في بياض أسنان أحسن لاعبة جمباز في التاريخ - نادين السيد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في بياض أسنان أحسن لاعبة جمباز في التاريخ

نشر فى : الثلاثاء 27 يوليه 2021 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 يوليه 2021 - 9:35 م
جلست أنا وبناتى ذوات الستة أعوام لنشاهد لاعبة الجمباز المفضلة لديهن سيمون بايلز وزميلاتها ــ اللاتى يعتبرن من أفضل لاعبات الجمباز الفنى حول العالم ــ يتنافسن فى اليوم الثانى من أولمبياد طوكيو ٢٠٢٠. ولأن نجلتى من لاعبات جمباز الناشئات، جلست الأسرة لمشاهدة القدوة الرياضية، ولنتعرف أكثر على الرياضة وأبطالها وكيف استعدوا لأكبر حدث فى تاريخهم الرياضى.
ظهرت سيمون بايلز على الشاشة، وتحمسنا لرؤيتها تتنافس بعد أن قرأنا عن بطولاتها فى كتاب عن نماذج مشرفة للمرأة حول العالم. انتظرت من المعلق التحدث عن تاريخها الاستثنائى وكيف لقبت بأفضل لاعبة فى تاريخ الجمباز بعد أن حصدت ٣٠ ميدالية عالمية، من ضمنها ٤ ميداليات ذهبية فى أولمبياد ريو دى جانيرو سنة ٢٠١٦. ولكننى فوجئت بالمعلق يتحدث عن سمارها وجمال لونها البرونزى وجمال وبياض أسنانها بعد أن ذكر فى أقل من دقيقة عدد ميدالياتها. ولم يتوقف الأمر عند هذا التعليق، بل أسهب معلق القناة القطرية فى مغازلة الفريق الأمريكى والدنماركى مع التعليق أحيانا على أدائهن. لقب المذيع الفريق الأمريكى بفريق الجميلات، وعلق على لون ردائهن وكيف يتلاءم مع لون البشرة، مع نعتهن بـ«يا حلوة» و«يا قمر» وعلق على أدائهن على البساط قائلا: «والله ماشية غزال يا غزال» ناعتا لاعبة هولندا «الغزال البرى الشارد» وطالبا منها أن تكتب اسمه فى دفتر كانت تسجل به ملاحظات بعد انتهائها. ووصف لاعبة أخرى بـ«الشقراء الأمريكية ذات الرداء الأحمر».
إلى جانب تركيز المعلق على مظهرهن الجسمانى، فهو أيضا أخذ يصفهن بالفتيات أو البنات، حتى لاعبة تشيلى ذات الـ٣٢ عاما وصفها بالفتاة... الفتى هو الشاب بين مرحلة المراهقة والرجولة، وفى تصورى أن المعلق ذاته لا يمكن نعت لاعب تعدى سن الـ٢١ بالولد أو الفتى، بل يستخدم لقب الرجل لوصف اللاعبين. المتعارف عليه عالميا أن وصف سيدة بالغة بالفتاة أو البنت يعتبر تقليلا من شأنها وسمة من سمات الأبوية والنظرة الدونية للمرأة على أنها كائن صغير وبرىء يحتاج للحماية الذكورية. وتجلت اللهجة الأبوية للمعلق حين نعت الفريق الأمريكى بـ«الأمريكيات البريئات».

•••

لم أتعرف على اللاعبات وتاريخهن مثلما اعتدت من القنوات العالمية، ولم أتعرف على المهارات المطلوبة فى كل جهاز، أو أداء البلاد المختلفة المشاركة. ولكننى عرفت الكثير عن جمال الفراشات الأمريكية والغزلان الدنماركية كما لقبهن المعلق وكيف أن الفريق الأمريكى «مرتب» أو منمق. ومن الواضح أن المعلق أو المعد لم يبذل مجهودا فى التعرف على أسس اللعبة والسيرة الذاتية للاعبات المشاركات قبل تقديم الفقرة... من المتعارف عليه فى مجال الإعلام أن المذيع أو المعلق يجب أن يثقف نفسه عن موضوع الفقرة ليتمكن من تقديم محتوى غنى للمشاهد يمتعه ويضيف إلى معلوماته. عادة ما تجد المعلقين العالميين يضيفون معلومات تاريخية عن اللعبة وعن اللاعب، كما يقومون بشرح الحركات اللازمة والتعليق التكنيكى على أداء اللاعبين. وعادة ما يقدم نفس المعلق على نفس القناة أداء مهنيا ممتعا حين يعلق على مباراة كرة قدم مثلا. ويرجع ذلك لمعرفته الواسعة عن كرة القدم، مثل الكثير من المعلقين، وعدم درايته الكافية بلعبة الجمباز. ولذا فحين لا يجد معلومة يضيفها، يلجأ إلى التعليق على المظهر الجسمانى للاعبة أو التغزل بها لملء الفراغ. ولكن، هل يستخدم نفس الأسلوب للتعليق على أداء الرجال؟ قطعا لا، لأننا ببساطة لم نعتد على النظر لمظهر اللاعبين الرجال الجسمانى، واعتدنا على النظر إليهم كلاعبين فقط، يقومون على أدائهم فقط لا غير، وهو ما نفتقده فى تقييم اللاعبات السيدات. ولا أتذكر أبدا معلقا رياضيا يتغزل فى شعر محمد صلاح أو جمال عيون نيمار.

•••

مشكلة تصوير اللاعبات بشكل غير مهنى أو ما يسمى بـobjectifying، أو التركيز على المظهر الجسدى، متوغلة فى الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى. المشكلة ليست فردية، ولكنها ظاهرة مجتمعية مؤسفة، وكثيرا ما نجد سيولا من التعليقات الساخرة أو المهينة أو حتى مغازلة للاعبات محترفات. لمحنا هذه الظاهرة حين تعرض منتخب السيدات لكرة القدم لتعليقات سخيفة على مواقع التواصل الاجتماعى. الفرق هنا أن المذيع الذى خانه التعبير فى التعليق على صفوة من اللاعبات ليس مجرد مستخدم عادى لمنصة اجتماعية: بل من المفترض أنه إعلامى محترف يعرف أصول التقديم وأخلاقيات الإعلام ومن المفترض أن يكون هذا المعلق قدوة يحتذى بها فى تقديم المحتوى الرياضى وتغطية أهم حدث رياضى على الإطلاق.
حين نختار التركيز على جوانب جمالية فى اللاعبات، وتصويرهن على أنهن فتيات بريئات ولسن سيدات ناضجات محترفات، فنحن، وبدون إدراك، نرسخ صورة ذهنية سلبية عن المرأة، ونعطى رسالة لجيل جديد من اللاعبات أن مهما بذلن من مجهود، ومهما حققن من نجاحات عظيمة، سيظل المجتمع ينظر إليهن على أنهن كائنات تقدر لجمالها فقط.
نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات