ماذا تقول الديموغرافيا عن مستقبل إسرائيل.. و«أخواتها»؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 27 يوليه 2024 5:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا تقول الديموغرافيا عن مستقبل إسرائيل.. و«أخواتها»؟

نشر فى : الثلاثاء 14 مايو 2024 - 6:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 مايو 2024 - 8:32 م

 يكتسب تقرير دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية هذه السنة قيمة استثنائية لما يُمكن أن تحمله «الأرقام الرسمية» من معطيات سواء أكانت صحيحة أو متضاربة أو «تجميلية»، لا سيما أنه يأتى على مسافة سبعة أشهر من «طوفان الأقصى» بكل ما تركه من تداعيات سياسية وعسكرية وأمنية وديموغرافية وإقتصادية فى البنية الإسرائيلية.

يأتى نشر التقرير لمناسبة الذكرى الـ 76 لنشوء الكيان العبرى، وهو يشير إلى أن عدد سكان هذا الكيان تضاعف 12 مرة منذ العام 1948 حتى يومنا هذا، ليقترب من 10 ملايين نسمة. واللافت للانتباه فى التقرير أنه يتحدث عن زيادة عدد السكان بنسبة 189 ألفا (بينهم 37 ألف مهاجر جديد) خلال العام 2023 متجاهلا الوقائع التى تحدث عنها الإعلام العبرى، وأبرزها هجرة مئات الآلاف من إسرائيل منذ 7 أكتوبر.

 ما هى أهمية طرح هذه الأرقام؟

فى ديسمبر 2022، وخلال مقابلة مع عالم النفس والمؤلف الكندى جوردن بيترسون، ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أنَّه مع بداية القرن العشرين كانت أرض فلسطين قاحلة خالية من السكان، وأنَّ الصهاينة قاموا بتطويرها، مما شجَّع العرب على القدوم إليها والإقامة فيها.

وقتذاك، أثارت ادعاءات نتنياهو موجة من الجدالات والانتقادات، ولكن ندر أن تطرق أى تحليل أو رد إلى قضية الكثافة السكانية فى فلسطين، كما كانت قبل مائة سنة (أى حوالى 26 شخصًا فى كل كيلومتر مربع واحد) وكانت تلك الكثافة تساوى حوالى أربع مرات الكثافة السكانية فى الولايات المتحدة (7.7)، وحوالى مرتين الكثافة فى أوروبا (13.5).

هذا المثال البسيط يُسلّط الضوء على أهمية المؤشرات والأرقام فى سياق محاولة إظهار جوانب مخفية فى فهمنا للحقائق وتقييمنا للأمور، فالأرقام أهم من العواطف والكلمات المنمقة أو المنقحة، أما الخطابات الشعبوية فلا تُغنى ولا تُسمن من جوع. وإذا أردنا دراسة مستقبل الكيان الصهيونى، قد نرتكز إلى التاريخ أو التحليلات السياسية.. وربما يلجأ كثيرون منا إلى انحيازاتهم المسبقة، فنختار مقتطفات من هنا أو هناك لكى نبنى تحليلاتنا واستنتاجاتنا، ونتناسى الكثير من الوقائع. ولكن بقراءة سريعة لمؤشر الكثافة السكانية لهذا الكيان، نجد أنه تجاوز حاليا الـ425 فردا فى الكيلومتر المربع الواحد، مقارنة بـ37 فى الولايات المتحدة، و34 فى أوروبا. ما يجعله من ضمن الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وبشكل يُثير الشك فى إمكانية استدامة وجوده.

والملاحظ أن معظم سكان الكيان الصهيونى يعيشون حياة تشبه حياة الغربيين من حيث السكن والرفاهية ونوعية الحياة، ولكن بكثافة مرتفعة تشبه كثافة دول الشرق، حيث توجد نسبة كبيرة من السكان تعيش تحت خط الفقر. وللمقارنة فقط، نشير إلى أنَّ الكثافة السكانية فى الصين تبلغ حوالى 150 فردا فى كل كلم2، وهى أقل بثلاث مرات من إسرائيل.

 ما هى أهم الأسئلة والاستنتاجات؟

من ناحية الاستدامة المرتبطة بالموارد الطبيعية كالماء، المساحات، الطاقة، والنفايات، فقد تجاوزت الكثافة السكانية فى إسرائيل أكثر من عشر مرات الكثافة السكانية فى الدول الغربية، مما يشكل تحديًا كبيرًا على الدولة لتأمين الموارد الضرورية، ومنها المياه.

أما من الناحية الاقتصادية، وإذا نجح هذا النظام فى التركيز على بناء المستوطنات بشكل عمودى، وتطوير البنية التحتية لحل أزمة الحركة المرورية المرتبطة بالكثافة، وإدارة الموارد الطبيعية بشكل فعّال، وإيجاد حلول للقطاعات الخدماتية والصحية والتعليمية المجانية فى ظل التكاثر السكانى، والسعى لتحقيق الاستقرار السياسى لحل الأزمات الكثيرة، بما فى ذلك نسبة الفقر التى تخطت الـ20%، فضلا عن إيجاد حل للنزاع مع الفلسطينيين، وهو الأمر الذى أدى إلى هجرة كبيرة من إسرائيل لأسباب أمنية ونفسية، قد يتمكن هذا الكيان من المضى قدمًا إذا تمكن من الحد من النمو السكاني.

حتى ٧ أكتوبر، كانت نسبتا الولادة والنمو السكانى (جراء الهجرة) إلى إسرائيل مرتفعتين جدا. لذلك نرى أن هذا الكيان يواجه معضلتين:

الأولى؛ تتمثل بوقف الهجرة اليهودية، أقله إلى حين انتظام الأمور داخليا، وحل مشكلة النزاع مع العرب. لكن ذلك قد يُوجّه ضربة كبيرة لفكرة الكيان الصهيونى بحد ذاته، وهو إنشاء دولة لكل اليهود. ومن المفيد الإشارة إلى أن الاندماج الكلى للأجيال اليهودية الجديدة فى مواطنها الحالية يجعلها تتردد بالهجرة إلى إسرائيل..

الثانية؛ تتمثل بالسعى للتوسع وإيجاد موارد طبيعية جديدة، ولا سيما إذا قرّر عدد كبير من اليهود غير الإسرائيليين الهجرة إلى إسرائيل، الأمر الذى قد يُجبر إسرائيل على مواصلة الاستيلاء على الأراضى المجاورة، ليس فقط فى الضفة الغربية أو إعادة إحتلال أجزاء من غزة، بل ربما التوسع نحو الأردن، سوريا، لبنان، مما سيُقوّض عملية السلام المبنية على فكرة حل النزاع العربى الإسرائيلى المذكورة فى المعضلة الأولى، ويؤجج الاستقطابات الداخلية، وبالتالى يتسبب من جديد بهجرة الإسرائيليين الذين يبحثون عن الأمن لعائلاتهم خارج الكيان.

كل هذه المعضلات تُشكّل تحديا كبيرا للصهيونية، حيث يتعين عليها إما أن تستمر فى سياستها التوسعية وصراعها مع الفلسطينيين والدول المجاورة، ما يؤدى إلى الهجرة وفشل المشروع نهائيا، وإما أن تتوقف عن استقبال اليهود على أرضها، ما يؤدى إلى تهاوى فكرة الدولة اليهودية.

وبما أنَّ مستقبل إسرائيل مرتبط ارتباطا وثيًا بالكثافة السكانية، هل من الممكن أن يستوعب البعض أن الأراضى المجاورة لإسرائيل ستكون دائماً عرضة للتوسع الإسرائيلى لأسباب وجودية، بخاصة إذا كان الهدف إيجاد وطن واحد لليهود فى شتى أنحاء العالم؟ وهل نستطيع أن نستوعب أن السلام مع هذا الكيان قد يُفسح له المجال للاستقرار والاستمرار ببناء قوته الاقتصادية والعسكرية، بحيث يستطيع خوض حروب جديدة والتمدد أكثر فأكثر، وربما تحقيق أمنية اليمين الصهيونى بالحدود التوراتية بوصفها الحل لمعضلة الزيادة السكانية؟ وهل يُمكن أن نخلص إلى أن فكرة الدول العرقية أو الدينية المحصورة بمساحة ضيقة، أو كاستنساخ لفكرة إسرائيل بدواعٍ مشابهة، تؤدى إلى ارتفاع خطير فى الكثافة السكانية، ينتج عنها أزمات مختلفة فى إدارة الموارد والاقتصاد، قد تنفجر بوجهها بسرعة؟ وهل يمكن أن نستنتج أنّ الإنسانية بحاجة دائما لمشاركة هذا الكوكب، بدلا من الانزواء فكريا وجسديا بمساحات عرقية ودينية ضيقة؟

يوسف نعيم
ناشط فى المجال الثقافى ومؤسس مجتمع «بيروت للجاز»
موقع 180

النص الأصلى

التعليقات