد كلمة «حرة» فى إشارتها إلى التجارة، ولا تستخلص أى استنتاجات تتعلق بالسياسات من هذه الملاحظة المهمة. وبدلا من ذلك، فإنها تؤكد على الإجراءات «التى تتجاوز التجارة»، مع إشارات عديدة إلى الجهود التى يبذلها مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والمجموعة الرباعية (أمريكا واليابان والهند وأستراليا) لمعالجة قضايا سلسلة التوريد من خلال ضوابط أكثر صرامة على التكنولوجيا والاستثمار. إن هذه بلا شك مخاوف مهمة. لكن مثل هذه الإجراءات ليست بديلا عن سياسة قوية موجهة نحو فتح الأسواق العالمية للتجارة والاستثمار.
لقد أظهرت التجارب الأخيرة لماذا يجب أن تبقى محاولة التوصل لاتفاقيات تجارية جديدة أولوية قصوى. أن عمر اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبى وكوريا الجنوبية هو أكثر من عشر سنوات بقليل، ولكن تلك الاتفاقية عززت بالفعل التجارة الثنائية بأكثر من 50% مع فوائد كبيرة وعلى نطاق واسع لكلا الجانبين، وفى السياق نفسه تراجعت التجارة بين الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة بنحو 15% منذ بريكست مع آثار ضارة واضحة على اقتصاد المملكة المتحدة على وجه الخصوص، وعلى الرغم من عدم وجود رسوم جمركية جديدة، يجب الآن التعامل مع العديد من القواعد واللوائح والمقاييس. غالبا ما يتم اعتبار اتفاقيات التجارة الحرة أمرا مفروغا منه، ولكن كما تظهر هذه الأمثلة فإنها مهمة للغاية.
أردف الكاتب القول بأن على الرغم من عدم تقيد الصين على الدوام بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات التجارية، فإن هذا لم يمنعها من تعزيز علاقاتها التجارية، وعلى الرغم من محدودية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الجديدة التى تركّز على الصين، فهى الآن تُعتبر أكبر اتفاقية تجارية فى العالم من حيث اتساع نطاقها، وقد تقدمت الصين أيضا بطلب للانضمام إلى الاتفاقية التى حلت مكان الشراكة عبر المحيط الهادئ وهى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (لم تتقدم الولايات المتحدة بطلب مماثل).
• • •
لا ينبغى التقليل من أهمية أجندة التجارة العدوانية للصين. قد لا تغزو الصين دولا أخرى (حتى الآن)، لكنها تعمل بشكل حثيث على بناء علاقات تجارية واقتصادية، ولا شك فى أن تلك العلاقات تعزز قوتها السياسية أيضا. إن الفارق بين مسار التجارة بين الصين وأمريكا صارخ بالفعل، فمن بين 193 دولة فى العالم، فإن هناك 20 دولة فقط تعتبر الولايات المتحدة ــ التى لا تزال أكبر اقتصاد فى العالم ــ الشريك التجارى الأول لها. تشمل هذه القائمة كندا والمكسيك والعديد من الاقتصادات الصغيرة فى منطقة البحر الكاريبى وأمريكا الوسطى، ولكن ليس من بين تلك الدول دولة آسيوية أو أفريقية واحدة.
على النقيض من ذلك فإن الصين هى أكبر شريك تجارى للاتحاد الأوروبى وبقية العالم منقسم بشكل متزايد بين هاتين القوتين التجاريتين، وبالإضافة إلى هيمنة الصين على معظم منطقة المحيط الهادئ، فإنها مهمة جدا فى أفريقيا كما أنها تحقق نجاحات مهمة فى أمريكا اللاتينية. إن من الملفت للنظر أن هناك الآن أكثر من 100 دولة تتاجر مع الصين بمقدار ضعف تجارتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
خلاصة القول، إن الولايات المتحدة الأمريكية معرضة لخطر التخلف عن الركب وذلك بسبب عوامل من بينها الإغفال الصارخ للتجارة من استراتيجيتها للأمن القومى وتعزيزها للتوجهات الحمائية فى صنع السياسات المحلية، وفى حين أن الاتحاد الأوروبى يمكنه وينبغى عليه أن يدافع عن علاقات تجارية عالمية أكثر عمقا وانفتاحا، إلا أن غياب الولايات المتحدة عن هذه الجهود يعنى أن الصين ستستمر فى أن يكون لها اليد العليا وسيكون لذلك تداعيات جيوسياسية واضحة فى المستقبل. يجب على القادة الأمريكيين إعادة النظر فى موقفهم الحالى قبل فوات الأوان.

النص الأصلي

التعليقات