تحويل الإخوة إلى أعداء - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحويل الإخوة إلى أعداء

نشر فى : الجمعة 25 ديسمبر 2009 - 10:31 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 ديسمبر 2009 - 10:31 ص

 أن تصل الأمور إلى حد إقامة جدار فولاذى فى رفح على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ويصبح الخطر الذى يهدد أمن مصر وسيادتها مصدره عدو مجهول يقبع فى الأراضى الفلسطينية فى القطاع المحاصر من إسرائيل..

وتنطلق التهديدات من جانب فريق من أبناء الشعب الفلسطينى الذى ضحت مصر من أجله بدماء أبنائها. وترد عليهم السلطات المصرية بأنها سوف تتعامل بقوة ضد كل من يحاول الاعتداء على شرعية حدودها وسيادتها.. وبدلا من أن تتجه المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ضد إسرائيل، غدت تتجه إلى مصر وحدودها..

يعنى ببساطة أن ثمة خللا فى السياسة المصرية أدى إلى أن يصبح الأشقاء هم الأعداء، وأن يعامل الأعداء معاملة الأشقاء. وهذا الانقلاب المفاجئ فى المقاصد والسياسات، وفى العداوات والتحالفات، هو الذى يثير الدهشة ويجعل من الصعب فهم الأبعاد الحقيقية لهذه التحولات.

هل معنى ذلك أن مصر باتت تتباعد شيئا فشيئا عن التزاماتها السياسية والتاريخية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية؟.. أم أن السياسات الإسرائيلية ــ الأمريكية التى فرضت نفسها على المنطقة قد نجحت فى تغيير المعادلات ودق إسفين بين أبناء الشعب الفلسطينى الواحد من ناحية، وبين مصر وجانب كبير من الفصائل الفلسطينية التى تختلف معها فى الأساليب والأهداف من ناحية أخرى؟

إن مصر تنفى بشدة أن تكون الأسباب وراء إقامة جدار فاصل كالذى أقامته إسرائىل بينها وبين فلسطينيى القطاع، هو أن «حماس» التى تتولى السلطة فى غزة على خلاف مع «فتح» فى رام الله.

لم تستجب للجهود والوساطات المصرية لتوقيع ورقة التفاهم والتوافق التى أنفقت مصر كثيرا من الجهد والوقت فى إتمامها. والتى تذهب السياسة المصرية إلى أنها ستمهد الطريق أمام انتخابات عامة وحكومة فلسطينية موحدة، تفتح الباب لمفاوضات سلام مثمرة مع إسرائيل.

وليس هذا الاتهام وحده هو الأساس الذى بنى عليه الجدار الفاصل. ولكن ثمة اقتناعا مصريا يتردد كثيرا ولا تسانده كثير من الحقائق، بأن حماس وقياداتها تعمل بأجندة خارجية وبإيعاز من سوريا وإيران وحزب الله، بقصد إحراج مصر وكسر شوكة محمود عباس ومنظمة فتح. ولهذا تعرضت الحدود المصرية لما تعرضت له من خروقات وانتهاكات، تضاعفت بعد الغزو الإسرائيلى لغزة فى يناير الماضى.

وحتى لو صحت هذه التصورات، فإن مصر تتحمل مسئولية فى خلق الظروف التى أدت إلى استفراد إسرائيل بأحكام الحصار على غزة، وإغلاق جميع المعابر بما فى ذلك معبر رفح لفترات طويلة متقطعة. أدت إلى خنق الفلسطينيين وحرمانهم من الغذاء والدواء والوقود، إلا ما تسمح به إسرائيل تحت ضغوط دولية وبكميات غير كافية. فكان طبيعيا أن تتوسع عمليات التهريب من مصر إلى غزة، ويجرى حفر الأنفاق بالمئات لتمرير احتياجات مليون ونصف المليون نسمة من أهالى غزة، وتستغل إسرائيل شبكات الأنفاق فى تهريب المخدرات والسلاح.

وكان لابد أن تسفر هذه السياسات المتشددة من جانب مصر، والتى أخذت تزداد تشددا تحت ضغوط أمريكية لحساب إسرائيل، عن أضرار بليغة قوضت عوامل الثقة أو ما بقى منها بين مصر وقيادات حماس.

وكان طبيعيا أن تبحث حماس عن الدعمين المادى والسياسى من دول الممانعة سوريا وحزب الله وإيران وقطر وغيرها من الأطراف العربية التى لا تتماشى مع السياسات الأمريكية الموالية لإسرائيل. هذه السياسات التى أثبتت عجزها وفشلها، وخيبت الآمال التى علقتها عليها دول الاعتدال العربية، بعد أن رفضت إسرائيل طلب أمريكا بتجميد المستوطنات.

الحجة التى أعلنتها مصر رسميا بعد حالة من الكتمان غير المبرر الذى سمح لإسرائيل بأن تكون أول من أفصح عن الجدار وأذاع تفاصيله، هو أن من حق مصر أن تدافع عن أمنها وحدودها وسيادتها. وهو حق أريد به باطل.

لأن مصر بهذا الجدار تتخلى عن قطاع غزة وتتركه لقمة سائغة لإسرائيل، وتعلن انحيازها رسميا لمحمود عباس ورام الله، بعد أن كانت تتخذ موقفا شبه محايد بين الطرفين وتسعى للتوفيق بينهما. وكان بوسع مصر أن تقاوم عمليات التهريب وحفر الأنفاق لو توسعت مصر فى منفذ رفح ووضعت له الضوابط والإجراءات الصارمة، ما يسمح بمرور الأشخاص والبضائع تحت رقابة محكمة خاصة بعد أن أغلقت إسرائيل بقية المنافذ..
وليس فتحه بين الحين والآخر بصفة استثنائية، وقبل أن تستفحل مسألة الأنفاق لتمثل خطرا داهما يقلق السلطات.

لقد جاءت حكومة نتنياهو وهى عازمة عزما لا يلين على وضع حد لجهود السلام وللمفاوضات التى كان أولمرت قد بدأها مع عباس من باب سد الذرائع. ومع سياسة الفشل والتراخى التى انتهجتها إدارة أوباما إزاء القضية الفلسطينية، زاد غرور نتنياهو وعجرفة الصهاينة الإسرائيليين. ولم يعد سرا أن عملية تهويد القدس تسير على قدم وساق ويحرم السكان العرب من حقوقهم وأوراقهم الشخصية.

وهناك اتجاه أمريكى ــ أوروبى لتشجيع إسرائيل على تهديد إيران والقيام بدور كلب الحراسة الشرس فى الملف النووى بالتلويح بتوجيه ضربة للمنشآت الإيرانية، بعد أن انتهت المهلة التى حددها أوباما وفشلت سياسة العقوبات الأمريكية فى إرغام طهران على وقف عمليات تخصيب اليورانيوم.

ان أخشى ما نخشاه أن تؤدى سياسة العزل بالجدار الفولاذى، والذى تم بإيعاز وتمويل وخبرة أمريكية إلى تحقيق أهداف إسرائيلية، وليس إلى حماية أمن مصر، أو تمهيد الأجواء لمفاوضات سلام لن تتحقق. وأن تخلق لنا أعداء على الحدود المصرية، تبدد مصر طاقتها وامكاناتها فى مقاومة غضب شعب شقيق يشعر بانفضاض الجميع من حوله حتى مصر. وهو ما من شأنه أن يفجر العنف والتطرف فى الأراضى الفلسطينية وفى المنطقة بأسرها.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات