أحجار في بحيرة راكدة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحجار في بحيرة راكدة

نشر فى : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 4:40 م | آخر تحديث : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 4:40 م

 خيب الحزب الوطنى توقعات الكثيرين، حين أفصح فى تصريحات قاطعة على لسان قياداته بأن موضوع انتخابات الرياسة ليس من الموضوعات المطروحة فى جدول أعمال المؤتمر السنوى السادس للحزب، وأن أى كلام عن انتخابات الرياسة سابق لأوانه، وسوف يختار الحزب الوطنى مرشحه فى اقتراع سرى!

متى يكون ذلك؟ وموعد الانتخابات الرياسية قد تحدد فى خريف 2011 ولم يبق عليه غير أقل من عامين؟ وتسبقه خلال أشهر قليلة انتخابات لمجلس الشورى، تعقبها انتخابات مجلس الشعب فى 2010. أى أن على الشعب المصرى أن يحبس أنفاسه وتطلعاته فى انتظار ما يأتى به القدر. ويحلو للمسئولين فى الحزب الحاكم أن يذكروا الجميع بأن المادة 76 من الدستور الخاصة بانتخابات رئيس الجمهورية، تنص على أن انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السرى المباشر، بشرط أن يؤيد المتقدم للترشح 250 عضوا من المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية للمحافظات. ويحق للأحزاب السياسية التى مضى على تأسيسها خمس سنوات متصلة أن ترشح لرياسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا.

فى ظل هذه الشروط التى فُصلت بإحكام لكى يفوز مرشح الوطنى أيا كان، سواء كان الرئيس مبارك نفسه الذى قال إنه سيظل يحكم ما بقى فيه عرق ينبض، أو من يراه أحق بخلافته سواء كان الابن أو غيره، فمازال الحزب الوطنى فيما يبدو مسكونا بالهواجس والمخاوف خشية ألا ينجح هذا الترتيب، بدرجة تمنعه من الإفصاح عن نواياه أو عن مرشحيه. وربما يبقى ذلك كذلك حتى اللحظة الأخيرة بعد التأكد من نتائج انتخابات مجلسى الشعب والشورى.

هذه الهواجس التى تعبر عن انعدام الثقة فى قواعد الحزب من الناخبين، هى التى أدت على الأرجح إلى تهرب الوطنى حتى الآن من الوفاء بالاستحقاقات السياسية التى التزم بها فى البرنامج الانتخابى للرئيس، فيما يتعلق بثلاث قضايا جوهرية، هى إلغاء حالة الطوارئ واستبدالها بقانون شامل لمكافحة الإرهاب، وإصلاح النظام الانتخابى بإقرار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية بالانتخاب الفردى أو بالقائمة. ووضع قانون جديد للحكم المحلى يعزز اللا مركزية والديمقراطية.

كان المفروض أن تصدر هذه القوانين الثلاثة فى وقت معقول، لكى تشهد البلاد حالة من الانفراج السياسى والنزوع الديمقراطى والنشاط الحزبى.

ولكن لا أحد يعرف لماذا امتنع على الحزب الوطنى الوفاء بهذه الاستحقاقات، ولا لماذا لم تطرح على جدول أعمال مؤتمره السنوى، خصوصا مع اقتراب المواعيد الانتخابية، والحاجة الملحة لتهيئة الأجواء ومعرفة قواعد اللعبة فى الانتخابات القادمة.

لا حاجة إلى كثير من الذكاء لكى ندرك أن وراء التهرب من الوفاء بهذه الالتزامات، رؤية أمنية غير سياسية، تستهدف استبعاد العناصر غير المرغوب فيها من العملية الانتخابية، واستخدام الإجراءات الاستثنائية لتحقيق هذا الغرض، وهو ما يشى بالرغبة فى إبقاء الأمور على ما هى عليه.

وللتاريخ والحقيقة، فإن عزوف الحزب الوطنى عن إعادة إحياء الحياة السياسية، لم يمنع أطرافا وقوى سياسية عديدة فى أى لحظة عن التفكير فى مستقبل الحكم فى مصر، وأن تطرح التساؤلات والاحتمالات عن بقاء الرئيس مبارك فى الحكم أو ترشيح نجله جمال مبارك لكى يتم نقل السلطة إليه. ولم تفلح كل المحاولات التى بذلت لمعرفة نوايا الرئيس شخصيا، ولا كيف تفكر قيادات الحزب الحاكم التى التزمت صمتا كالقبور، فيما عدا تلك الحملات التى أطلقتها عناصر من داخل الحزب على شبكة الإنترنت للترويج لترشيح جمال مبارك.

وفى خضم هذه الحيرة انطلقت أصوات محملة بالرغبات والترشيحات لشخصيات وأسماء تحظى بقدر كبير من الاحترام والكفاءة مؤهلة لتولى منصب الرياسة.. من بينها عمرو موسى ومحمد البرادعى وأحمد زويل وغيرهم. وكلها شخصيات لو دخلت معترك السياسة فى ظروف أخرى غير هذه الظروف لأحدثت نقلة نوعية فى الأداء وفى مسار ومسيرة النظام، وربما أعادت ولادة النظام السياسى على أسس جديدة. ولكن الثابت أن معظم الأسماء المطروحة من موسى إلى البرادعى إلى زويل والتى يجرى الإلحاح عليها ليل نهار، تحول بينها وبين مجرد الترشيح ــ وهو أول خطوة فى العملية الانتخابية ــ عقبات وعقبات..

ومن ثم، فإن الأقرب إلى المنطق من الناحية العملية، أن يكون الحديث عن هيئة تأسيسية وفترة انتقالية، يتم خلالها إعادة ترتيب البيت لإقامة حياة سياسية سليمة على أسس ديمقراطية. وقد طرحت عدة تصورات وأفكار فى هذا الاتجاه، من بينها الاقتراح المفصل الذى طرحه الأستاذ هيكل، وآخر قريب منه من كل من الدكتور حسن نافعة وأسامة الغزالى حرب. وهناك إجماع على أن يتم ذلك فى ظل ولاية جديدة للرئيس مبارك.

ولكن تبقى الفكرة التى طرحها الإعلامى عماد أديب، والتى دعا فيها إلى خروج آمن للرؤساء، أى منحهم ضمانات بعدم الملاحقة القضائية.. بحجة تشجيعهم على الخروج بهدوء من الحكم.. وهو رأى لا يقدم حلا لأسلوب انتقال السلطة، لأنه فقط يعفى الحاكم من الحساب والعقاب، ويشجع على انتهاك القوانين والاستئثار بالسلطة، ولن يحول برغم ذلك دون بقائه فى الحكم.

والرد على ذلك، أنه فى الدول الديمقراطية التى يدخل الحاكم فيها بالطريق الديمقراطى ويخرج فيها أيضا بالطريق الديمقراطى، توجد قوانين وأعراف تعطی للحاكم هامشا للخطأ غير المقصود، كما تعطيه وأسرته ضمانات لحياة حرة كريمة بعد اعتزاله. وأمامنا الرئيس شيراك فى فرنسا وثلة من الرؤساء الأمريكيين من كارتر إلى كلنتون إلى بوش الابن بكل جرائمه وتجاوزاته. ولم نسمع أن أحدا منهم قدم للمحاكمة، أو لوحق قضائيا.. طبعا هناك فرق، فلم يقترف أحد منهم جرائم كالتى اقترفها صدام حسين وحوكم عليها.

وفى كل الأحوال تبقى هذه الطروحات والسجالات، ليست أكثر من بالونات اختبار، أو مجرد أحجار صغيرة تلقى فى مياه بحيرة راكدة.. تعبيرا عن أمة تعانى حالة من القلق إزاء مستقبل غامض.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات