حوار مع قاطع طريق - أميمة كمال - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار مع قاطع طريق

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 8:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2011 - 8:45 ص

وكأنه يكلم نفسه بصوت عالٍ، أراد سائق التاكسى فى شارع قصر العينى أن يلفت نظر المارين بجواره لاستمالتهم صارخا وهو داخل سيارته «حرام عليهم أنا واقف نصف ساعة فى مكانى. مش ده تعطيل لأكل عيشى أنا وولادى. ربنا يولع فى المدرسين اللى معطلين الطريق». وسمعت آخر يسارع فى الرد عليه «آمين». لم اتمالك نفسى وأنا أشاهده يرفع يده بالدعاء عليهم، اندفعت نحوه وكأننى أنا الأخرى أكلم نفسى «ربنا يولع فى كل واحد بيفكر فى أكل عيشه، وناسى أكل الناس التانية» قلتها، وأسرعت بالاحتماء بالمدرسين المعتصمين عند مجلس الوزراء يوم أمس الأول.

 

والحقيقة لا أعرف كيف تصم الناس آذانها عن سماع المظلوم إلى هذا الحد، بينما تفتحها على آخرها أمام كلام الظالم. كيف لا يتعاطفون مع مدرسين يجلسون على الرصيف، ويهتفون بحناجر يهتز معها الشارع وراء زميل لهم (تسقط الدروس الخصوصية). ويقسمون على أنهم لا يريدون إعطاء دروس خصوصية، لأن أولادهم أولى بوقتهم ولكن الحاجة هى ما تدفع بعضهم إلى ذلك. وهى ذات الحاجة التى تجعل مدرسا فى مدرسة صنايع، أو إخصائيا اجتماعيا إلى العمل على عربة نقل طوب، أو تصليح دش، أو تركيب قيشانى. وربما يكون أحدهم هو من كان يحمل لافتة» أمنية حياتى «أشترى قميص وبنطلون كاش» حملها والكاميرات تلتقط له صورا دون أن يخشى أن يراه تلميذ من فصله.

 

كيف لا يعرف الناس أن من يحتكر الدروس الخصوصية هم 10% من المدرسين فقط. وهؤلاء لم يضربوا عن الدراسة، بل على العكس حرضوا أولياء الأمور على المدرسين المضربين. ولم يقفوا مع مطالب زملائهم لأنهم مشغولون باللف على البيوت والسناتر. ولا يريدون لهذه الحركة النجاح، لأنها لو نجحت لخربت بيوتهم، وفيللهم، وشاليهاتهم، وسياراتهم المرسيدس والبى إم.

 

ولو كان سواق التاكسى الغاضب قبل أن يلقى بلعناته على اعتصام المدرسين، الذى عطل لقمة عيشه، كلف نفسه ونزل واستمع لما يقوله المعتصمون لكان وجه دعواته بالحرق لمن يستحقونه، ممن لا يعيرون لكل هذه الحناجر اهتماما، وليس إلى المدرسين. لكان سمع أن هناك مدرسين مازالوا متعاقدين مع الوزارة بـ311 جنيها فى الشهر. يعنى هذا المدرس بينزل من بيته، وياخد على السريع ساندوتشين فول من على العربية، ويسرع فى الجرى للحاق بالأتوبيس الأحمر قبل موعد زحامه. لأنه لو تأخر لن يجد موضع قدم فيه، ووقتها لن يجد بديلا عن الميكروباص. وهذا معناه دفع جنيه أكثر وهو ما لا يقوى عليه. هذا المدرس الذى فى بعض الأحيان يجبره ناظر المدرسة على دفع ثلاثة جنيهات كل شهر لتوفير راتب عامل النظافة فى المدرسة. وإذا لم يمتثل لذلك عليه أن يشارك فى أعمال النظافة هو وزملاؤه المدرسون. وإذا سلموا أمرهم لله ودفعوا اتقاء شر الناظر، فعليهم أن يقوموا بأعمال أمن البوابة بدلا من البواب، لأن معظم المدارس ليس فيها عمالة مساعدة. وبالطبع تأتيه أيام سوداء عندما تدخل المدرسة فى اختبارات الجودة، لأنه سيكون عليه وزملائه المساعدة فى توفيق أوضاع المدرسة الخربة حتى ترضى السادة الزائرين من الوزارة وحتى يحظى الناظر بشهادة الجودة.

 

هل يعلم الغاضبون على المدرسين لأنهم قطعوا طريق قصر العينى أن هناك أبلة تعمل فى مدرسة حكومية شهيرة منذ 27 سنة ومازال مرتبها لم يتعد 1300 جنيه، بينما مديرو الإدارات فى الوزارة يتقاضى الواحد منهم ما بين 16 ألفا إلى 81 ألف جنيه. ولذلك ليس غريبا أن تجد معظم المعتصمين يحمل (المستر منهم أو الأبلة) فى جيبه شريط القبض الشهرى الخاص به مثله مثل بطاقته الشخصية، بجانب قصاصة ورق كتبت فيها مرتبات كل علية القوم فى الوزارة ماعدا الوزير الذين مازالوا لم يتوصلوا إلى راتبه حتى الآن.

 

ولا أعرف ما إذا كان مطلقو اللعنات على المدرسين يعرفون أنه من بين مطالب المدرسين توفير مقاعد أفضل لأولادهم، وتوجيه ميزانية أكبر للتعليم لكى لا ينحشر أبناؤهم فى فصل به 60 طالبا لا يستطيعون فيه الحصول على الأكسحين الكافى، فما بالك بتحصيل الدروس. هؤلاء يقطعون الطريق من أجل إقالة وزير التعليم لأنه مازال يحمل كل سياسات الحزب الوطنى بما فيها كراهية التعليم المجانى والتقتير فى ميزانيته. ودليلهم انه عندما قررت الحكومة تقليل العجز فى الموازنة قطعت من بند التعليم ملايين الجنيهات دون أن يجأر بالاعتراض، حتى ولو على سبيل مجاملة المدرسين. فى حين أن المدرسين المضربين هم الذين يطالبون بتزويد المدارس بالكمبيوترات، وبالأجهزة الحديثة فى المعامل.

 

هل يعلم الناقمون على المدرسين أن المدرس الذى يطفح الدم أيام الامتحانات، ويقوم بتصحيح الأوراق فى عز الحر، وبوجبة رسمية لا تشبع طفلا، وفى محافظة بعيدة عن محافظته يحصل على مكافأة 200 يوم. بينما وكلاء الوزارة والمديرون فى الديوان الذين يجلسون فى التكييف فى مكاتبهم يحصلون على 500 يوم.

 

لو كلف الثائرون على المدرسين خاطرهم ووقفوا وسطهم، وشعروا بما تحمله من دلالة تلك اللافتة التى كتب عليها «لازم ألبس وشاح أو كاب علشان تعملوا لى حساب» لعرف حجم المهانة التى يحس بها المعلم وهو يرى نفسه فى أسفل السلم الاجتماعى، وفى آخر اهتمامات الحكومة. التى قررت أن تستعدى المجتمع على المدرسين دون أن تتسخ يدها هى بشرور المواجهة. بحيث تركت أولياء الأمور يصفون حساباتهم مع المدرسين، ويشفون غليلهم من الفلوس التى يدفعونها فى الدروس الخصوصية.

 

ولكن فات أولياء الأمور وهم فى قمة غضبهم أن يدركوا أن ثأرهم ليس مع المضربين عن العمل، ولكن مع المستمرين فى العمل. لأن هؤلاء هم إما الذين يقفون ضد تجريم الدروس الخصوصية، أو أنهم من الذين لا يريدون إصلاحا للتعليم. أو تلك الفئة التى تنتمى إلى الإخوان المسلمين الذين ما أن حصلوا على أغلبية فى النقابة الحكومية حتى باعوا زملاءهم وقرروا الانسحاب من الإضراب، تاركين الآخرين يتعرضون وحدهم للإيذاء من الإدارات التعليمية ومديرى المدارس، وأجهزة الأمن.

 

قبل أن تلعنوا قطاع الطرق الجدد، الذين يقطعون الطريق ليس لتعطيل أرزاق الناس، ولكن لكى يسمعوكم شكواهم، بل ويشركوكم فيها. أسمعوهم بقلوبكم الآن. لأنه قد تضطركم ظروف الحياة أن تقطعوا فى يوم ما طريقا آخر وقتها ستجدونهم آذانا صاغية، وقلوبا عادلة، وأيادى حانية. اختبروا أنفسكم... قفوا واسمعوا قطاع الطرق لأنكم سرعان ما تكتشفون أن قاطع الطريق ليس بالضرورة شريرا، ولكنه ضحية للأشرار الكبار.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات