ثلاثة أفلام أرادت إضحاكنا - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثلاثة أفلام أرادت إضحاكنا

نشر فى : الخميس 26 مايو 2016 - 10:45 م | آخر تحديث : الخميس 26 مايو 2016 - 10:45 م

أشعر بالدهشة من تراجع قدرة صنّاع الأفلام المصرية المتكرر على عمل أفلام كوميدية تنافس مستوى أفلام الأبيض والأسود، يحدث ذلك عندما أشاهد فيلمًا من أفلام الموسم الصيفي في دار العرض، وأعود إلى البيت فأشاهد فيلمًا في التليفزيون مثل «سلامة في خير» لنجيب الريحاني من إخراج نيازي مصطفى، أو «عائلة زيزي» و«الزوجة رقم 13» و«نص ساعة جواز» من إخراج الكبير الراحل فطين عبد الوهاب. كيف امتلأت أفلام حديثة بالثغرات سواء في الكتابة أو الأداء على هذا النحو بينما نجد حرفة عالية في إنجاز الأفلام القديمة؟ يبدو فعلا أننا نفتقد أسطوات السيناريو والإخراج بالتحديد، ويبدو أن هناك خلطًا لدى الكثيرين حول مفهوم "الدراما الكوميدية" إذ يعتقدون أنها مجرد "إيفيهات" ظريفة، وليست دراما متكاملة العناصر.


ثلاثة أفلام أرادت إضحاكنا شاهدتها في موسم الصيف السينمائي، لا يوجد فيلم منها يخلو من ملاحظات، رغم أنها عموما أفضل من المتوقع. يغيظك كثيرًا أنها كان يمكن أن تخرج من دائرة المقبول إلى درجة التميز لو التفت صناعها إلى مشاكل واضحة سواء في كتابتها، أو في طريقة الأداء والتنفيذ.
 
أول هذه الأفلام هو «كُنغر حبنا» من تأليف لؤي السيد وإخراج أحمد البدري. الفكرة ظريفة، وهناك درجة ما من الوعي بطبيعة الفيلم الكوميدي، ولكن مشكلة الفيلم الواضحة في أداء بطله رامز جلال، الذي لم نعد نعرف هل يمثل في برامج مقالبه؟ أم هل يقدم برامج في السينما؟ تأثر رامز بهذا الغياب الطويل عن التشخيص، فانطلق في إلقاء الإفيهات بصوت عال، وكأنه في غرفة المراقبة انتظارا لضحية جديدة. ما زلت أراه ممثلا موهوبا أضرت صورته التي يقدمها في برامجه بقدراته ولياقته الفنية أمام كاميرا السينما.


خالد الذي يلعب دوره رامز شابٌ بسيط يحلم بأن يكون ملحنًا ولكنه يعمل في شركة لاستلام وتوصيل الطرود، قبل إجازة العيد يتسلم عن طريق الخطأ طردًا يضم اثنين من حيوانات الكانجارو، بينما كان من المفروض أن يصل الطرد إلى حديقة حيوانات خاصة، لا يجد خالد وسيلة للمساعدة من رئيسه نيازي (حسن حسني) الذي سافر مع أسرته، لن تسعفه إلا رانيا طبيبة الحجر البيطري (سارة سلامة)، وكرم (إدوارد) الذي يعمل كفرد أمن في فيلا لثري عربي (الممثل الكويتي داوود حسين).


لا بأس من التجربة رغم سهولة حل العقدة، ورغم الصخب الذي يحدثه رامز طوال الفيلم، إذ تنطلق طاقته الزائدة في كل الاتجاهات وبنبرة صوت واحدة وفي كل المواقف، ولكن الفيلم مسلٍ بشكل عام. نجح أحمد البدري في إدارة الكانجارو بشكل أكبر بكثير مما نجح في السيطرة على بطله رامز جلال، أما سارة سلامة فهي وجه مميز يمكن أن تحقق بصمة في مجال الفيلم الرومانسي والكوميدي، إذا أحسنت الاختيار في المستقبل. تعلمنا السوابق مع الأسف أن هذا الأمر صعب ، إذ سرعان ما تنطفئ المواهب مع الوقت، بسبب استهلاكها في أدوار مكررة.
 
فيلم «فص ملح وداخ» الذي كتبه ثلاثة من الكتاب الشباب، وقام ببطولته عمرو عبد الجليل، وأخرجه تامر بسيوني، عمل طموح للغاية، يمتلك فكرة جيدة، فانتازيا ظريفة عن لعنة تنتقل من الستينيات إلى عصرنا الحالي لتصيب كل من يجرؤ على تحويل مسرح قديم إلى كباريه.


ولكن السيناريو حافل بالكليشيهات النمطية لصورة ابن البلد المسطول (حمدي الميرغني) أو الطبيب النفسي الذي لعب دوره محمد متولي وكأنه رجل مختل، كما أن غياب الحرفة جعل السيناريو يدور ويلف في إطار المواقف التي تحدث للبطل "بكر السرياقوسي" (عمرو عبد الجليل) بسبب هذه اللعنة، يضاف إلى ذلك ضعف أداء الممثل السوري جهاد سعد في دور خال بكر، بمبالغاته في الأداء وبعدم ضبط لهجته المصرية، كما حشر الفيلم أغنيتين ساهمتا في اضطراب الإيقاع.


منحتُ الفيلم رغم هذه الملاحظات تقدير مقبول بسبب طرافة الفكرة، وبسبب أداء وحضور عمرو عبد الجليل (ليته يقلل من وزنه الزائد) في مواقف سوء التفاهم، وبسبب العودة الجيدة لصفية العمري في دور مميز، حيث تلعب دور زوجة صاحب المسرح الراحل، والتي أصبحت خارج الزمان والمكان، والتي سيشتري منها بكر المكانَ نيابةً عن خاله رجل الأعمال الجشع، لكي يجعله ملهى ليليًّا، هبة مجدي في دور صاحبة محل الورود التي يحبها بكر مكسب حقيقي للسينما بوجهها المريح، وببساطتها في الأداء، كما أنها تمتلك صوتًا جميلًا.


ينتهي الفيلم بعودة المسرح إلى دوره الحقيقي، وفشل مشروع الكباريه، بفضل اللعنة التي حفظ بها صاحب المسرح الراحل (عبد الرحمن أبو زهرة) مكانه، وينجح بكر في أن يجذب أصدقاء مسرح الجامعة القدامى، الذين لم يتحققوا في مهنٍ لا تناسبهم، لكي يقدموا مسرحياتٍ جيدة، ليس شرطًا أن تكون لشكسبير كما يريد الفيلم، يكفي فقط أن يصنعوا فنًا مسليًّا يحترم عقول الناس، نهاية جيدة على وجه العموم رغم بعض المباشرة البسيطة، وبالمناسبة فإن اسم الفيلم الغريب له معنى ضمن أحداثه، وليس مجرد إفيه قادم من طريقة عمرو عبد الجليل في التلاعب بالألفاظ.
 


 الفيلم الثالث هو «حسن وبقلظ» الذي كتبه كريم فهمي وأخرجه وائل إحسان، وقام ببطولته كريم مع علي ربيع. أساس فكرة التوأم الملتصق قادمة مباشرة من فيلم الأخوين فاريللي "stuck on you"، ولكن كريم الكاتب حاول أن يقدم تنويعة مختلفة لاختبار ما يمكن أن يحدث للتوأم إذا انفصلا، كان يكفي تماما أن يحدث ذلك في مواقف إنسانية بسيطة، إلا أننا نواجه حبكة معقدة دون داع، فعليك أن تصدق أن التوأم يدخلان معا كلية الشرطة، فيصبح الأول حسن ضابطا (!!)، ويبقى الثاني "بقلظ" عاطلا ومنحرفا أخلاقيا!


ثم نستغرق وقتا طويلًا بعد إجراء عملية فصل التوأم في مفارقات سببها آثار العملية، حيث يشعر كل طرف بما يعانيه الطرف الآخر رغم اختلاف الأماكن، وتتعقد الأمور أكثر بظهور شخصية معقدة نفسيا يؤديها أحمد فؤاد سليم، ستصنع متاعب لحسن في علاقته مع الفتاة كاميليا (يسرا اللوزي) التي أحبها. لا شخصية الرجل، ولا تاريخه الدموي، ولا الأداء العنيف يناسب فيلمًا كوميديًّا، هذا الفيلم كان في حاجة إلى البساطة في الحبكة.


يضاف إلى مشاكل الفيلم أيضًا أداء كريم فهمي كممثل يخذله صوته الذي لا يستطيع أن يتلون حسب التعبير والموقف، وهي نفس مشكلة يسرا اللوزي بصورتها الرفيع الذي لا يترجم المعاني المختلفة، بينما تبدو مشكلة علي ربيع في عدم تعوده على ضبط طبقة صوته على موجة السينما، إنه يرفع صوته عاليًا وكأنه على المسرح، وهي ظاهرة مزمنة في أداء المضحكين الجدد عمومًا الذين جاءوا من مسرح الجامعة، ثم من المسرح السياحي الصاخب.


 
حصاد الأفلام الثلاثة يشير إلى أن السيناريو هو أصل المشكلة، ثم يأتي بعد ذلك دور المخرج، حيث يحتاج إخراج الكوميديا إلى حساسية عالية في توجيه الممثلين وفي بناء المشهد، وفي بناء الفيلم بأكمله، حتى لا يكون هناك استطراد في السرد. يمكنك أن تحذف مشاهد من كل فيلم من دون خلل، مع أن هذه المشاهد مضحكة في حد ذاتها، ولكنها فاشلة في إطار العمل ككل.


يقول شابلن العظيم، فيغنينا عن الكلام، إنه لا يوجد شيء يتطلب الوعي والتركيز مثل كتابة دراما كوميدية.


أتمنى أن يصل هذا الدرس لصنّاع أفلام قادمة تريد إضحاكنا.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات