نحو مجلس قومى للتعليـم - ايمان رسلان - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو مجلس قومى للتعليـم

نشر فى : الإثنين 27 فبراير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 فبراير 2012 - 8:00 ص

خلال شهور قليلة سوف يذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع لبدء مرحلة جديدة تماما فى تاريخهم الحديث.

 

فلأول مرة سيختار المصريون رئيسا لهم يعرفونه مسبقا. ومن أجل هذا الهدف النبيل والمستحق بعد الثورة، بدأ الحديث أيضا عن ضرورة الاعداد لدستور يتحقق من خلاله استحقاقات المستقبل، والمستقبل يعنى بالضرورة الحديث عن التعليم، فهل نحن بالفعل بدأنا فى الإعداد الصحيح لهذا الملف المهم أم أننا نسير فى اتجاه الهرولة؟

 

من مفارقات واقعنا أن الجميع يتحدث عن هذه الكلمة السحرية ألا وهى التعليم فنجدها مطروحة فى كل لقاء ومحفل وفضائية، وهو ما يعكس أنه بالفعل يوجد إحساس عميق بالأزمة التعليمية لدى الجميع شعبا ونخبه، ومع إدراك ضرورة إجراء التغييرات الجذرية التى تناسب المستقبل الذى نتحدث عنه.

 

ولكن فى مقابل اتفاق الجميع على «عمق الأزمة» فإن الأمر يختلف اختلافا جذريا عند الحديث عن الكيفية التى سيتم إحداثها لتطوير التعليم، فلا نجد حوارا جادا قد «تم أو دعى إليه» على كثرة الحوارات التى تقام بمصر يوميا. فما نعيشه الآن هو الحديث عن الانتقال إلى جدول الأعمال التنفيذى بدون الاتفاق أصلا عن المضمون والهدف من القضية التى نتحدث عنها ويصبح الأمر كأننا نقفز إلى المجهول!

 

وزاد من ارتباك المشهد الحالى ـ المرتبك أصلا ـ أن بدأت تيارات سياسية وتحديدا تيارات الإسلام السياسى متمثلة فى حزبى الحرية والعدالة والنور فى الإصرار على الفوز بالحقائب الوزارية الخاصة بالتعليم كما سمعنا من تسريبات تشكيل الإخوان للحكومة الائتلافية حيث ينفرد الإخوان بحقيبة التعليم العالى وحزب النور بوزارة التربية والتعليم. أو من خلال التطبيق العملى فى أرض الواقع الذى جسده احتكار جميع المراكز فى لجنة التعليم بمجلس الشعب. حيث فاز برئاستها ممثل للتيار السلفى وبالوكيل ممثل للإخوان المسلمين وبأمانة السر ممثل للجماعة الإسلامية، وليس من المتوقع أن يحدث تغيير أيضا فى لجنة التعليم بمجلس الشورى.

 

•••

 

وهنا سوف يتبادر للذهن سؤال منطقى، هل قضية التعليم والمستقبل هى قضية تهم جموع الشعب المصرى بكل فصائله وتنويعاته، أم هى قضية تخص نفر من الأحزاب التى فازت بالأكثرية؟ وفى وقت زمنى محدد؟

 

بمعنى هل التعليم قضية قومية طويلة المدى؟ أم قضية حزبية مؤقتة تتغير فيها القواعد طبقا لرؤية ومنهج الحزب الفائز فى الانتخابات؟ وهل التعليم قضية خدمية مثلما يقال عند الحديث عن وزارات الخدمات كالصحة والتموين؟ أم قضية استراتيجية لصالح المجتمع بأكمله مثلها فى ذلك مثل قضية القوات المسلحة والأمن؟ فإذا كانت الأمم تنصهر داخل الجيش كبوتقة قومية واحدة لا فارق فيها بسبب اللون أو الدين، فإن الأمر نفسه ينطبق تماما على التعليم من حيث كونه البوتقة التى ينصهر فيها الجميع وتربى وتغذى العقول على أسس عقلية.

 

وبالتالى فإن انفراد أى حزب سياسى أيا كان القرار وقبل الاتفاق على الثوابت الوطنية التى من المفترض أن يتضمنها دستورا جديدا يتحدث عن المستقبل، يصبح الأمر كأننا نهدر تاريخنا ومستقبلنا ونرهنه لصالح هذا التيار أو ذاك، ليس خوفا من الفزاعة التى انتهى أمرها ولكن لأن التعليم قضية استراتيجية وليست خدمية.

 

وأحسب أنه من القضايا المهمة التى يجب حسمها قضية مجانية التعليم وهل نبقى عليها كما كانت فى دستور 1971 الذى ينص على أن المجانية مكفولة للجميع داخل مؤسسات الدولة من الابتدائى حتى الجامعة. فهل المجانية محل وفاق وطنى الآن لا سيما وأن بعض الأحزاب قد بدأت فى طرح أفكار حول ضرورة ترشيد هذه المجانية وهذا ما تطرحه تيارات اليمين سواء تحت لافتة الأحزاب الإسلامية أو الليبرالية، وهل يتناسب طرح الترشيد فى مجتمع لا يزال نسبة 40% منه تعيش تحت خط الفقر. وهل طرح ترشيد المجانية يعنى قصرها عند حدود التعليم الأساسى «الإعدادية» كما فهمنا ضمنيا من أحاديث قيادات حزب الحرية والعدالة.

 

وماذا عن قضية المساواة فى الحق فى التعليم بين الذكور والإناث سواء من حيث الالتحاق بالمدراس أو فى المناهج الدراسية... وهى قضية لم تكن مطروحة أصلا طوال العقود الماضية ولكنها مطروحة بقوة الآن حسب برنامج حزب النور الذى يشغل أحد قياداته منصب رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب ويريد الحزب أيضا أن يتولى حقيبة وزارة التعليم. وهو ما أكده لى رئيس اللجنة د.شعبان عبدالدايم بقوله إنهم سيبادروا بالدعوة إلى وجود مناهج منفصلة للفتيات تناسب تكوينها وإعدادها لتحمل دورها فى بناء الأسرة!

 

كذلك هناك أسئلة كثيرة فى التعليم يجب مناقشتها وحسمها حول حرية البحث العلمى مثلا، وهل يصبح قاصرا على المواد العلمية فقط أم سيمتد للعلوم النظرية؟

•••

 

والمدهش أن كل هذه القضايا أصبح يعاد طرحها الآن بعد أن فتحنا الباب على مصراعيه للحديث عن كل شىء بدون مرجعيات من التاريخ أو نضال الشعب المصرى خلال القرنين الماضيين. ويضاف إلى ارتباك المشهد الحالى أن العبث كان يحكم العملية التعليمية طوال العقود الماضية فتركنا أمر التعليم للاجتهادات الشخصية للحكومات والمسئولين فيها، وهو ما أنتج أزمات متتالية مثل إلغاء الصف السادس الابتدائى ثم عودته مرة أخرى، وإلغاء تكليف خريجى التربية للعمل كمدرسين والآن يطالب وزير التربية والتعليم بعودة هذا النظام. والمفارقة أن من ألغى فى عهده هذا النظام كان د.الجنزورى الذى هو نفسه رئيس الوزراء الآن! والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى.

 

والحل «وهو مطبق فى كل دول العالم المتقدم» هو إنشاء مجلس أعلى للتعليم بأكمله على غرار مجلس الأمن الوطنى يضم الساسة والمفكرين والعلماء وخبراء الاستراتيجية، يتم ممن خلاله الاتفاق على الثوابت والكليات فى الإطار العام للدستور، وعلى أن تترك الأمور التنفيذية لاجتهادات المسئولين. وعندئذ لن يهم من يتولى حقيبة هذه الوزارة أو تلك لأنه سيكون قد تم الاتفاق طويل المدى على الثوابت فى التعليم بدلا من الهرولة الحالية.

ايمان رسلان صحفية متخصصة في التعليم
التعليقات