عائلات «فلان الفلانى» ومحاسيب ما بعد الثورة - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عائلات «فلان الفلانى» ومحاسيب ما بعد الثورة

نشر فى : الأربعاء 27 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 نوفمبر 2013 - 8:00 ص

من المدهش أن يكون اكثر المتحمسين لسرعة تطبيق قانون «تنظيم التظاهر» الذى يعطل كل أشكال الاعتراض المشروع، والذى خرج للنور منذ أيام، هم رجال الأعمال. فليس صعبا أن تلاحظ التصريحات التى أعلنها عدد لا بأس به من أصحاب الأعمال للترحيب بقانون التظاهر، متعشمين أن يحميهم من حدة الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات الاجتماعية التى بدأت تتسع خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت.

ولكن ما لم يدركه رجال الأعمال أنه طالما ظل هناك محاسيب، فهناك بالضرورة على الجانب الآخر مظاليم. يصبرون يوما، و«يحتسبون» يوما آخر، ويثورون حتما فى اليوم الثالث. ولأن دائرة المحاسيب اتسعت رقعتها، ولم يعد المحاسيب هم فقط المنتسبون إلى دائرة الرأسماليين وهم من أسماهم الدكتور محمود عبدالفضيل استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة «رأسمالية المحاسيب». وحسب وصفه هم هؤلاء القريبون من دوائر السلطة الحاكمة، والذين يتكسبون من وراء فرص تتيحها لهم قرابة أو صداقة أو مصالح مشتركة مع دوائر صنع القرار. ولكن أيضا بجانب المحاسيب الكبار، هناك المحاسيب الصغار من قيادات الصف الأول المتغلغلين داخل كل موقع ومنشأة عمل. والذين يحصدون القدر الأكبر من المكاسب والمغانم على حساب المنتجين الحقيقيين الذين لهم الفضل الأول فى تحقيق الأرباح.

•••

عندما خرج الكتاب الرائع للدكتور عبدالفضيل «رأسمالية المحاسيب» بعد ثورة يناير، وشرح فيه بالأسماء كيف تقاسم نفر قليل جدا من مشاهير عائلات الرأسماليين الكبار فى مصر ثروة هذا البلد. وكيف لم يبخل عليهم نظام مبارك بالغالى والنفيس من أموال البنوك، واراضى الدولة، وأصول شركات القطاع العام. وكيف أتاح لهم هذا النظام الحق فى احتكار سلع مثل الحديد والأسمنت، والأسمدة والكابلات والسيارات. وجعل حجم أعمال أقل مجموعة من هؤلاء تزيد عن رقم المليار دولار. بل وسمح لفئة ضئيلة للتحكم فى استيراد السلع الغذائية من الخارج. لدرجة أن خمسة فقط يسيطرون على كعكة الواردات من السلع الغذائية، بنسبة تعدت 70% فى سلع استراتيجية مثل السكر. وليس ببعيد عن ذلك سيطرة عشرة من كبار شركات السمسرة على سوق الأوراق المالية، وأربع شركات أجنبية فرضت هى الأخرى سيطرتها على 87% من سوق الأسمنت.

•••

عندما خرج هذا الكتاب، اعتقدت أن ظهور هذه الحقائق بالغة الوضوح تستوجب من أنظمة الحكم المتتالية ابتداء من المجلس العسكرى، ثم حكومات الإخوان، ثم ما بعد الإخوان الإسراع، أو حتى الالتفات إلى حتمية كسر شوكة هذه العائلات. ولكن على العكس زادت رخاوة الحكومات المتتالية من جبروتهم.

فما زال وضع «عائلات البيزنس» بعد الثورة على ما هو عليه. ولا تزال عائلة واحدة تعلن عن أنها تسيطر على أكثر من ربع سوق السيارات فى مصر، وعلى 90% من سوق استيراد وتقفيل التوك توك دون أى منازع. وما زالت أربع شركات من القطاع الخاص تفرض سطوتها على الحكومة. وتصدر الأسمدة إلى الخارج رغما عن أنف المسئولين، ودون أن تعير أدنى اهتمام إلى ارتفاع أسعار الأسمدة فى السوق المحلية، بدرجة أصبحت تهدد الزراعات لدى قطاع كبير من الفلاحين.

بل كل ما فعلته الحكومة مع تلك الشركات، التى ما زالت تستحوذ على القدر الأكبر من دعم الطاقة، وتذهب به للفلاح الأجنبى لكى يستفيد به، بدلا من نظيره المصرى. كل ما فعلته الحكومة أنها قدمت سعرا مرتفعا لشراء الأسمدة من تلك الشركات يزيد عن السعر السائد بحوالى 150 جنيها للطن، وذلك لإغراء الشركات بالبيع فى السوق المصرية، بدلا من التصدير. بالرغم أن الحكومة كان بإمكانها أن تفرض قرارا فوريا بوقف تصدير الأسمدة.

•••

وكنت أظن أيضا أن الحكومة ستلتفت لخطورة اهدار مساحات شاسعة من أراضى الدولة التى بيعت بأبخس الأسعار خلال عهد مبارك لمحاسيب ذلك الزمن. والذى جعل رجل أعمال شهير يستطيع أن يحصل على تسوية من لجنة فض المنازعات بمجلس الوزراء فى عهد «آل مبارك» بأن يدفع 3.5 مليون جنيه فقط، مقابل التغاضى عن كل مخالفاته فى بناء فيللات، وفندق، ونادٍ، ومنتجع سياحى كامل، بالرغم من أن الأرض كانت مخصصة للزراعة. وبالرغم من أن التسوية كانت تشترط عليه عدم معاودة البناء، إلا أنه عاد إلى بناء فيللات جديدة وباع المتر بـ3000 جنيه، مع أنه اشترى الفدان بالكامل من الحكومة بـ200 جنيه.

ولكن على العكس بدلا من أن تتشدد حكومة ما بعد 30 يونيه فى موقفها من بيع الأراضى سارعت مؤخرا إلى إصدار تعديل فى قانون الاستثمار يعطى لهيئات الدولة صاحبة الولاية على الأراضى حرية التصرف، وتقدير أثمان أراضى الدولة وطرحها للمستثمرين.

•••

هذا عن أوضاع المحاسيب الكبار الذى عنى بهم كتاب الدكتور عبدالفضيل، ولكن هناك محاسيب صغار فى مواقع العمل فى القطاع الخاص، ويخشى الجميع الاقتراب من المزايا التى يحصلون عليها. وصغار المحاسيب هم الرابضون فى الصفوف الأولى على مقاعد الإدارة العليا فى تلك المواقع، الذين ظلوا لسنوات طويلة بعيدين تماما عن المساءلة اعتمادا على أن صاحب العمل له حرية مطلقة فى التصرف فى أمواله. فله أن يقتطع من ارباح شركته ما يشاء، لمنح العطايا والمنح والمكافآت للمحظوظين الذين غالبا ما يكونون من العائلة، أو أقارب العائلة، أو أصدقاء العائلة، أو من نسايب بعض المسئولين الحكوميين الذين ترتبط مصالح رجل الأعمال بهم من حيث إصدار التراخيص أو تخليص الجمارك أو دفع الضرائب أو الإعفاء من الرسوم أو الحصول على دعم.

ولكن أهم ما جاءت به الثورة، وسوف يعجز قانون التظاهر عن مواجهته، هو سقوط المحرمات، أى أنه لم يعد هناك مجال لتحريم الحديث عن أى محاسيب كبروا أم صغروا. وأصبح من حق أى عامل أو موظف فى القطاع الخاص أن يتحدث عن وضع حد أقصى للمزايا التى تحصل عليها القيادات العليا التى تجلس فى التكييف. بينما العاملون يحترقون أمام افران الحديد أو السيراميك، أو يصابون اثناء العمل فى مصانع بها مواد مشتعلة أو ملتهبة، أو يستنشقون عوادم الإسمنت والاسمدة والمواد البتروكيماوية. وحين يتأتى وقت اقتسام الأرباح يحصل المحاسيب على القسط الأكبر منها والذى هو بالضرورة مستقطع من الأغلبية المنتجة.

ولذلك عندما نظم المهندسون والكيميائيون والعمال معا فى شركة فاركو للأدوية بالإسكندرية منذ أيام وقفات احتجاجية، وكان من ضمن مطالبهم وضع حد أقصى للأرباح التى تحصل عليها قيادات الشركة، حتى لا تقتطع النسبة الأكبر لهم، ويترك لكافة العاملين الفتات. بعد أن تبين لهم أن 65% من العاملين بالشركة يحصلون على أقل من 1500 جنيه فى الشهر شاملة الأرباح السنوية، ومنهم من يعمل منذ أكثر من 15 عاما. بينما 11% فقط يحصل على أكثر من 3000 جنيه فما فوق. كان الرد من المحاسيب هو غلق الشركة أمام العاملين. لأن المحاسيب يؤمنون بأن «الباب اللى يجيلك منه الثورة سده وأستريح». ولكن هل يستريحون؟.

حتما لن يستريحوا، ولن يفيدهم كثيرا قانون التظاهر. لأن ظهور المحاسيب يستوجب وجود مظاليم. والمظاليم لا يعيرون القوانين اهتماما، خاصة حين يسود الظلم.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات