لماذا ستستمر الحرب في أوكرانيا؟ - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا ستستمر الحرب في أوكرانيا؟

نشر فى : الإثنين 27 فبراير 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 27 فبراير 2023 - 8:50 م
نشر موقع Project Syndicate مقالا لرئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، ريتشارد هاس، يقول فيه إن هناك سيناريوهين لا ثالث لهما لانتهاء أى حرب؛ الأول هزيمة أحد الطرفين المتحاربين وفرض الطرف المنتصر شروطه، والثانى توصل الطرفين لتسوية لعدم مقدرتهما على مواصلة الحرب. الكاتب يرى أن السيناريوهين غير قابلين للتحقق فى الحرب الروسية ــ الأوكرانية، لهذا ستستمر الحرب، ومع ذلك لن تزداد حدتها، فالطرفان يفتقران إلى القوة البشرية والمعدات.. نعرض من المقال ما يلى:
خلال العام الذى أعقب الغزو الشامل الذى شنته روسيا على أوكرانيا، شهدت الحرب تطورات لم يتوقعها سوى قلة قليلة من الخبراء. فقد كان المفهوم السائد يرى أن القوات الروسية سرعان ما ستُسيطر على نظيرتها الأوكرانية التى تتفوق عليها، وتستولى على مساحة أكبر بكثير من تلك التى حصلت عليها فى عام 2014. وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث توقعوا أن تُسقط روسيا الحكومة فى «كييف» وتستبدلها بنظام دمية من شأنه أن يصادق على السيطرة الروسية، ويزيل النظام الذى يشبه نظيره فى الغرب والذى يجسد بديلا عن الكيان الكئيب الذى تمثله روسيا فى ظل «فلاديمير بوتين».
وبالنظر إلى هذه التوقعات الخطيرة، كان الكثيرون فى الغرب وأوكرانيا سيقبلون طوعا السيناريو الحالى، أى أوكرانيا ذات سيادة وتمارس سلطة على 80 فى المائة تقريبا من أراضيها. وهذا الواقع هو إشادة بفعالية الجيش الأوكرانى، والشجاعة الجماعية للشعب الأوكرانى وقادته، وصمود الدعم الأمريكى والأوروبى الذى قُدم فى شكل أسلحة، وأموال وتدريب، واستخبارات، وقبول ملايين اللاجئين واللاجئات. كما أنه اتهام مذهل للجيش الروسى.
يواجه بوتين خيارات صعبة وهو يفكر فى حرب اختيارية لم تجرِ أطوارها كما خُطط لها. فقراره بالغزو لم يكن غير عقلانى، بالنظر إلى افتراضاته بأن جيش أوكرانيا لن يضاهى جيشه، وأن أوروبا (خاصة ألمانيا) تعتمد على الغاز الروسى لدرجة تمنعها من الوقوف فى وجهه، وأن الولايات المتحدة، بعد 6 يناير وما بعد أفغانستان، انقسمت وأصبحت تركز على شئونها المحلية لدرجة لا تخولها الدفاع عن أوكرانيا. ولكن نظرا لثبوت عدم صواب كل هذه الافتراضات، فإن حسابات بوتين القائلة بأن فوائد الغزو ستقَزم التكاليف أصبحت صيغة تُفضى لكارثة.
أصبح بوتين الآن يماطل. إذ نظرا لعدم قدرته على هزيمة الجيش الأوكرانى، بدأ يشن هجمات على أهداف اقتصادية ومدنية على أمل كسر إرادة أوكرانيا. وقد يعتقد أيضا أنه، على الرغم مما يقوله القادة فى الغرب، فهى مسألة وقت فقط قبل أن تعيد الحكومات الأوروبية، إلى جانب الولايات المتحدة، التفكير بشأن تكاليف دعم أوكرانيا.
●●●
إذا، ما الذى ينذر به هذا فى المستقبل؟ إن الحروب تنتهى إذا توفر شرط من الشرطين التاليين: عندما يهزم أحد الطرفين الآخر ويكون قادرا على فرض شروط السلام الخاصة به، أو عندما يخلص الطرفان إلى أن التسوية أفضل من مواصلة الحرب، فلا يكون أى منهما قويا بما يكفى للفوز.
ولا ينطبق أى من هذين الشرطين على هذه الحرب حتى الآن. ومن المؤكد أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان بإمكان أوكرانيا طرد روسيا من أراضيها، حتى لو تخلت الحكومات الغربية عن موانعها وزودت أوكرانيا بأسلحة أكثر تقدما. فالقوات الروسية محصنة جيدا وسيكون من الصعب طردها. وهناك إمكانية، بل احتمال أن تقدم الصين مساعدات اقتصادية وعسكرية وفيرة لروسيا، حتى لا ترى شريكها الاستراتيجى مهزوما على يد تحالف تقوده الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالقوات الروسية، فهى بكل ببساطة تلقت تدريبا سيئا وتعانى من ضعف القيادة مما يمنعها من هزيمة أوكرانيا فى ساحة المعركة. ومهما بلغت وحشية الهجمات الجوية على المناطق المدنية وتكلفتها، فهى ليست بديلا للنجاح فى ساحة المعركة، ولم تؤدِ حتى الآن سوى إلى تشديد عزيمة الشعب الأوكرانى.
ومع ذلك فإن آفاق التسوية قاتمة. إذ يبدو أن بوتين مصمم على البقاء على مساره خشية أن تدفع الهزيمة المتصورة فى أوكرانيا جهود المنافسين المحليين لإزاحته من السلطة. وكان للعقوبات التى فُرضت عليه تأثير محدود فقط، حيث تواصل الهند والصين ودول أخرى شراء الطاقة الروسية. ويسيطر بوتين على الخطاب السياسى على المستوى المحلى، ليقنع من خلاله الكثيرين بأن روسيا ضحية، أجبرتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى على القتال ضد الغرب برمته من أجل البقاء.
ولا ترغب أوكرانيا، أيضا، فى تقديم تنازلات. إذ يطالب الشعب الأوكرانى كله تقريبا بالتحرير الكامل لأراضى بلاده. والسبب مباشر: لقد غيرت الحرب طريقة تفكيرهم. إذ عززت البراعة العسكرية لأوكرانيا، وأوجه القصور الواضحة للجيش الروسى، قدرا لا يستهان به من التفاؤل الاستراتيجى بشأن ما قد يحمله المستقبل.
وفضلا عن ذلك، فقد أقست الحرب قلوب الناس. إذ أدت الفظائع الروسية، بما فى ذلك قصف المبانى السكنية وإعدام المدنيين، إلى دعوات للتعويضات وإنشاء محاكم جرائم الحرب. وقد يضيف البعض إلى هذه القائمة إبعاد بوتين ودائرته المقربة من السلطة، وهى نتيجة يرى الكثيرون أنها ضرورية إذا أرادت أوكرانيا أن تثق فى أى تسوية سلمية.
●●●
خلاصة القول، ما زالت الظروف بعيدة كل البعد من أن تكون مناسبة لوضع حلول دبلوماسية. وسيتغير هذا فى يوم من الأيام، لكن يبدو أن ذلك بعيد المنال اليوم. وما يبعث على السرور (إن وُجد) هو أن الحرب قد تصبح أقل حدة حيث يواجه كلا الجانبين صعوبة تحمل حجم الخسائر التى تكبداها العام الماضى. فهما ببساطة يفتقران إلى القوة البشرية، والمعدات، والموارد الاقتصادية اللازمة لتحملها.
ويبدو أيضا أنه من غير المحتمل أن تختار روسيا التصعيد. إن شن هجوم على الناتو خطوة لا معنى لها عندما يبدو واضحا أن روسيا لا تستطيع حتى هزيمة أوكرانيا. ويبدو أن للأسلحة النووية قيمة عسكرية ضئيلة أو معدومة، وقد أوضحت كل من الصين والهند معارضتهما لاستخدامها. والأهم من ذلك أن استخدام روسيا للأسلحة النووية أيا كان نوعها من شأنه أن يدفع بالتأكيد قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى مباشرة إلى الحرب.
ومما يؤسف له أن الحرب لن تنتهى فى وقت قريب. ومن المرجح ألا تشبه خريطة أوكرانيا بعد عام من الآن خريطتها الحالية بأى شكل من الأشكال. ومن المتوقع أن يكون العام المقبل سيئا، وليس حاسما ــ وسيذكرنا بالحرب العالمية الأولى أكثر من الحرب العالمية الثانية.
الذكرى السنوية للحرب مهمة وواقعية. إن الحرب التى توقع قلة قليلة من الناس أن تستمر لفترة طويلة يمكن أن تحفز جولة أخرى من إحياء الذكرى والقراءات التحليلية بعد عام من الآن.

النص الأصلي

التعليقات