تحديات ومهمات أمام القمة العربية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
السبت 27 يوليه 2024 4:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات ومهمات أمام القمة العربية

نشر فى : الثلاثاء 14 مايو 2024 - 6:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 مايو 2024 - 6:25 م

تعقد القمة العربية الثالثة والثلاثون فى البحرين لأول مرة فى 16 مايو 2024 فى ظل ظروف عربية وإقليمية بالغة الصعوبة والتعقيد. فمنذ القمة السابقة فى مايو 2023 والتى عقدت فى جدة ــ السعودية، حدثت عدة تطورات بالغة الأهمية، يأتى فى مقدمتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ونتائجها المأساوية للشعب الفلسطينى، وتداعياتها الأمنية والعسكرية والسياسية على المستويين الإقليمى والدولى. استمرار الصراع العسكرى فى السودان وتراجع جهود التوصل إلى تسوية سياسية تنهى المأساة التى يعيشها شعب السودان ومخاطر تقسيم البلاد. إصابة الأزمات السورية، والليبية، واليمنية بحالة من الجمود فى مساعى التسويات السياسية لهذه الأزمات. سيطرة حالة من التوتر والاحتقان فى لبنان وبعض الدول العربية الأخرى.

وقد مضى أكثر من سبعة أشهر على الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة كرد على عملية طوفان الأقصى الفلسطينية التى لم تستغرق أكثر من يوم واحد. واتضح من هذه الحرب الإسرائيلية عدة مسائل مهمة وفى حاجة إلى إعادة تقييم للمواقف العربية منها:

    •   عدم احترام إسرائيل للقانون الدولى، والقانون الإنسانى الدولى، وحقوق الإنسان. وعدم التزامها بأى قرارات للأمم المتحدة، وادعائها أن المنظمة الدولية معادية للسامية ومشجعة للإرهاب. علما بأن إسرائيل نشأت بقرار من الأمم المتحدة.

    •   ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم التهجير القسرى ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية دون توقيع أية عقوبات عليها حتى الآن.

    •   قتل القوات الإسرائيلية المعتدية أكثر من 35 ألف فلسطينى، وجرح نحو 87 ألف فى قطاع غزة. وتدمير ما يزيد على 60% من الأحياء السكنية المدنية، وتدمير المرافق الأساسية والمدارس والمساجد وعدد من الكنائس.

    •   اتباع إسرائيل سياسة تجويع الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة بفرض الحصار والحد من دخول المساعدات الإنسانية من غذاء وماء ودواء ووقود، ومنع الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من القيام بدورها فى تلقى وتوزيع المساعدات باعتبارها الأقدر والأكثر انتشاراً فى قطاع غزة. وتعمد إسرائيل قتل موظفى الأونروا وهم موظفون دوليون وهدم مدارسها ومقاراتها والعمل على تصفيتها.

    •   تهديد إسرائيل باستخدام القنبلة النووية لضرب قطاع غزة. وهذا اعتراف رسمى منها بامتلاكها أسلحة نووية دون خضوعها لأى نوع من الرقابة على مفاعلاتها النووية، وهو ما يهدد الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.

    •   قيام القوات المسلحة الإسرائيلية باعتداءات منتظمة على سوريا ولبنان منتهكة سيادة الدولتين ومهددة بتوسيع دائرة الصراع فى المنطقة.

ومن بين النتائج المهمة لحرب إسرائيل على قطاع غزة تأكيد الانحياز الأمريكى الأوروبى المبالغ فيه إلى جانب إسرائيل وتقديم كل الدعم العسكرى والسياسى والإعلامى لها دون اعتبار للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى والتى سبق أن وافقوا هم أنفسهم عليها فى عدة قرارات صدرت عن الأمم المتحدة والوكالات والمنظمات المختلفة التابعة لها، ودون اعتبار للمصالح الأمريكية والغربية لدى الدول العربية نتيجة تقديرهم أن الدول العربية غير مستعدة لتوقيع عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية رادعة على إسرائيل ولا على الدول المؤيدة لسياساتها العدوانية. وهذا يتطلب من القمة العربية إعادة النظر فى مواقفها وسياستها الفعلية تجاه إسرائيل التى تمثل خطراً كبيراً على الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط إذا لم يتم عقابها.

• • •

وقد نتج عن القمة العربية السابقة فى جدة عودة سوريا إلى شغل مقعدها فى جامعة الدول العربية، وتطبيع العلاقات العربية معها خطوة بخطوة، وترك مسألة إعادة العلاقات الدبلوماسية معها لقرار كل دولة عربية. ويلاحظ أن التطورات فى هذا الموضوع تكاد تكون متوقفة ولم يحدث تطور إيجابى ملحوظ فى هذه العلاقات. كما أنه مطلوب من القمة العربية التنديد بالاعتداءات الإسرائيلية المنتظمة على سوريا، والمطالبة بإنهاء الاحتلال والاعتداءات التركية على الأراضى السورية، وإنهاء الاحتلال الأمريكى فى سوريا، وعدم مقارنة ذلك مع الوجود الروسى والإيرانى لأنه تم وفقاً لطلب واتفاق رسمى مع الحكومة السورية التى تمثل سوريا فى جميع المنظمات الدولية، مهما كان الاختلاف معها.

أما الصراع العسكرى فى السودان، فقد أحدث دمارا وتشريد غير مسبوق للسودان وشعبه وشرد نحو 8,5 مليون سودانى بين نازحين ولاجئين إلى دول الجوار، وملايين السودانيين مهددين بمجاعة واتساع نطاق الحرب الداخلية مع مخاطر تقسيم السودان. ولم تؤد كل الجهود الإقليمية والدولية إلى التوصل إلى تسوية سياسية لأن كل من الطرفين العسكريين المتصارعين مدعوم بقوى مدنية سودانية، وقوى إقليمية ودولية ويحصل على إمدادات ومعدات عسكرية. ولن ينتهى الصراع إلا بجلوس القائدين المتحاربين معا بوساطة من ملوك ورؤساء الدول العربية والتوصل إلى اتفاق يضمن الخروج الآمن لكلا الطرفين وتشكيل سلطة مدنية انتقالية تعد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال عام من التوصل للاتفاق.

والأزمة الليبية فى أمس الحاجة إلى تدخل فعال من جانب الزعماء العرب لأنها تدور فى حلقات مفرغة على مدى نحو 14 عاما، استهلكت خلالها 9 مبعوثين أمميين كان آخرهم السنغالى عبد الله باتيلى، وأهم الأسباب تمسك القيادات المناطقية والسياسية والعسكرية بمراكزها التى حصلت عليها ولا تريد التفريط فيها، والكل يتحدث عن ضرورة إجراء الانتخابات دون أى رغبة حقيقية لإجرائها، والشعب الليبى مغلوب على أمره. وهذا يتطلب أن تشكل القمة العربية لجنة حكماء رئاسية تجمع كل القيادات الليبية المؤيدة للتوصل إلى اتفاق بضمانات تنفيذية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وحل سياسى للازمة.

وتضع القمم العربية القضية الفلسطينية فى مكانة مركزية من أولوياتها، وأصدرت ويتوقع أن تصدر العديد من القرارات والبيانات بشأن حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا لم يعد يجدى إزاء التوحش الإسرائيلى وإنكار حقوق الشعب الفلسطينى، والاستمرار فى التحدى فى التوسع فى المستوطنات مخالفة للقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة. وإذا لم تتخذ الدول العربية خطوات عملية لمعاقبة إسرائيل باعتبارها دولة استعمارية استيطانية عنصرية، ومعاقبة كل من ينكر حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، فلن ترتدع إسرائيل ولن تنتهى جهود محاولة حل القضية الفلسطينية.

أما بالنسبة للأزمة اليمنية، فقد تحققت خطوات إيجابية على طريق التسوية السياسية أدت إلى وقف القتال والحرب الأهلية. ولكن بمساندة الحوثيين للمقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة ضد الحرب العدوانية الإسرائيلية ومنع السفن المرتبطة بإسرائيل من المرور فى خليج عدن والبحر الأحمر إلى أن يتم وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن قطاع غزة، أدى إلى أن تشن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا هجوماً عسكرياً على الحوثيين بدلاً من العمل على وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة، رغم إدراكهما أنهما لن يتمكنا من وقف تنفيذ قرار الحوثيين، ويدل على ذلك انخفاض حركة الملاحة فى ميناء إيلات جنوب إسرائيل بنسبة 80% والاستغناء عن بعض العاملين فى الميناء. ومن المتوقع أن تؤيد الدول العربية موقف الحوثيين، خاصة وهم وتركيا الذين فرضوا عقوبات على إسرائيل إلى أن تنهى حربها الوحشية على قطاع غزة والشعب الفلسطينى.

• • •

والحقيقة أنه إذا نسقت الدول العربية مع القوى الإقليمية خاصة تركيا وإيران من أجل ردع إسرائيل والدول المعترضة على حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة، وذلك على ضوء تحسن العلاقات بين هاتين الدولتين وجميع الدول العربية، فإنه يمكن تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية ومواجهة المخاطر الكبيرة التى تمثلها إسرائيل على أمن واستقرار الشرق الأوسط.

إن كل ما يتصل بالعمل العربى المشترك فى مواجهة التحديات، والاستجابة للمهمات المطلوبة لدرء الأخطار وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، والتوصل إلى حلول سياسية عادلة أو مرضية للقضايا والأزمات العربية يتوقف بالدرجة الأولى والأساسية على تنقية الأجواء العربية من غيوم الخلافات والمنازعات وحالات الاحتقان بين الدول العربية، والاتفاق على الحد المقبول من وحدة الصف ولم الشمل العربي. وهى مسألة مطروحة على قمم عربية سابقة لم تتمكن من التوصل إلى توافق فعلى بشأنها. ورغم إدراك الجميع أن فى لم الشمل ووحدة الصف العربى قوة لا يستهان بها فى مواجهة كل التحديات والمخاطر، إلا أنه ما تزال الغلبة للتوجهات الأحادية فى قضايا وأزمات عربية من الناحية العملية بغض النظر عن ما يصدر من قرارات وبيانات سرعان ما تفقد مصداقيتها لعدم تنفيذها على أرض الواقع وهذا ما يشجع الآخرين على التمادى فى التدخل فى الشئون العربية وإنكار حقوق الشعوب العربية بل وعدة دول عربية. 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات