هل سيظهر ماكرون المصرى؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل سيظهر ماكرون المصرى؟

نشر فى : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:10 م

رفع شعار (إلى الأمام) من خلال حركة شبابية حملت هذا الاسم وقرر التمرد على كلاسيكيات السياسة الفرنسية والخروج بعيدا عن أقطابها التقليديين من يمين ويسار وقدم مشروعه للناس كمعبر عن تيار الوسط الذى يرى أن فرنسا يجب أن تفارق السياسات القديمة وأن تحدث ثورة اقتصادية واجتماعية تجدد شبابها وتعيد لها وهجها التاريخى.
سيرته الذاتية ليست حافلة لكنها مركزة حيث تخرج من المدرسة العليا للإدارة فى 2004، ثم عمل كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل فى لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسى تحت رئاسة جاك أتالى مستشار الرئيس الاشتراكى الراحل فرانسوا ميتران، فى 2008 التحق بمصرف «روتشيلد»، وفى 2012 عمل مستشارا اقتصاديا للرئيس هولاند حتى 2014 ثم عينه هولاند بعد ذلك وزيرا للاقتصاد، واستمر وزيرا للاقتصاد لمدة عامين ثم استقال واعترف بوجود عوائق كثيرة فى الشركات والإدارات الفرنسية تحول دون القيام بإصلاحات عميقة تخرج فرنسا من أزمتها.
***
يصفه اليمين الفرنسى بـ(العميل) بسبب موقفه الداعم للاستمرار فى الاتحاد الأوروبى وموقفه المنفتح نسبيا تجاه الأقليات ويصفه الحزب الاشتراكى بـ(بروتس جديد) لأنهم يرونه خدع هولاند الذى ساعده وترشح للرئاسة.
ابتعد عن الإعلام وانهمك فى تأسيس حركته التى بدأت بـ 4000 شاب انضموا لتأييده عبر مواقع التواصل الاجتماعى واقتنعوا بأفكاره، وسماهم «السائرين»، إذ سار هؤلاء فى شوارع القرى والمدن وأجروا 100 ألف مقابلة مع الجمهور وكان سؤالهم الأساسى للناس ما الذى تريدونه لفرنسا ولأنفسكم وأبنائكم، وتم إخضاع نتائج هذه المقابلات للفحص والتحليل وعلى أساسها بنى ماكرون برنامجه الانتخابى.
يرفض ماكرون تصنيف نفسه فى أى خانة سياسية، ولا يعتبر نفسه منتميا لتيار سياسى بعينه بل يمضى بصحبة مؤيديه ويبلورون أفكارا جديدة ذات جاذبية للجماهير، واستقطبت فاعلياته الانتخابية آلاف الشباب الذين يرونه معبرا عنهم ويتحدث بلغتهم العادية.
يتهمه الرافضون له بأنه لا يملك برنامجا واضحا وأنه يسعى لإرضاء كل الناس بخطابات معسولة وأنه سيفشل فى إدارة البلاد، رغم كل هذه الاتهامات يبقى مشروع ماكرون ظاهرة سياسية جديدة فى فرنسا، سواء فاز فى انتخابات الإعادة أم لا.
***
إذا عقدنا المقارنة بين المشهد الفرنسى والمشهد السياسى المصرى يأخذنا إلى السؤال البديهى: هل من الممكن أن يظهر ماكرون المصرى خلال الفترة المقبلة؟ الحقيقة المحزنة أن الإجابة: لا!
نحن فى بيئة سياسية مفتوحة؛ ففى فرنسا تسمح بحرية الحركة وحرية التنظيم والاجتماع والتعبير عن الرأى وهذه البيئة الصحية التى مكنت ماكرون من بناء حركته الشبابية عبر التواصل مع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعى أولا، ثم فى الشوارع ثانيا عبر المقابلات المباشرة، ثم مرحلة حشد الأنصار وتنظيمهم فى كيان سياسى وليد استطاع التقدم على كل الكيانات التقليدية فى معركة انتخابية شديدة الضراوة والتنافسية.
فتحت ثورة يناير بابا للأمل عبر انتهاء الأفكار الشائخة وبزوغ فجر الشباب بحيويتهم وإبداعهم. وتوقع الناس أن الانتخابات الرئاسية التى كانت ستتم فى سنة 2020 سيكون المتنافسون فيها شبابا فى بداية الأربعين حيث إن أغلب الشباب الذين شاركوا فى ثورة يناير من مواليد سنة 1980 وما بعدها، لكن تم إجهاض الأمل وابتعدنا عن المسار الصحى الذى خلقته ثورة يناير.
تخيل أن شابا اليوم من جيلنا قرر أن يصنع تجربة مشابهة لتجربة ماكرون فى فرنسا وبدأ بالتواصل مع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعى وعبر اللقاءات المباشرة فى ندوات أو مقابلات بالشارع، خلال أيام قليلة سيتم إلقاء القبض عليه وتوجيه التهم التالية: السعى لتأسيس تنظيم محظور على خلاف أحكام القانون والدستور يهدد السلم الاجتماعى، ومحاولة قلب نظام الحكم والإساءة لشخص رئيس الجمهورية، واستغلال مواقع التواصل الاجتماعى لتأليب الرأى العام ضد سياسات الدولة وتشويه المؤسسات الوطنية، والتواصل مع جهات خارجية بهدف إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار. سيبدأ الإعلاميون إياهم بإذاعة مكالماته الشخصية وتحريفها عبر الشاشات وفبركتها وتأويلها كما يريدون لشيطنته لدى الجمهور لإثبات أنه منحل أخلاقيا ومتآمر ضد الوطن وعميل للخارج وأنه لا يصلح لممارسة العمل العام وتولى المسئولية وأنهم يقومون بذلك حماية للوطن من الشرور القادمة التى يحملها هؤلاء ورفاقه وأنهم يقومون بمهمة وطنية جليلة فى كشف المتآمرين وفضح مخططاتهم الدنيئة ضد الوطن!. ستقوم اللجان الإلكترونية بالنبش فى كل كلمة كتبها وشيطنتها على غير معناها، سيفبركون تصريحات له ومواقف لا علاقة له بها، سيخوضون فى حياته الشخصية ويسيئون لكل أقاربه ودائرة معارفه وعائلته وربما زوجته وأبنائه، سيعتبرون أن ذلك جهاد فى سبيل الوطن لسحق كل من تسول له نفسه التفكير فى المشاركة فى صناعة القرار فى هذا البلد!
***
ستبتسم عزيزى القارئ وتتهم كاتب المقال بالتشاؤم والسوداوية لكن سل نفسك: ألم يحدث هذا خلال السنوات الماضية؟ ألا تراه يحدث حتى الآن لكل من يخرج عن الخطوط الحمراء للسلطة؟ هذا ما يجب أن نصارح به أنفسنا وألا نعيش فى أوهام إمكانية التنافس الحقيقى وسط هذه البيئة السياسية المغلقة على المؤيدين فقط وألا نتخيل أن ثمة تغييرا جذريا سيحدث خلال الفترة المقبلة، مصر باقية على أوضاعها الحالية وقد تسوء طالما أننا ارتضينا فكرة دولة الصوت الواحد، ولا عزاء لكل ماكرون مصرى حالم!

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات