فى وضعية الرأس - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 9:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى وضعية الرأس

نشر فى : الأحد 27 يونيو 2010 - 10:01 ص | آخر تحديث : الأحد 27 يونيو 2010 - 10:01 ص
الشعور بالعزة هو شرط من شروط التقدم الاجتماعى.
يجب أن يشعر المواطن أنه فرع يستند إلى جذع قوى مغروس فى أرض خصبة. هذا الاحتياج الغريزى أننا لسنا أبناء حرام، إن آباءنا وأجدادنا صدحوا وأنبتت ذبذبات أصواتهم فنا وعلما وثقافة، هو ضرورة لكل شعب حتى يستكمل مسيرة العطاء. كيف يمكننا أن نمنح للشعب المصرى الشاب الذى يقل 66% من تعداد سكانه عن عمر 25 عاما هذا الشعور بالعزة؟ ليس بالتأكيد بالأغانى وليس كذلك بالشعارات الجوفاء عن حضارة آلاف الأعوام وليس كذلك بشعارات أننا خير أمة أخرجت للناس.

الشعور بالعزة لن يكون إلا نتيجة نقد علمى لما أنتجناه خلال القرون الماضية. عملية احتواء وتلوين وإدماج لمنتجنا الفكرى والثقافى والإنسانى العربى وصهرها داخل عملية مخاض يقودها العقل الصارم. ثم تدريس ونقل عملية النقد هذه فى المدارس والجامعات والترويج لها عبر وسائل الإعلام.

عندما التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية كان كتاب «الأمير» لمكيافيللى الذى كتب عام 1513 وتم نشره عام 1532 مقررا علينا، وهو كتاب عن فن إدارة الحكم ونصائح للأمير للاحتفاظ بسلطانه. لم ندرس فى الكلية أى كتاب عربى فى هذا الموضوع. وبعد تخرجى اكتشفت أن التاريخ العربى أبدع عشرات وعشرات الكتب فى نفس الموضوع بالضبط الذى كتب فيه مكيافيللى وبالطبع سبق العرب مكيافيللى بقرون طويلة، بدءا بابن المقفع 724م ــ 759م إلى المرادى 1059 ــ 1111م وصولا إلى ابن خلدون 1332م ــ 1406م وغيرهم الكثير ممن كتبوا أعمالا تندرج فى باب الأدب السياسى.

وهى كتابات تقوم على مبدأ نصيحة أولى الأمر فى تسيير شئون سلطتهم، وهى تتضمن مجموعة كبيرة من النصائح والقواعد السلوكية الواجب على الحاكم اتباعها وهو ما فعله بالضبط مكيافيللى فى كتابه الأمير الذى درسناه بكل انبهار.
وبالطبع لم يتناول أساتذتنا أيا من هذه الأعمال العربية ولم يتم حتى الإشارة إليها. تخرجت فى الكلية وأنا على يقين أن كل ما تم إنتاجه من معرفة تم فى الغرب منذ عصر النهضة الأوروبية وحتى يومنا هذا. أما لو قمنا بدراسة مادة معرفية تم إبداعها قبل عصر النهضة فلن تخرج عن إبداعات الحضارتين اليونانية والرومانية.

فأساتذتنا متأثرين تماما بقراءاتهم لما أنجزته العملية النقدية الأوربية. هم ناقلون للمنجز النقدى الغربى المعاصر ولم يشاركوا حقيقة فى منجز نقدى مصرى حقيقى. لم ندرس ما كتبه رفاعة الطهطاوى أو محمد عبده أو طه حسين أو درسنا نقدا لمنجزهم الفكرى ولكن درسنا ما أنجزه كتاب أوروبيون وأمريكيون فى نفس الحقب الزمنية.

وكذلك لم ندرس بجدية الحراك السياسى الحقيقى المصرى خلال الخمسين عاما الماضية فضغط المباحث والأمن كان ومازال أكبر من تحمل دراسة مثل هذه القضايا. ما تعرض له عقلى آنذاك كان جريمة فكرية بكل المقاييس. فلقد شعرت أننى فرع حقير يخرج من جذع ضعيف جذوره واهنة. أننى بلا حول ولا قوة، معلق فى الهواء، نفخة وأسقط جيفة لتنهش لحمى الصقور المبدعة فى الغرب السعيد.

وللأسف الشديد اهتمت بعض الكتابات العربية أن تنقل وتترجم بعض الكتابات الغربية التى توضح وتدرس أثر الحضارة العربية على الحضارة الأوروبية، هذه الدراسات الغربية التى أكدت أنه لولا الإنجاز الحضارى العربى ما كانت النهضة الأوروبية فى القرن الخامس عشر. واكتفت هذه الكتابات العربية بالشعور بالفخر بترجمتها احتفاء الغرب بمنجزنا الحضارى ولم تهتم هذه الكتابات بهضم هذا الإنجاز مع الإنجاز الفكرى الكونى لإعطاء ميلاد جديد لفكر مصرى وعربى اليوم.

هذا الأمر ينطبق ليس فقط على دراسة العلوم السياسية وهو موضوع دراستى وإنما ينطبق على جميع العلوم.
الشعور بالخزى للانتماء إلى حضارة مهزومة لا يمكن أن يدفع إلى الأمام. وهذا هو واقع الحال اليوم رغم ادعاءات الكثيرين بعكس ذلك. نحن اليوم إزاء مواجهة عنيفة مع تغييرات هيكلية، التسارع فى النمو التقنى والاقتصادى والمالى، درجات التكامل والتنافر بين المؤسسات الاجتماعية، العلاقة بين الإنسان والبيئة. كل ذلك جعل من إقامة نظم للتفكير للتعامل مع هذه المعطيات الأولوية المطلقة فى المرحلة المقبلة. لن يتم ذلك دون أن نبدأ بأيدينا حداثتنا، دون جهد نقدى كبير تصب فيه جهود مفكرينا.

فى النهاية أريد أن أؤكد أنه ليس هناك رابط بين ما هو سياسى وبين الجهد العلمى الذى يجب عمله. لا يجب تعليق شماعة القهر والديكتاتورية لإعاقة جهودنا. يجب البدء فورا والعمل أمامنا كبير حتى نشعر بالعزة ونعدل من وضع رأسنا، هذه الوضعية الجديدة للرأس يمكن أن تساعد فى دفع العجلة إلى الأمام.
خالد الخميسي  كاتب مصري