علبة دواء! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علبة دواء!

نشر فى : الجمعة 26 مايو 2023 - 8:00 م | آخر تحديث : الجمعة 26 مايو 2023 - 8:00 م
الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد، لم تعد تداعياتها تقتصر فقط على الزيادات غير المسبوقة فى أسعار السلع الأساسية، التى تشكل عبئا هائلا على المواطنين، وتجعلهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من متطلبات معيشتهم واحتياجاتهم الضرورية، وإنما وصل الحال إلى وجود عجز فى قطاعات مهمة على تماس مباشر بحياتهم مثل قطاع الدواء.
فى الفترة الأخيرة يعانى البعض الأمرين فى محاولته إيجاد «علبة دواء» ضرورية لحياة أحد أفراد الأسرة، ومنهم كاتب هذه السطور.. صفحات التواصل الاجتماعى تمتلئ بشكاوى من عدم توفر أنواع محددة من أدوية الغدة والسكرى والقلب والضغط!!
الدكتور جمال الليثى، رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، قال فى تصريحات تليفزيونية إن «رصيد ومخزون الأدوية وصل لأدنى مستوياته بما يقارب من مستوى الخطر»، لكنه وجّه الشكر للحكومة التى عقدت اجتماعا الأسبوع الماضى لمناقشة هذه الأزمة، على قرارها بتوفير الاعتمادات اللازمة للمواد الخام أو نواقص الاستيراد عبر تدبير 100 مليون دولار.
وتابع الليثى أن «بهذه القرارات (توفير الـ100 مليون دولار) لن نصل لهذه النقطة ولن نشهد نقصا فى الأدوية المصنعة محليا أو تلك المستوردة»، مشيرا إلى أن «توفير تدابير بقيمة 100 مليون دولار يحقق تأمين احتياجات مصانع الأدوية من الخامات بنسبة 90%!!».
رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، قال فى ذلك الاجتماع الذى أشار إليه الليثى، وحضره عدد من الوزراء المعنيين وكذلك المسئولين عن صناعة الدواء فى مصر أن «هذا الاجتماع يهدف إلى الاطمئنان على توافر أرصدة كافية من الأدوية والمُستلزمات الطبية المختلفة، وكذلك وجود احتياطى آمن بها»، مشيرا إلى أنه «يتم التنسيق المستمر مع البنك المركزى بشأن سرعة الإفراج عن المواد الخام والأدوية والمستلزمات الطبية، وأن تكون هناك أولوية لذلك، على غرار الأولوية الممنوحة للمواد الغذائية الأساسية».
إذا كان سبب نواقص الأدوية التى تتوقف عليها حياة المواطنين، عدم تدبير الحكومة 100 مليون دولار فقط، فلابد وأن نشعر جميعا بالألم، ذلك لأن هذه الحكومة نفسها هى من أخذت موافقة مجلس النواب قبل أسبوعين على قرض لتنفيذ مشروع إنشاء الخط الأول للقطار الكهربائى السريع بقيمة 2،158 مليار يورو!!.
هذا القرض وغيره من القروض السابقة، يرفع بلاشك فاتورة الديون المستحقة على الدولة المصرية إلى مستويات قياسية، وبالتالى يدفعها دفعا نحو تقييد عمليات الاستيراد من أجل تسديد الأقساط المتراكمة عليها فى المواعيد المحددة، ومن ثمّ تحدث بين فترة وأخرى أزمات حادة فى قطاعات مهمة ترتبط ارتباطا مباشرا بحياة المواطنين، مثل أزمة نواقص الأدوية الراهنة، وقبلها أزمة الأعلاف التى وجهت ضربة قاسية لصناعة الدواجن فى مصر.
هذا الوضع الصعب يجعلنا نكرر الحديث عن «فقه الأولويات» الغائب فى بعض السياسات والمشاريع والتوجهات الاقتصادية للحكومة، حتى ولو كان هذا الحديث يثير الشجون لدى الأصوات المدافعة عنها، ويصيب بعضهم بحالة من الاستياء وقدر من الغضب، ويعتبرون أن من يردد ذلك غير قادر على فهم حقائق الأمور، ولا يستوعب فكرة أن المشاريع الكبرى التى تم الاقتراض بغزارة خلال السنوات الماضية من أجل تنفيذها، لم تكن لتتم بنفس التكلفة فى ظل التحديات الاقتصادية التى تفرض نفسها حاليا على مختلف دول العالم ومن بينها مصر، جراء تداعيات أزمتى كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
غضب الأصوات المدافعة عن الحكومة غير مبرر، لأن من يطالب بترشيد الإنفاق على المبانى الأسمنتية والقطارات الكهربائية الأرضية والمعلقة، لصالح توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن من غذاء ودواء، لا يرتكب بالتأكيد إثما عظيما!
ثانيا لنفترض أن مبرر تلك الأصوات صحيح من الناحية النظرية، لكن لو فرض علينا الاختيار ــ فى ظل هذه التحديات التى يتحدثون عنها ــ بين الاستمرار فى تمهيد الطرق وبناء الكبارى وبين توفير الغذاء والسلع الأساسية للناس بشكل يتناسب مع دخلهم.. إذا فرض علينا الاختيار بين مواصلة استيراد القطارات الباهظة الثمن وبين توفير مستلزمات الإنتاج الوطنى من الأدوية الآمنة والفعالة وبأسعار مناسبة وفى متناول الغالبية العظمى من المواطنين.. فماذا سنختار؟
تغيير بعض التوجهات ضرورة ملحة، حتى لا نواصل الاقتراض من أجل تمويل مشاريع غير ذى جدوى فى المدى المنظور، وبما يثقل كاهل الأجيال القادمة بفواتير هائلة من الديون، قد تعجز عن سدادها.
التعليقات