نقاش حول مقاطعة الانتخابات - ياسر علوي - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 2:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقاش حول مقاطعة الانتخابات

نشر فى : الثلاثاء 26 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 فبراير 2013 - 8:00 ص

تعيش مصر أزمة حكم عميقة، وفورانا جماهيريا غير مسبوق، وعصيانا شاملا فى القناة، واحتجاجات مستمرة فى ميادين القاهرة والإسكندرية والمحلة، وإضرابات عمالية ومهنية فى محافظات الدلتا والصعيد.

 

فى مواجهة ذلك، لم تلجأ السلطة لإجراء سياسى لاحتواء الأزمة أو التجاوب مع مطالب المحتجين، سواء الاقتصادية (مثال: مشكلة امتناع السلطة عن تطبيق أحكام القضاء ونصوص الدستور بشأن الحد الأدنى للأجور)، أو السياسية (مثال: وضع النائب العام وإعادة هيكلة الداخلية ووقف التعذيب). لم تفعل السلطة أيا مما سبق، وإنما قفزت للأمام ودعت لانتخابات برلمانية خلال شهرين، وفى ظل بقاء كل معطيات الأزمة على ما هى عليه.

 

خيار السلطة واضح تماما. المطلوب هو التخلص من أسر الشرعية الملتبسة بفعل نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية و«تفاهمات الفيرمونت»، والاستعاضة بالقدرة التنظيمية عن أى تراجع فى شعبية السلطة فى الفترة الأخيرة، والمراهنة على أن الفوران فى الشوارع والميادين وأماكن العمل سيأتى على حساب قدرة أحزاب المعارضة على الحشد والدعاية الانتخابية (تكرار لسابقة أحداث محمد محمود وتأثيرها على أداء الانتخابات البرلمانية السابقة).

 

لم تخلُ هذه المناورة من استهانة فجة بعمق الأزمة، وقناعة مذهلة بأنها يمكن أن تنتهى بمجرد قرار من السلطة يربك المعارضة بانتخابات مبكرة، يفترض أن تؤدى لإنهاء الاحتجاجات فورا وتوجه الجميع لصناديق الاقتراع!

 

بالمقابل، سارع عدد من قادة «جبهة الإنقاذ» بإعلان المقاطعة دونما انتظار لاجتماع الجبهة المقرر لمناقشة الموضوع. وبصرف النظر عما تطرحه هذه الإعلانات المنفردة من أسئلة حول تماسك الجبهة، وجدوى اجتماعاتها، فإن السرعة الشديدة لتبنى قيادات المعارضة لخيار المقاطعة، توحى وكأن هذه المسألة هى «موقف مبدئى» ليس بحاجة لنقاش، وإنما يجب اتخاذه فورا احتجاجا على ممارسات فجة لسلطة تستهين بالمواطنين المحتجين فى محافظات مصر ودمهم المراق، وتستعيد ممارسات قمعية لسلطة ما قبل الثورة (التعذيب، والسحل، والتعرية، والتحرش). هذا على أى حال ما جاء فى تصريحات قادة المعارضة. لكن المسألة ليست كذلك بالضبط.

 

•••

 

فمقاطعة الانتخابات ليست قضية أخلاقية أو مبدئية مطلقة. هى تكتيك سياسى تستخدمه القوى المعارضة فى ظروف معينة، لتحقيق أهداف محددة (عزل السلطة وحصارها، كما فعلت المعارضة فى انتخابات 2010، التى غاب عنها الإشراف القضائى، وتبجحت السلطة فى التلاعب بنتائجها، فقاطعها الجميع مما أدى لتعميق عزلة النظام والمساعدة على توفير الشروط الموضوعية لقيام ثورة 25 يناير). وكأى تكتيك سياسى آخر، فإن الموقف من استخدام سلاح المقاطعة يتحدد وفقا لمدى كفاءته فى تحقيق الأهداف المطلوبة، وإلا تحول الأمر لمجرد تعبير عن «الاستياء» بلا مفاعيل سياسية.

 

هناك شرطان مطلوبان لنجاح خيار المقاطعة. الأول هو وجود خلل واضح فى «إجراءات» الانتخابات، يجعل مشروعيتها القانونية موضع الشك (مثال: غياب الإشراف القضائى، ومن ثم عدم وجود طريقة للتأكد من نزاهة الانتخابات وغياب التزوير). والثانى، هو وجود توافق حاسم على المقاطعة لكل من هم خارج السلطة، بما يؤدى لحصول السلطة على 80 أو 90 % من مقاعد البرلمان. وبالتالى، تكون الانتخابات فاقدة للمشروعية السياسية، لأنها تعبر بوضوح عن لون واحد فى المجتمع.

 

هل يتوافر هذان الشرطان الآن؟ الإجابة على الأرجح ستكون بالنفى. فلا يوجد سبب للاعتقاد أن الانتخابات التى ستجرى على ثلاث مراحل لن يتوافر لها عدد قضاة يكفى للإشراف على اللجان الفرعية المختلفة (قارن بتجربة الاستفتاء على الدستور، والتى أجريت على مرحلتين فقط، ومع ذلك توافر لها عدد كافٍ من القضاة). ومن ناحية أخرى، تتوافر مؤشرات على وجود قطاع لا يستهان به يعتزم الترشح، بعضه جزء من المعارضة (حزب مصر القوية)، وبعضه خارج السلطة (السلفيين)، وبعضه راغب فى العودة للساحة السياسية (الوجهاء المحليين فى الريف، المشار إليهم عادة بالفلول، والذين سيشاركون على الأرجح فى الدوائر الفردية حيث نفوذهم العائلى والمالى).

 

أما على مستوى الناخبين، فبصرف النظر عن دعوات المقاطعة، يتوقع أن يشارك قطاع من الأفراد المؤمنين بعدم جدوى المقاطعة لاعتبارات مبدئية (اعتبار التصويت فى كل الأحوال حق مكتسب منذ الثورة لا يجب التفريط فيه)، أو لاعتبارات عملية (التخوف من أن تؤدى المقاطعة لتعميق نفوذ وسياسات السلطة القائمة).

 

ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أننا سنكون أمام عملية انتخابية مستوفية لشرط المشروعية «القانونية» (بتوافر إشراف قضائى يغطى جميع اللجان الفرعية)، والمشروعية «السياسية» (بعدد كافٍ من المرشحين، ومشاركة ما بين 13و15 مليون ناخب على الأقل، بينهم 10 ملايين ناخب تشير السوابق إلى قدرة التيار الإسلامى بتنويعاته المختلفة على حشدهم).

 

وهنا يثور السؤال حول جدوى تكتيك المقاطعة إذا لم يؤدِ لنزع المشروعية القانونية أو السياسية عن الانتخابات؟

 

على الوجه المقابل للنقاش، ماذا يمكن أن تحقق المشاركة؟ تتيح المشاركة أولا إمكانية تثبيت أزمة الشرعية وفرض تغيير قواعد اللعبة (سواء فى حالة هزيمة السلطة، أو حتى عجزها عن الحصول على أكثرية مريحة، بما يفرض عليها التفاوض لتشكيل حكم ائتلافى وفقا لموازين قوى معترف بها تصبح بموجبها المعارضة رقما صعبا فى المعادلة لا يمكن تجاهله).

 

ولكن، ماذا لو سعت السلطة لتزوير الانتخابات؟ هنا، تكون المشاركة ــ بما تتيحه من وجود مندوبين للمرشحين داخل اللجان ــ هى الوسيلة المثلى لفضح الانتهاكات، ومن ثم نسف مشروعية الانتخابات. ولنتذكر هنا تجربة المعارضة مع الاستفتاء على الدستور، والذى هو بطبيعته لا يتضمن وجود مندوبين داخل اللجان. ماذا كانت النتيجة؟ تزامن شكوى المعارضة من وجود تزوير، مع عجز عن توثيق وإثبات التجاوزات بشكل يؤدى لإبطال الاستفتاء. والبديهى أن فرصة المعارضة فى منع التجاوزات أو حتى توثيقها، ستكون أكبر عندما يكون لديها مندوب داخل كل لجنة.

 

الأهم من ذلك بكثير، أن الانخراط فى الانتخابات يفرض على المعارضة الانتقال من خوض الصراع مع السلطة على القشرة الخارجية للمجتمع (النقاش النخبوى حول مبادئ الدستور، وشروط «الحوار الوطنى».. إلخ)، إلى الالتحام بالشارع وربط قضايا الدستور والحكم بأولويات الحراك الشعبى (التى تتركز أساسا على قضيتى العدالة الانتقالية، أى تطهير وإصلاح الجهاز الأمنى والقصاص للشهداء ومحاكمة الفاسدين، والعدالة الاجتماعية، أى الأجور المناسبة والتأمين الصحى والضرائب التصاعدية، ووقف دعم الأغنياء من أصحاب المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومواجهة الزحف غير المقدس لرجال أعمال النظام البائد العائدين بفجاجة إلى واجهة المشهد الاقتصادى من باب مشروعات «التصالح» سيئة السمعة التى يرعاها رجال أعمال السلطة الجديدة).

 

المشاركة فى الانتخابات إذن، قد تكون الترياق الناجع للمعارضة النخبوية التى تقتصر على مساجلة السلطة وفقا لجدول أعمال منفصل عن أولويات الحراك الشعبى، وقد تكون المدخل لإعادة تأهيل المعارضة جماهيريا واستعادة ثقة المواطنين فى صناديق الاقتراع. فليس خافيا أن التصاعد غير المسبوق فى معدلات الحراك الجماهيرى مؤخرا، تزامن مع عزوف واضح عن صناديق الاقتراع (كما ظهر من حجم المشاركة فى الاستفتاء على الدستور)، فى تعبير بليغ عن انفصال أولويات الجماهير عن كل من سياسات السلطة وبرامج المعارضة.

 

هل يعنى ذلك أن مقاطعة الانتخابات أمر غير مطلوب فى كل الأحوال؟ ليس بالضرورة. وإنما يعنى أن المقاطعة ليست وصفة سحرية وليست موقفا «مبدئيا» يتخذ بصرف النظر عن السياق السياسى. المقاطعة تكون ذات معنى نضالى إن كانت ضمن خطة سياسية للتعبئة البديلة للجماهير خارج صناديق الاقتراع، وفقا لبرنامج سياسى، وتصور محدد لسبل العمل للضغط على السلطة فى الشارع وفى أماكن العمل.

 

المقاطعة تكون ذات معنى سياسى إن تقاطعت مع تعبئة شعبية تسعى لإسقاط خيار إجراء الانتخابات فى الموعد الذى تقترحه السلطة، والذى يمكن أن يصبح غير عملى لو استمر مستوى الاحتجاجات مثلا فى منطقة القناة على ما هو عليه، أو لو نجحت المعارضة فى تنظيم إضراب شامل أو عصيان مدنى يهدف لفرض مطالب محددة، منها مطلب تأجيل الانتخابات لحين تنفيذ مطالب أخرى أكثر إلحاحا تتعلق بالحكومة والنائب العام والداخلية.

 

•••

 

الخلاصة: إن قضية المشاركة أو المقاطعة تحتاج لنقاش أعمق، وقرار يربطها باستراتيجية للنضال فى الميدان و/أو فى البرلمان. هل كثير أن نطلب من المعارضة أن تربط موقفها من المشاركة أو المقاطعة بنقاش جدى للتكتيكين، وببلورة استراتيجية معلنة للنضال السياسى فى المرحلة المقبلة داخل وخارج البرلمان؟

 

بدون هذه الاستراتيجية، لن نكون أمام مقاطعة نضالية، وإنما مجرد إعلان عن «الزعل» واستقالة من السياسة. وهذا، بمنتهى الصراحة، ترف لا تحتمله الثورة، ولا يرتضيه الوطن.

 

الخلاصة: الثبات فى الميدان شرط ضرورى للنجاح فى إسقاط الدستور المعيب فى الاستفتاء. التكتيكان متلازمان، ولا يغنى أحدهما عن الآخر.

 

حى على الميادين.. حى على التحرير.. تحيا مصر.

 

 

 

كاتب مصرى

ياسر علوي  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات