لا يوجـد مرشـح - فيليب رزق - بوابة الشروق
السبت 2 أغسطس 2025 7:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

لا يوجـد مرشـح

نشر فى : الأحد 27 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 27 مايو 2012 - 8:00 ص

أخبرنى ضيف من جنوب أفريقيا مؤخرا إنهم قالوا له فى فترة أفول الأبارتايد ـ الفصل العنصرى ـ إن حاكم جنوب أفريقيا المقبل سيكون حركة المؤتمر الوطنى الأفريقى المقاومة، لسبب واحد بسيط: وهو أنها تمثل الحزب الوحيد القادر على دفع الرأسمالية إلى التقدم فى جنوب أفريقيا بعد انهيار الأبارتايد. واليوم، قد تكون جنوب أفريقيا وهى تحت حكم حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى أكثر دول القارة تبنيا للرأسمالية، ورغم نهاية الاستعمار العنصرى فإن الانقسامات الطبقية أكبر من أى وقت مضى.

 

●●● 


يشبه ذلك السباق الجارى الآن حول السيادة السياسية المنتظرة فى مصر. ورغم إسراف الحملات الانتخابية فى البهرجة، والاهتمام العالمى بشأن «التحول الديمقراطى» المفترض فى مصر، إلا أن طبيعة القرار الخاص بتحديد هوية الرئيس المصرى المقبل ليست ديمقراطية. إذ تجرى خلف الأبواب المغلقة عملية تفاوضية واسعة، لتحديد المرشح الأكثر قبولا فى سياق الاقتصاد السياسى المحلى والعالمى، وتقوم بذلك القلة الحاكمة. ومازالت رغبة الشعب الفعلية مجرد عامل ثانوى فى تحديد ممثل الأمة.

 

بناء على صراع السلطة الجارى الآن فى مصر، سوف يتحدد من سيقود مستقبل الرأسمالية المصرية.

 

أود الاستطراد قليلا بشأن ما تستلزمه هذه الرأسمالية. ويتعين علينا الابتعاد عن مدى عدم ملائمة استخدام مصطلح الرأسمالية من الناحية المنهجية، باعتبار أن ذلك متروك لمن هم أكثر تعمقا فى الدراسة. فخبرتى وخبرتك الخاصة بالنتائج المترتبة على الرأسمالية أشبه بمشاهدة الأوراق تسقط عن الشجرة، بينما لا نرى الرياح نفسها.

 

عندما تقوم بعمل شاق لساعات طويلة، ثم تحصل على ما يكفى بالكاد لشراء طعام أسرتك، وعندما يعاقبك رؤساؤك فى العمل بسبب تصريحك برأيك أو الاحتجاج على الظلم أو الفساد، وعندما ترتفع أجرة وسائل المواصلات التى تستخدمها بسبب زيادة أسعار النفط، وعندما تجبر على التقاعد المبكر مع تعويض هزيل لأن شركتك خضعت للخصخصة، وعندما يكون عليك دفع نقود لزيارة الطبيب، لأن المستشفيات العامة لا توفر لك الرعاية الأولية الضرورية، فى كل هذه اللحظات نتعرف على آثار الرأسمالية. فالرأسمالية تسمح بتزايد ثروة الأقلية على حساب الأكثرية، سواء كان هذا باستغلال الرؤساء للموظفين أو العمال، أو كان بتحويل الأموال العامة إلى ملكية خاصة. وتشكل السلطة الرئاسية المركزية فى دولة استبدادية، كالتى نعرفها فى مصر، وضعا نموذجيا للتأكيد على تلك الآثار للرأسمالية.

 

ورغم أن ذلك نادرا ما يُفصح عنه، فإنى أود توضيح أن معظم احتجاجات الشوارع المصرية تعد مقاومة لهذا الواقع. والأهم من ذلك، عندما بدأت الاحتجاجات يوم 25 يناير، كان هتافنا «الشعب يريد إسقاط النظام». فهل كنا نهتف ضد الأفراد داخل هذا النظام السياسى فحسب، أم أن زملاءنا الثوار استشهدوا من أجل القضاء على منطق عمل النظام؟ ربما بعد عام ونصف على بداية الثورة، وبعد الإطاحة بحكومة مؤقتة تلو أخرى، ورؤيتنا عدم كفاءة البرلمان، يكون الوقت أصلح لتوجيه هذا السؤال لأنفسنا مرة أخرى.

 

كان التعبير عن رفض النظام فى حد ذاته قادرا على فتح خيالنا. فهل خذلنا هذا الشكل من الحكم؟ فى الانتخابات نحن نختار بين من يتنافسون على خلافة نفس منطق نظام الحكم السابق.

 

نكون بين من سنختار منهم، فى حين أنهم متنافسون على خلافة «النظام» أو الحكم نفسه.

 

ليس ما أقوله غريبا جدا؛ إذ لا يخرج الأمر عن إعادة صياغة طريقة تفكيرنا فى موجة الثورات وحركات الاحتجاج الجارية حولنا فى العالم. فظاهرة مقاومة الدولة فى اتحادها الحالى مع الرأسمالية لا يعد أمرا تتفرد به مصر أو المنطقة العربية. فقد انتشر الاحتجاج من قلب حوض البحر المتوسط، إلى سائر أنحاء العالم. وفى محاولة لكبح هذا الهياج الشعبى، تستخدم قوات الشرطة حامية الدولة الرأسمالية القوة المفرطة فى محاولة إخماد غضب مشروع ضد نظام الحكم الذى تبين فشله.

 

●●● 


شهدت العاصمة التشيكية احتجاجات هائلة أواخر شهر أبريل ضد الرغبة فى تعميق إجراءات التقشف من قبل حكومة فاقدة لأى شرعية فى عيون شعبها. وفى الصين، تنبئ الأخبار القليلة التى تمكنت من الوصول إلينا على احتجاجات رافضة على نطاق واسع لاتجاه الحكومة الرأسمالى فى الريف والمدينة على السواء. وفى جنوبى أمريكا، تتصاعد احتجاجات الحركات الإجتماعية والعمال والطلاب، حتى فى مواجهة حكومات تسمى نفسها بـ«اليسارية.» وانضم الناس من أنحاء أوروبا وأثنيا وبرشلونة ولندن إلى حركة «احتلوا» فى الولايات المتحدة للمطالبة بالتغيير فى منطق عمل النظام الذى يحكمهم. وباختصار، انتفضت المجتمعات عبر العالم على شكل الحكم الذى يستبعدنا بصورة متزايدة من الموازنات حول أسلوب الحياة الكريمة. بل إن الحكومات التى تزعم أنها خارج إطار رأسمالية الجناح اليمينى، مثل الصين أو بعض بلدان أمريكا الجنوبية ـ بما فيها فنزويلا وبوليفيا ـ تخضع لتقديس منطق الرأسمالية بمجرد أن تصل إلى السلطة.

 

ومنذ أن أصبحت مصر دولة مستقلة استمر عدم حدوث أى من مظاهر التمثيل السياسى للشعب. وهنا علينا الانتباه حتى لا ننخدع بخطاب «الدولة الفاشلة» الاستشراقى، الذى ينسب فشل نموذج الحكم هذا إلى فشلنا فى تنفيذ التطبيق الأجنبى. بل من الضرورى تحديد موقع الإفلاس داخل نموذج الدولة الرأسمالية نفسها، فى إطار الواقع الدولى الحالى.

 

وفى مصر تعد الرأسمالية أحد الأسباب الرئيسية فى خلق تربة خصبة للثورة. وإذا حاول حكام مصر القادمون إعادة إعمال نظام السيطرة القديم فستكون تلك مقامرة كبيرة بالنسبة لهم. فقد حان الوقت لإنشاء شكل مختلف للحكم. وليس هذا مجرد جدل حول الرأسمالية والاشتراكية؛ فعلينا القضاء على كل مالا يؤدى وظيفته فى هذا النظام. ولا أدعى إطلاقا امتلاك حلول لتلك القضايا. لكنى أعتقد أن الحلول تنبثق فى سياق عملية تغيير، وربما تبدأ من تبنى أفكار توسيع سلطة المجالس المحلية والتعاونيات، لمنع تركيز السلطة والأموال.

 

●●●


ولعل الخطوة الأولى لمعارضة أسلوب حكم النظام الحاكم، ألا نخشى العنف الذى استخدموه ضدنا ليحافظوا على النظام. وربما يكون ذلك أقوى آثار ثورة 25 يناير. يتعين علينا الآن ألا نخاف من التفكير الذى يتجاوز الحدود التى وضعوها لنا.

التعليقات