لحسن الحظ أنى ولدت فى هذه الدنيا ذكرا. فالذكورة تأتى مع الكثير من المزايا.. أولها أنى لست فى حاجة لإثبات أنى إنسان، مثلى مثل غيرى له جميع حقوق الإنسان، ولو كنت قد ولدت أنثى، وكان هذا احتمالا واردا، لكانت كارثة! إذ كنت سأجد نفسى مضطرا لهدر الكثير من الوقت والجهد والطاقة لأنفى عن نفسى تهمة الأنوثة التى لم يكن لى يد فيها، والتى تأتى بالكثير من الافتراضات الظالمة سابقة التجهيز، أهمها: أن عقلى ليس راجحا على نحو كافٍ، وأن ذكائى أقل، وأن قدرتى على التحمل والصبر أضعف، وبأنى لا أستطيع التمييز بين الحق والباطل.
ورغم ذكورتى التى لا فضل لى فيها ولا اختيار، إلا أنى عشت هذه المشاعر المظلومة جميعها بالفعل، عشتها عندما كنت أختلط بالناس فى الولايات المتحدة الأمريكية.. هذه المرة بسبب دينى وليس بسبب نوعى. مرات عديدة وجدت معاملة الناس لى تتغير، ونظراتهم تتلون بالحذر والاستغراب بمجرد أن يعرفوا أنى شرق أوسطى مسلم وأن اسمى الأوسط هو موهامد آلى (محمد على!). والتهمة السابقة التجهيز هى أنى إرهابى عريق أمارس القتل من باب الهواية فى عطلة نهاية الأسبوع، ومثلما تكافح المرأة فقط لتنقل رسالة تحاول أن تقول فيها إنها إنسانة تساوى الرجل فى الحقوق والكرامة رغم أنها أنثى، كان على أنا أيضا فى الولايات المتحدة الأمريكية المتحضرة أن أقنع الناس كل يوم وفى كل مناسبة أنى إنسان عادى جدا أساويهم فى كل شىء رغم أنى مسلم.. ويا له من عبء!
وها أنا أسمع كلاما كثيرا يفرق بين المرأة والرجل ليضعها فى مرتبة أقل.. وباسم الإسلام ذاته بكل أسف. وأقف أمام الآية الكريمة، «وإذا الموؤدة سئلت بأى ذنب قتلت»، لأجد أن الوأد فى الجاهلية، والذى تحدث عنه كتاب الله المحكم هو أكثر رحمة من الوأد الذى يحدث للمرأة فى كل يوم وكل ساعة باسم ديننا الحنيف، الذى هو منه براء. ففى الجاهلية كان الحل السهل هو القتل ومغادرة هذه الدنيا الظالمة بعد ساعات يسيرة من دخولها، تماما كما فعلت أنا عندما اخترت أن أترك أمريكا لكى أحيا فى سلام مع نفسى. أما الوأد فى هذا الزمان، فهو اغتيال أشد وأقسى لأنه اغتيال للمرأة فى إنسانيتها وعقلها وجهدها وكفاءتها، بل وقدرتها على التمييز. ولن يخفف من قسوة هذا الاغتيال المستمر أن يقال إن عدم صلاحية المرأة لهذا العمل أو ذاك سببه هو إشفاق الرجل عليها من المشقة والجهد، فإذا كنا نشفق على المرأة حقا كما نزعم لتركناها هى تختار لنفسها، لا أن نفرض نحن اختيارنا عليها.
هل أنا حقا فى حاجة إلى أن أقول إن المرأة تصلح للقضاء؟ اسألوا أبوحنيفة الذى تأخذ الدولة بمذهبه عندما لا يوجد فى قانون الأحوال الشخصية نص، اسألوا القرضاوى. إن مجرد طرح التساؤل ذاته فى هذا الزمان مهين لإنسانيتنا جميعا ذكورا وإناثا لدرجة أنى أخجل حتى من مجرد مناقشته، ولكنى ببساطة أقول، كيف يمكن أن تكون الجهة المنوط بها حماية العدالة شريكا فى هذا المستوى من الظلم؟! لقد كان وأد الإناث فى الجاهلية يحدث مرة واحدة فى عمرها، وعندما نقول إن المرأة لا تصلح للقضاء، فإننا نمارس وأد الإناث بتناول عصرى أنكى وأشد، لأننا نمارسه على رأس المرأة مرارا وتكرارا، لمرات عديدة فى كل لحظة من كل عمرها.