غياب الشورى يخلخل الاستقرار - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غياب الشورى يخلخل الاستقرار

نشر فى : الجمعة 25 مايو 2012 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 مايو 2012 - 9:06 ص

(1)


ودعت الأمة ابن الخطاب (رض) وودعت معه تجربة استمرار واستقرار دامت (12) سنة هى سنوات حكم أبى بكر وعمر (رضى الله عنهما) وكان عامل الاستقرار الأول هو عدل الحاكم ونزاهته المترفعة أن تقترف يداه أدنى محاباة شكلا أو مضمونا.. وقال، ــ وهو ينشىء أول هيئة سياسية ــ إن أعهد إلى أحد فقد عهد من هو خير منى (يعنى أبا بكر)، وإن أترك الأمر للناس فقد ترك من هو خير منى (يعنى الرسول «صلى الله عليه وسلم») وهكذا وضع عمر (رضى الله عنه) الحق فى نصابه بترك الأمر للناس؛ تأسيا بما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لذلك تقدمت الأمة لتمسكها بالأسوة النبوية وإدراكها لأهمية القاعدة النبوية (سددوا وقاربوا) فلايستطل أحد على الخلق ولا يزكى نفسه، بل يدع الأمر للعامة إن شاءوا قبلوه أو رفضوه.

 

(2)

 

استقبل عثمان (رض) تكليفه فى مناخ سياسى جديد، فقد تعددت شعوب الأمة بينما لم يلتقط الصحابة أنفاسهم من جهاد الفتوح، ولم يتفرغوا لصياغة مشروع دعوتهم ظانين كفاية القرآن لكل هذه الشعوب، والحق أن القرآن الكريم يكفى الدنيا والآخرة إذا تناوله من يحسن لغة القرآن، اما غير العرب فهم فى مسيس الحاجة لمن يصوغ لهم بلسانهم استراتيجية القرآن ورؤيته الكلية للكون وسكانه، وتسبب افتقاد المسلمين الجدد للبيان المترجم بلغاتهم وكذلك مكر الطواغيت التى زال ملكها من ناحية أخرى ففتحت كثيرا من الثغرات التى تسرب منها العدو بدعاوى وفلسفات أفسدت مناخ التدين.

 

(3)

مع ولاية عثمان (رض) استجدت عوامل لم تكن موجودة، فقد أذن عثمان للصحابة فى الهجرة خارج المدينة والإقامة فى الأقاليم المفتوحة إطلاقا لحرية الصحابة من ناحية ورغبة فى إعمار البلاد المفتوحة بعقول علمية فقهية من ناحية أخرى، غير متحسب أن سفر هؤلاء الصحابة (رضى الله عنهم) يخلخل وظيفة (اهل الشورى) معه، كما يفقد الدولة مخزونها الإستراتيجى من القادة الذين يحتاج إليهم فى اعماله...مما اضطره كثيرا أن يمارس ولايته فى ضوء (شورى ضيقة محدودة ) فضلا عن اضطراره للاستعانة بأقاربه فى الوظائف العامة، فكانت عوامل (ضيق حيز الشورى) و(تعيين أقاربه) سببا لفتح الابواب لتصرفات غير ناضجة أدخلت رياح النقد الشديد اللاذع الذى يخلخل الاستقرار فكانت هذه العوامل الثلاثة عوامل تحريف لتجربة (أبى بكر وعمر) وعوامل تجريف للثقة فى الحكم والإدارة.

 

(4)

فى هذا المناخ غير الصحى تنامت تطلعات المحيطين ببنى هاشم يزعمون احقية على (رضى الله عنه) فى الإمارة واهليته لها، فإذا بهم يعالجون خطأ بنى امية بخطأ أكبر يورطون فيه بنى هاشم وعلى رأسهم على بن ابى طالب (رضى الله عنه) فيتحولون فى أعين الناس من عوامل مناصرة واستقرار إلى عوامل منافرة واحباط، وهكذا توارى الهدى النبوى، وحل محله سوء الإدارة من بنى امية وسوء التصحيح من بنى هاشم والصمت البليغ من عامة الأمة فانبعثت فتنة الجاهلية الأولى واستدعيت عصبية بنى هاشم لمواجهة عصبية بنى امية ؛ودين الله والهدى النبوى برءاء مما فعل الجانبان ؛فالخطأ لا يبرر الخطأ ولا الخطيئة وحينما أصف فعل المتحزبين لبنى هاشم بالخطأ فإننى أعنى أن القوم تجاوزوا أخطاء النقد واعتبروا المسألة مسألة عقيدة وجهاد وليست مسألة رأى واجتهاد، وهكذا سقطت التجربة الأولى فى نفق خلط السلوك بالمعتقد فاقتحموا هالة العقيدة واضافوا عليها السلوك البشرى.

 

(5)

 

وسقطت العاصمة فى مخالفة الهدى النبوى بثلاثة عوامل بغيضة هى:

 

1ــ خلو مقاعد الشورى المؤهلة، 2 ــ سياسات خاطئة وتولية الأقارب، 3 ــ تنامى فرقة الشيعة وبداية تحولها من مجرد كتلة سياسية إلى بذور حزب دينى يخلط السلوك بالعقيدة فيرتكب خطأين أولهما اقحام السلوك البشرى فى عرش العقيدة بإدخال شئون البشر فى مخصصات الألوهية، والخطأ الأكبر هو العبث بالعقيدة ودحرجتها من (عقيدة تجمع الناس إلى عقيدة تفرق وتشتت الناس) وتلك قصة أخرى.

 

(6)

 

أصبح المناخ ملائما لرياح السموم المحملة بشهوات الذين فقدوا صولجانهم أمام الإسلام، وأبرز تلك الرياح ريح عبدالله بن سبأ اليهودى، إذ أسلم فى عهد عثمان (رضى الله عنه) وتنقل بين الاقاليم مستثمرا خطأ المتشيعين لعلى (رضى الله عنه) فيضع زيت العداوة على نار العصبية مدعيا «رجعة محمد» (صلى الله عليه وسلم) قياسا على مقولة «رجعة عيسى» ويقرر ان القرآن ما دام قد ذكر ان محمدا خاتم النبيين فإن عليا خاتم الأوصياء قياسا على وصاية موسى لأخيه هارون (صلى الله عليه وسلم) بأن يخلفه حينما ذهب يتلقى الوحى وكما عاد موسى لهارون، سيعود عيسى (حسب المتداول من الروايات)، وأولى من ذلك كله «سيعود محمد».... أرأيت خطأ تجاوز القرآن ؛ وخطر القفز على الهدى النبوى؟ هكذا بدأ العبث والتسيب تفريطا فيما جاء به القرآن وإفراطا فى الاستعانة بما لا أصل له ولا نفع.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات