الخطة الإسرائيلية لمنع قيام دولة فلسطينية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 6 أغسطس 2025 12:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

الخطة الإسرائيلية لمنع قيام دولة فلسطينية

نشر فى : الثلاثاء 5 أغسطس 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 أغسطس 2025 - 7:20 م

بدأت إسرائيل منذ انتصارها فى حرب 1967 وسيطرتها الكاملة على الضفة الغربية لنهر الأردن والقدس الشرقية، تنفيذ خطة طويلة المدى لتحقيق هدفها الاستراتيجى بأن تمتد إسرائيل على كل الأراضى الفلسطينية التاريخية من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، وتحويل الفلسطينيين فيها إلى أقلية قد يكون لها نوع من الحكم الذاتى بمفهومه الضيق، بمعنى أن تكون السلطة الفلسطينية قاصرة على إدارة شئون الأفراد وحياتهم العامة دون أن  تكون لها سيادة على الأرض والمجال البحرى والجوى والأمنى، وإنما تكون السيادة عليها لإسرائيل بلا منازع.

كانت بداية تنفيذ الخطة الإسرائيلية من خلال إقامة المستوطنات على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وكانت بداية حذرة تحسبا لردود الفعل الفلسطينية والعربية والمجتمع الدولى. ومن ثم طلب رئيس وزراء إسرائيل ليفى أشكول فى عام 1968 رأى المستشار القانونى لحكومته بشأن مدى قانونية إقامة مستوطنات مدنية فى الأراضى التى تحتلها إسرائيل. ورد المستشار القانونى بأن هذا مخالف للقانون الدولى وإذا كان مسموحًا إقامة مستوطنات عسكرية لاعتبارات أمنية، فإن من غير المسموح إقامة أى مستوطنات مدنية. ورغم ذلك لم يتم إزالة المستوطنات التى أقيمت، كما بدى وكأن رأى المستشار القانونى كان بمثابة تقية للحكومة الإسرائيلية أمام الرأى العام العربى والعالمى. واستمر التوسع فى إقامة المستوطنات على الأراضى الفلسطينية وجاء مستشار قانونى جديد للحكومة الإسرائيلية وأبدى رأيًا مخالفًا لسابقه اتفاقًا مع المقولة الإسرائيلية بأن يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أرض إسرائيلية تم تحريرها وهى من حق الشعب اليهودى، ضاربين عرض الحائط بالقانون الدولى وبرأى المستشار القانونى الإسرائيلى.

قد صادرت إسرائيل فى الفترة من 1967 إلى 1983 أكثر من 52% من أراضى الضفة الغربية ومعظمها أراضٍ زراعية تتوفر فيها المياه الجوفية. ووصلت نسبة الأراضى المصادرة قبيل توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فى سبتمبر 1993 نحو 65% من إجمالى أراضى الضفة الغربية. ويقدر عدد المستوطنين اليهود فى الضفة الغربية بنحو 450 ألف مستوطن، بالإضافة إلى نحو 22 ألف مستوطن يقيمون فى القدس الشرقية التى أعلنت إسرائيل ضمها إليها فى عام 1968. ويقدر إجمالى عدد المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية بنحو 144 مستوطنة مقننة من الحكومة الإسرائيلية، إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية غير مقننة إسرائيليًا. علمًا بأن جميع المستوطنات بكل أنواعها غير قانونية وفقًا للقانون الدولى والآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية التى تعتبر أن أى وجود إسرائيلى عسكرى أو مدنى أو مستوطنات على الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967 غير قانونى ويتعين إنهاؤه.

اتخذت إسرائيل فى مايو 2025 قرارًا بتنفيذ أكبر توسعات فى المستوطنات منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، وإنشاء 22 مستوطنة جديدة فى الضفة الغربية. وصرح وزيرا الدفاع والمالية الإسرائيليين بأن الهدف من هذه المستوطنات تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية وتأمين احتياطيات تنموية للاستيطان فى العقود القادمة. هذا وقد زاد معدل مصادرة إسرائيل للأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية بصورة غير مسبوقة منذ عملية طوفان الأقصى الفلسطينية ضد إسرائيل فى 7 أكتوبر 2023، وذلك فى إطار تسريع معدل خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية ومحيط القدس الشرقية ومناطق أخرى فى غور الأردن.

• • •

يقوم المستوطنون الإسرائيليون بدور نشط فى دفع خطة الضم قدما، ولا يقتصر ذلك على الاستيلاء على التلال الاستراتيجية، بل يشمل ممارسة العنف الممنهج والتعذيب والقتل ضد المدنيين الفلسطينيين، وذلك بدعم وحماية قوات الاحتلال الإسرائيلى، بهدف إخراج الفلسطينيين من أراضيهم تمهيدًا لتهجيرهم خارج الأراضى الفلسطينية.

ويخضع المستوطنون الإسرائيليون فى الضفة الغربية للقانون المدنى الإسرائيلى، بينما يطبق القانون العسكرى على المدنيين الفلسطينيين، وهو ما يمثل ممارسة الفصل العنصرى وهو ما يجعل أعدادًا من الجنود الإسرائيليين يرفضون أداء الخدمة العسكرية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة لاعتراضهم على الاحتلال الإسرائيلى.

وقد بدأت إسرائيل منذ عام 2018 بالتهيئة لإجراء الضم، إلى جانب إصدار حزمة قرارات وقوانين، منها قانون القومية الإسرائيلية، أو الدولة القومية للشعب اليهودى، والذى ورد فيه «أن هذا الوطن الذى يمارس الشعب اليهودى حقه فى تقرير المصير حصريًا». وهو القانون الذى يجعل غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية أو ضيوفا على الدولة اليهودية لا يتمتعون بنفس كل الحقوق التى يتمتع بها اليهود.

استكمالاً للخطة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، فقد أصدر الكنيست (البرلمان) قرارا فى يوليو 2025 يطالب الحكومة بفرض سيادة إسرائيل على الضفة وغور الأردن. وصدر القرار بأغلبية 71 صوتًا من إجمالى أعضاء الكنيست 120 صوتًا، واعتراض 13 صوتًا فقط. وينص القرار على أن لدولة إسرائيل الحق الطبيعى والقانونى على كل مناطق أرض إسرائيل الوطن التاريخى للشعب اليهودى. ويدعو الحكومة للعمل قريبًا لإحلال السيادة والقانون والقضاء والإجراءات الإدارية الإسرائيلية على كل مناطق الاستيطان اليهودى بكل أشكاله فى يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغور الأردن؛ حيث إن هذا الإجراء سيعزز دولة إسرائيل وأمنها وسيمنع أى تشكيك فى حق الشعب اليهودى الأساسى فى السلام والأمن فى وطنه.

وقد طالب وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن جفير بأن تفرض إسرائيل سيطرة كاملة على قطاع غزة فى مرحلة ما بعد الحرب الحالية على القطاع. وطالب أحد قادة المجلس الإقليمى للمستوطنات الحكومة بتنفيذ قرار الكنسيت وتحويله إلى واقع ملموس باعتبار أن السيادة على هذه المناطق خطوة ضرورية لتعزيز أمن إسرائيل.

• • •

انتقد حزب العمل الإسرائيلى المعارض القرار، موضحا أن الهدف منه التغطية على فشل حكومة نتنياهو على كل الأصعدة، والتستر على فشلها فى إدارة الحرب على غزة. واقترحت القائمة العربية مشروع قانون مضاد يقضى بإقامة دولة فلسطينية تعيش فى أمن وسلام إلى جانب إسرائيل. كما اقترح أحمد الطيب ــ عضو الكنسيت ــ مشروعًا بديلًا يطالب باحترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وأن مشروعات الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية بمثابة تطهير عرقى وطالب بإنهاء الاحتلال والحرب على غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وانتقدت السلطة الفلسطينية القرار الإسرائيلى وأنه يمثل تصعيدًا خطيرًا واعتداء على حقوق الشعب الفلسطينى ويقوض فرص السلام وحل الدولتين، وخرقًا خطيرًا للقانون الدولى ودعت المجتمع الدولى إلى التحرك لوقف هذا القرار، والاعتراف بالدولة الفلسطينية. واعتبرت حماس أن القرار باطل ولا شرعية له ولن يغير هوية الأرض الفلسطينية، وطالب الفلسطينيين فى الضفة الغربية بتصعيد المقاومة بكل أشكالها. ورفضت عدة دول عربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية القرار الإسرائيلى باعتباره انتهاكًا للقانون الدولى وتقويضًا لحل الدولتين. واعتبرته تركيا غير شرعى واستفزازى ويرمى إلى تقويض جهود السلام.

يلاحظ أن الائتلاف الحزبى الحاكم فى إسرائيل حرص على إصدار هذا القرار قبل بدء الإجازة الصيفية للكنيست لضمان أن يكون لدى الحكومة قرار يطالبها ويخولها بفرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات فى الضفة الغربية، ومن ثم تستطيع أن تنفذه فى الوقت الذى تراه مناسبًا لها، وليكون هذا القرار بمثابة موقف معد سلفًا قد تستخدمه الحكومة للرد على اعتراف فرنسا وربما دول أوروبية أخرى بالدولة الفلسطينية على ضوء ما أعلنه رئيس الوزراء نتنياهو من أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعد تهديدًا وجوديًا لإسرائيل. ويرى أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون هو حكم ذاتى تحت السيادة الإسرائيلية.

الحقيقة أن الخطة الإسرائيلية لمنع قيام دولة فلسطينية والعمل على تصفية القضية الفلسطينية قد وصلت إلى مرحلة خطيرة للغاية تقتضى تحركًا عربيًا وإقليميًا ودوليًا فعالًا لوقف هذه الخطة الإسرائيلية واستثمار قوة الدفع السياسى التى أسفر عنها المؤتمر رفيع المستوى لتسوية قضية فلسطين وحل الدولتين الذى عقد فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك فى الفترة من 28 -30 يوليو 2025، لإعادة مسار حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية وممارسة كل أنواع الضغوط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وحقه فى إقامة دولته المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات