علاج الأزمة بالتنقيط - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاج الأزمة بالتنقيط

نشر فى : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 11:18 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 فبراير 2009 - 11:18 م
من إضراب المحامين بسبب الرسوم القضائية، إلى إضراب الصيادلة بسبب الخلاف على احتساب الضرائب، إلى إضراب سائقى المقطورات النقل بسبب التطبيق الجائر لقانون المرور.. وعشرات الحالات من الاعتصام والتظاهر التى تقع كل يوم، والتى لا تجد لها حلاً إلا إذا تدخل رئيس الدولة وطلب من المسئولين إيجاد حلول معقولة لها.. أو أصدر أمره لوزير المالية بصرف مستحقات يرفض صرفها مثل البدل المقرر للصحفيين، أو إعفاء الفلاحين من جانب من ديونهم لبنك التنمية الزراعية.. كلها ظواهر تدل على التداعيات السلبية التى تركتها الأزمة الاقتصادية العالمية، ليس على الاقتصاد المصرى فقط، بل على الأوضاع الاقتصادية فى العالم كله.

وفى مصر لا توجد إحصائيات دقيقة، أو معلومات موثوقة تفصح عن حجم الأزمة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد، وعلى الأسرة المصرية والتضحيات المطلوبة من المواطنين لمواجهة الضائقة الاقتصادية.. وإن كان المواطن المصرى لا يجد مبررا لتحمل أية تضحيات أو أعباء جديدة.. عندما يرى حجم البذخ والإسراف الذى يرفل فى مظاهره كبار المسئولين فى حلهم وترحالهم. ثم يفاجأ الرأى العام بعد ممانعة مستميتة ومصادمات واعتصامات، أن الحكومة ــ وبالأمر المباشر ــ قد تمكنت من إيجاد الحلول وتوفير الموارد اللازمة لتمويل المطالب العادلة لهذه الفئات.

فى الدول الأخرى تصدر الحكومات بيانات دورية تكشف عن تأثير الأزمة على نسبة البطالة ومستوى الأسعار. وطبقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فسوف تصل أعداد العاطلين إلى 50 مليونا مع نهاية عام 2009. ولا يعرف أحد فى مصر على وجه التحديد كم سيكون نصيبنا من هذه الأعداد فى القطاعات المختلفة.. وعلى رأسها السياحة والعاملون فى الدول العربية، حيث تترى تقارير عن الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة فى دول الخليج.

والمسألة هنا ليست فيما تسببه الأزمة الاقتصادية العالمية من ضائقة تدفع ثمنها الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل من العمال والموظفين الذين تقل دخولهم نتيجة السياسات الانكماشية أو نتيجة فقد أماكن العمل.. ولكن أيضاً ما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية تهدد أمن المجتمع واستقراره.

وفى تقرير منشور عن شهادة أدلى بها دينس بلير مدير المخابرات المركزية الأمريكية أمام الكونجرس، أن تداعيات الأزمة الاقتصادية أصبحت تمثل أكبر مصدر لتهديد أمن المجتمعات.. أكثر من التهديد الذى كان يمثله خطر الإرهاب.

وربما لهذا السبب لم يكن غريباً أن يضع الرئيس الأمريكى أوباما على رأس أولوياته فى مواجهة الأزمة المالية، بعد الخطوة الأولى بإنقاذ النظام المصرفى، مساندة الطبقات المتوسطة على تحمل أعباء الأزمة، واعتماد 15 بليون دولار لدعم برامج التأمين الصحى والاجتماعى والبطالة، وسداد القروض العقارية.

لم تضع مصر خطة شاملة متكاملة، على الرغم مما أعلن عن ضخ 15 مليار جنيه لمواجهة الأزمة التى تعرضت لها بعض القطاعات الإنتاجية. وانتهجت الحكومة حتى الآن أسلوب العلاج بالتقسيط أو بالتنقيط، أى معالجة كل مشكلة لكل فئة على حدة وبأسلوب يتسم بالشطارة والمساومة أو التسويف فى انتظار أن تحل المشكلة نفسها. مما أغرى فئات كثيرة على الاعتقاد بأن الإضراب هو الوسيلة الناجعة للحصول على حقوقها.

إن كل التنبؤات تشير إلى أنه إذا كانت مصر لم تضار كثيراً من الموجة الأولى للأزمة، فالأرجح أن الموجة الثانية سوف تكون أكثر ضرراً، وقد تمس جوانب من الاقتصاد المصرى لم تكن قد أصابتها حتى الآن.. وهذا ما ينبغى أن نتسلح لمواجهته، بإشراك الشعب فى معرفة الحقائق والاستعداد لها.

 

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات