العملاق عبر الأطلسى يستيقظ ولا بد من الانتباه - مواقع يهودية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العملاق عبر الأطلسى يستيقظ ولا بد من الانتباه

نشر فى : الخميس 24 ديسمبر 2020 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 24 ديسمبر 2020 - 10:00 م

دشّن انهيار الكتلة السوفيتية سيرورة جديدة من التباعد بين الولايات المتحدة ودول القارة الأوروبية وتفكك الشراكة بينهما. وقد تسارعت وتيرة هذه الوجهة فى إبان رئاسة دونالد ترامب. تحت ستار خفيف من «العمل كالمعتاد»، نشبت بين الدول من كل جانبى المحيط الأطلسى خلافات جوهرية. فبينما واصلت أوروبا اعتبار المنظومة الدولية، القانونية، المؤسساتية، والدبلوماسية، أحجارا أساسية فى إدارة السياسة على الصعيد الدولى، ارتأت الولايات المتحدة تفضيل طريقة العمل المستقلة التى تعتبر القنوات والأدوات الدولية عائقا أمام تطبيق السياسات والتى فى صلبها وضع المصالح الأمريكية فى المركز وفى المقام الأول. وقد كان استياء القادة الأوروبيين من أداء الولايات المتحدة ورئيسها ترامب مصحوبا بالاستخفاف به والابتعاد عنه، حتى قبل دمج تعبير «أمريكا أولا» فى الخطاب الدولى.
غير أن انتخاب جو بايدن للرئاسة الأمريكية من شأنه أن يزيد من فرص استئناف الحوار الاستراتيجى بين أوروبا والولايات المتحدة. هذا ما عبّر عنه الحزب الديمقراطى الأمريكى، فى برنامجه الانتخابى الرسمى، وكذلك الرئيس المُنتخَب خلال المعركة الانتخابية وفى إثرها. كما نشر الاتحاد الأوروبى اقتراحا لجدول أعمال عابر للأطلسى وللتعاون الكونى يأخذ فى الحسبان موازين القوى والواقع الجيوسياسى والتكنولوجى المتغير على الساحة الدولية.
يتعين على إسرائيل التفكير فى مواقفها حيال القضايا التى يلوح فى الأفق توافق مبدئى بشأنها بين الولايات المتحدة وأوروبا:
المنظومة القيمية. إن تمسُّك أوروبا والولايات المتحدة بقيم الديمقراطية من شأنه أن يشكل تحديا للعديد من الدول، بينها إسرائيل. وذلك لأن إسرائيل أصبحت تبدو فى نظر أوساط متعددة من الجناح الليبرالى بين الجمهور الأمريكى، وكذلك فى أوروبا، أنها تتصرف بما يتعارض مع منظومة القيم هذه فى حالات كثيرة.
المشروع النووى الإيرانى. وجّه الاتحاد الأوروبى تحية إلى الرئيس الأمريكى المنتخَب، جو بايدن، على خلفية نيته العودة إلى إطار الاتفاق النووى مع إيران. وقد حيّا كل من ألمانيا، فرنسا وبريطانيا عزمَ بايدن على العودة إلى هذا الاتفاق ورفع العقوبات التى فرضتها إدارة الرئيس ترامب على إيران، فى مقابل عودة إيران إلى الالتزام التام والكامل بشروط هذا الاتفاق. وقد أعلن بايدن والشركاء الأوروبيون فى هذا الاتفاق أن العودة إليه ستشكل نقطة انطلاق نحو مباحثات جديدة فى جملة من القضايا، بعضها مرتبط بالاتفاق وبعضها الآخر جديد لا علاقة له به.
يُذكر أن التزام الولايات المتحدة بالاتفاق والتوجه الإسرائيلى حياله قد سبّبا أضرارا جدية للعلاقات الإسرائيلية الأمريكية وعمّقا هوة الخلاف بين إسرائيل والاتحاد الأوروبى. فى ضوء ذلك يتعين على إسرائيل بلورة موقف حكيم يأخذ فى الحسبان الدروس المستفادة من المعركة ضد انضمام الولايات المتحدة إلى الاتفاق، ودلالات انسحاب الولايات المتحدة منه فى سنة 2018، والذى استجرّ سلسلة من الخروقات الإيرانية لبنود الاتفاق، بالإضافة إلى سياسة «الضغط الأقصى» الأمريكية على إيران، والتى يبدو أن بايدن يرفضها. استمرار السياسة الإسرائيلية الحالية سيخلق صداما مع الإدارة الجديدة (إن هى قوبلت بالتجاهل من طرفها)، ومع الاتحاد الأوروبى، على حد سواء.
العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. فى الوقت الذى يتفق فيه الحزب الديمقراطى الأمريكى والاتحاد الأوروبى على الحاجة إلى حل متفَّق عليه على أساس مبدأ دولتين لشعبين، إلّا أنه ليس ثمة تماثُل بينهما بشأن المركّبات المركزية للصراع الإسرائيلى الفلسطينى. فعلى عكس موقف الاتحاد الأوروبى، لا يذكر برنامج الحزب الديمقراطى السياسى حدود الرابع من يونيو 1967. فى البرنامج الديمقراطى ثمة اعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل من دون أى تطرّق خاص منفصل إلى القدس الشرقية، بينما يتعامل الاتحاد الأوروبى مع القدس كلها ككتلة واحدة، ومع القدس الشرقية كجزء من الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى سنة 1967. وزيادة على هذا، برنامج الحزب الديمقراطى يشير إلى أن مكانة القدس تبقى موضوعا للمفاوضات فى إطار المباحثات بشأن التسوية النهائية. وبينما يعارض الاتحاد الأوروبى المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، يعبّر برنامج الحزب الديمقراطى عن معارضته لتوسيعها.
إلى جانب اختلاف المواقف بينه وبين الولايات المتحدة، يدعو الاتحاد الأوروبى إلى التعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة فى صوغ وتحديد الشروط لتحقيق تقدم جدّى فى العملية السياسية، ولا سيما من خلال عمل مشترك لبث روح الحياة من جديد فى «اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط» (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبى، والأمم المتحدة). فى إطار الحوار الذى سيبدأ مع الإدارة الأمريكية الجديدة فى سياق العملية السياسية فى الشرق الأوسط، ستكون الحكومة الإسرائيلية ملزَمة بعرض مخطط شامل للتقدم يشمل تطرقا إلى قضايا مركزية وحساسة، مثل استمرار البناء فى المستوطنات القائمة، إضافة إلى طرح مقترحات عينية لتحسين الأوضاع الاقتصادية فى الضفة الغربية وقطاع غزة؛ إلّا أن المعارضة الإسرائيلية الجارفة لخطوات محددة، مثل استئناف التمويل الأمريكى لـ«وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، أو المشاورات والمداولات فى إطار «اللجنة الرباعية للشرق الأوسط»، قد تؤدى إلى إثارة التوتر مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
منطقة شرق البحر المتوسط. الحوار الأوروبى الأمريكى فى مسألة المواجهة مع تركيا هو الإطار المريح بالنسبة إلى إسرائيل التى تفضّل أن تبقى خلافاتها الثنائية مع تركيا خارج بؤرة الانتباه والتركيز الدوليين. ومع ذلك، لا مصلحة لدى إسرائيل فى خلق الانطباع وكأنها تدفع نحو إجراءات ردعية وعقابية ضد تركيا.
يمثل دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض فرصة لفتح صفحة جديدة فى منظومة العلاقات العابرة للأطلسى. لا يزال من السابق لأوانه تقييم حجم ومدى التغيير فى السياسة الأمريكية، غير أن المتوقع هو أن تبذل الولايات المتحدة جهودا لافتة لتنسيق المواقف مع الاتحاد الأوروبى فى سلسلة من القضايا التى ستشكل الواقع الجيواستراتيجى خلال العقود المقبلة، بعضها ذو صلة بإسرائيل وذو أهمية بالنسبة إليها. تُحسن إسرائيل صُنعا إن هى أخذت فى الحسبان التغيرات التى تلوح فى الأفق وبلورت مواقفها انطلاقا من التقدير أن الإدارة الأمريكية الجديدة والاتحاد الأوروبى سوف يطرحان مواقف منسَّقة فى القضايا التى تعنيهما وتهمّهما.

باحثان فى «معهد أبحاث الأمن القومى»
مباط عال
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

عوديد عيران وشمعون شتاين

التعليقات