عن التسوية المؤلمة التى نحتاجها - ياسر علوي - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 2:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التسوية المؤلمة التى نحتاجها

نشر فى : الأربعاء 27 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 مارس 2013 - 8:00 ص

نعيش الآن مرحلة الإنهاك والاستنزاف بدون أفق لكسر معادلة العجز المتبادل التى تحكم الوضع السياسى فى مصر (عجز السلطة عن إلغاء المعارضة والمضى بشكل أحادى فى تنفيذ أجندة الحكم مقابل عجز المعارضة عن بلورة بديل للسلطة أو عن إسقاط هذه السلطة عبر الاحتجاج فى الشوارع وميادين العمل).

 

وتحت سقف هذا الجمود، لا معنى سياسيا حقيقيا لكل أحداث الأسابيع الماضية. نعم، يستمر العنف العشوائى والعراك الدامى فى الشوارع ولكنه لا يؤدى لتغيير ميزان القوى ويبقى عملا عبثيا مدانا أخلاقيا وفاقد القيمة سياسيا. وبالمقابل، يستعاد الحديث السخيف عن المؤامرة السرية التى لا يشار لها إلا تلميحا مع وعد دائم بالكشف عن خيوطها والضرب بيد من حديد على «الأشرار» المتورطين فيها (للتذكرة فقط، لم يتم حتى الآن الكشف عن المؤامرة السرية الخطيرة التى أصرت السلطة فى شهر ديسمبر الماضى على أنها كانت السبب الرئيسى وراء صدور الإعلان الدستورى).

 

•••

 

على كل، ما يعنينا هنا هو سؤال سياسى بحت: كيف تدير السلطة هذه الأزمة؟ وهل هناك إمكانية لكسر الجمود السياسى القائم؟

 

من الناحية النظرية، فإن السلطة هى الطرف الأكثر مصلحة فى طرح أفكار لكسر الجمود، على الأقل لكى يتاح لها أن تحكم وتطبق مشروعها السياسى.

 

أما عمليا، فتشير التجربة إلى أنه فى مواجهة الاحتجاجات المستمرة منذ اتضاح أن «تفاهمات الفيرمونت» التى قام عليها التحالف الانتخابى فى المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، باتت حبرا على ورق، تبنت السلطة ثلاثة تكتيكات لم تتغير إلى اليوم:

 

الأول: العمل على خلق أمر واقع سياسى وتشريعى جديد، من الإعلان الدستورى سيئ الذكر، إلى إنجاز مسودة الدستور فى ساعات الصباح الباكر وتحت حصار للمحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى ونشاط تشريعى مكثف يؤسس لقوانين جديدة تغطى أوجه أساسية فى حياة المواطنين (من الضرائب العقارية وصكوك الخصخصة إلى تنظيم حق التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية) وذلك من خلال مجلس شورى انتخبه أقل من 10% من الناخبين فى يونيو الماضى، على أساس أن دوره استشارى، وأنه فى كل الأحوال مؤقت وتتوافق كل القوى السياسية (وقتها) على ضرورة إلغائه!!

 

الثاني: المراهنة على أن الوقت كفيل بإنهاك حركة الاحتجاج و«استسلام» المعارضة للأمر الواقع السياسى والتشريعى الجديد.

 

الثالث: المراهنة ــ فى التحليل الأخير ــ على القدرة المالية والتنظيمية فى الانتخابات التى يمكن أن تعوض أى تراجع فى الجماهيرية وتغنى عن الحوار السياسى الجدى مع المعارضة وأية «تسويات مؤلمة» قد يسفر عنها هذا الحوار.

 

وليس صعبا القول بأنه على المدى القصير فإن التكتيكات الثلاثة لم تنجح فى كسر الجمود أو تعديل ميزان القوى. فالاحتجاجات فى الشوارع وميادين العمل لم تتراجع (حسب الإحصاءات الحقوقية، سجل فى عام 2012 أكثر من 1381 احتجاجا عماليا ومهنيا، بالإضافة لعدد لا يحصى من المظاهرات والمصادمات التى أخرجت محافظات كاملة على مدى أسابيع طويلة من سلطة الدولة) والنصر الانتخابى المحدود فى معركة الدستور لم يعوض فجوة الشرعية الآخذة فى الاتساع.

 

بالتوازى مع ذلك، هناك تآكل مطرد للتحالف السياسى المؤيد للسلطة (من الاستقالات المتوالية لمستشارى القصر وبعض كبار الموظفين التنفيذيين إلى انضمام القطاع الأكبر من التيار السلفى لصفوف المعارضة... الخ). أما على المدى الأطول، فإن نتائج الانتخابات الأخيرة فى النقابات والجامعات تشير إلى تجفيف تدريجى لمنابع التأييد التقليدية للسلطة وإلى أن المستقبل ليس فى صالحها.

 

فى ظل هذه المؤشرات، ليس مبالغة أن نقول إن عجز السلطة عن إلغاء المعارضة مستمر. وبالمقابل، فإن عجز المعارضة عن تغيير ميزان القوى واضح تماما وسبق تناوله تفصيلا فى مقالات سابقة.

 

وبديهى أن مثل هذا التوازن الهش بين السلطة والمعارضة، القائم على عجز الطرفين، هو توازن غير قابل للاستمرار ومعادلة «اللا حكم» التى تعيشها مصر تبقينا بشكل مستمر على برميل بارود ينتظر الانفجار.

 

•••

 

وأمام أطراف الأزمة أحد بدائل ثلاثة: إما التمترس سياسيا فى مواقعهم الحالية والاستنزاف المتبادل ميدانيا أو القفز إلى الأمام وتفجير الموقف بجولة تصعيد جديدة بأمل تحقيق كسر سريع للخصم فى الميدان أو القيام «بتسوية سياسية مؤلمة» لإدارة مرحلة انتقالية على قاعدة العجز المتبادل عن الإلغاء.

 

علام تتأسس هذه «التسوية المؤلمة»؟ على افتراضين أساسيين:

 

1ــ العجز المتبادل عن الإلغاء والحسم ميدانيا أو فرض أمر واقع قابل للاستمرار الأمر الذى يجعل التمترس فى المواقع الحالية أو المزيد من التصعيد استراتيجيات غير ممكنة سياسيا، بصرف النظر عن الموقف الأخلاقى منها.

 

2ــ أن المطلوب، فى ظل استحالة الحسم الميدانى، هو إدارة مرحلة انتقالية تهدئ الاحتقان وتقنن الصراع السياسى وتهيئ الظروف لانتخابات برلمانية تتيح تفويضا انتخابيا واضحا للسلطة السياسية التى ستنبثق عنها أو على الأقل تمهد لصفقات سياسية وشراكة على أساس ميزان قوى ديمقراطى حقيقى.

 

والترجمة السياسية لهذين الافتراضين تتمثل فى اتفاق سياسى ملزم بين طرفى الأزمة السياسية مكون من ثلاثة عناصر أساسية:

 

أولا: التوافق على قانون انتخاب برلمانى بجميع عناصره (من تقسيم الدوائر إلى ضمانات النزاهة) ثم يحال هذا القانون التوافقى لمجلس الشورى لإقراره. فانتخابات البرلمان المقبل ستكون الفرصة الأهم على الإطلاق لتكريس معادلة حقيقية لميزان القوى السياسى يتأسس عليها الحكم فى مصر بشكل سلمى وبدونها سنكون أمام كارثة كفر قطاع عريض من الجماهير بالعملية الانتخابية ولجوئهم «للحلول الذاتية» لمشكلة توازن القوى المفقود.

 

ثانيا: الإدارة السياسية للفترة التى تفصلنا عن إجراء الانتخابات النيابية بمنطق «تسيير الأعمال» وبدون أى تشريعات أو قوانين جديدة إلا فيما يخص الانتخابات. فلا يعقل أن تتحدد الأطر المنظمة لإدارة الاقتصاد والسياسة والأمن فى مجلس يمارس التشريع مؤقتا ونيابة عن جهة الاختصاص الدستورى الأصلى، ولا تتمثل فيه القوى السياسية المختلفة بشكل كامل وعادل.

 

ثالثا: ينتخب البرلمان المقبل، هيئة تأسيسية تتولى مراجعة الدستور برمته، وتعديل ما يلزم من مواده، ثم طرح المسودة المعدلة من الدستور للاستفتاء العام.

 

هذه المقترحات «مؤلمة» بطبيعة الحال، وبشكل خاص للسلطة التى قد تجد من يحرضها ضد أى «تسوية مؤلمة» تمثل عنده تنازلا يمس هيبة وكرامة السلطة. لكن القضية بصراحة شديدة أكبر من اعتبارات «الهيبة والكرامة». هناك أزمة حكم حقيقية وميزان قوى لا يسمح بحسم الوضع بدون كلفة باهظة وربما دموية.

 

•••

 

المقارنة إذن هى بين ألم «تسوية» قاصرة عن تلبية الطموحات ومتجاوزة لاعتبارات «هيبة السلطة» (التى يهدرها، على أية حال، الوضع المتردى فى الشارع بأكثر بكثير من أى تنازلات فى سبيل تسوية الأزمة) وبين عار الصراع الدموى لكسر الجمود القائم وفرض توازن جديد للقوى ينهى أزمة الحكم.

 

ولنتذكر جميعا، أن هذه التسوية هى مجرد وسيلة لكسر الجمود وتنظيم الصراع السياسى فى المرحلة الانتقالية فى إطار ديمقراطى يسمح بالانتقال لما هو أهم.

 

فالنضال السياسى الديمقراطى الحقيقى، هو النضال لتحقيق أهداف الثورة. العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. هذا هو الفرض الغائب والميدان الأهم والأحق بأن تخاض من أجله الصراعات وأن تبذل فى سبيله الطاقات والتضحيات على الأقل ليكون لهذه التضحيات معنى.

 

 

 

كاتب مصرى

ياسر علوي  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات