صدر بيان صحفى لهيئة الرعاية الصحية بعنوان «حصاد إنجازات هيئة الرعاية الصحية بمنظومة التأمين الصحى الشامل خلال 3 سنوات»، فى 15 يناير الحالى، وهو بيان من الضرورى التفاعل والتعاطى معه.
بعد مرور خمس سنوات كاملة على صدور القانون، ولأهمية القانون بالنسبة لهدف تحقيق التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين والمواطنات، وحلم تحقيق التأمين الصحى الشامل القديم، فإننا سنقدم تعليقا على بيان الهيئة، لأن البيانات الصادرة من الهيئة والتى تحتوى على معلومات عن تفاصيل التطبيق نادرة بشكل عام، إن لم تكن غير متاحة. من هنا أهمية أخذ هذا البيان مأخذ الجدية والتعليق عليه.
• • •
ذكرت الهيئة أنها «شملت تسجيل أكثر من 5 ملايين مواطن بالمحافظات الست للمرحلة الأولى لمنظومة التأمين الصحى الشامل الجديدة بالمحافظات وهى: (بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية، أسوان، السويس، جنوب سيناء)».
كان المفترض أن تذكر الهيئة عدد الأسر التى تمت تغطيتها ونسبتهم لإجمالى الأسر فى المحافظات الست المذكورة. ما الذى يمكن استخلاصه من ذكر رقم خام كخمسة ملايين؟ لا يمكن استخلاص أى دلالة أو نتيجة ولا يمكن أن يكون هذا الرقم فى حد ذاته مؤشرا لنجاح أو عدم نجاح.
ثانيا: ذكر البيان أن عدد الخدمات المقدمة فى ثلاث محافظات 19 مليون خدمة: «وفيما يخص تقديم الخدمات الطبية والعلاجية... (تم) ... تقديم 19 مليون خدمة طبية وعلاجية بالمنشآت التابعة للهيئة العامة للرعاية الصحية بالمحافظات الثلاث لمنظومة التأمين الصحى الشامل (بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية)، أما بالنسبة لخدمات الرعاية الأولية وطب الأسرة، والتى تُعد نواة منظومة التأمين الصحى الشامل الجديدة، فقد تم تقديم 9 ملايين خدمة رعاية أولية، بمنشآت طب الأسرة التابعة لهيئة الرعاية الصحية بمحافظات (بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية)».
ما المقصود بتلك الخدمات؟ هل عملية أو كشف أو اتصال هاتفى؟ علاجى أم وقائى؟ كيف يمكن أن يكون رقم الخدمات المقدمة الخام مؤشرا لأى دلالة؟ كيف يمكن استخلاص من هذا الرقم الخام أى نتائج أو تقييمات؟ هل هناك مرجع علمى مثلا لاستخدام مؤشرات تقديم الخدمة الخام للتأمين الصحى الشامل؟ التأمين الصحى الشامل نظام جديد ومستمر وليس برنامجا أو مبادرة مؤقتة سينتهى بعد مدة قصيرة فيتم حساب عدد الخدمات المقدمة كنوع من مقياس أو مؤشر للأداء والتنفيذ.
ثالثا: مشكلة أخرى متعلقة بالأرقام الخام، التى تأتى وتتردد فى البيان كثيرا دون أى توضيح أو تفاصيل، حين ذكر البيان أن عدد خدمات الرعاية الأولية 9 ملايين خدمة، هذا رقم يدعو للدهشة بشدة، ويدعو للقلق الشديد أيضا، لأن المفترض أن تكون خدمات الرعاية الأولى أكبر، ومن المفترض أن يكتبوا نسب الإحالة للمستوى الثانى والثالث. بتعبير آخر، كان من المفترض أن يتم ذكر نسبة تعامل المستوى الأول مع الحالات الطبية التى تعرض لها التأمين الصحى الشامل من إجمالى الحالات، ونسبة الإحالة للمستويات الأعلى الثانى والثالث. وإذا لم يكن أهمية المستوى الأول من الرعاية الصحية فى النظام الجديد معلومة ومفهومة، ومنفذة بالفعل، فى التطبيق التجريبى أو الفعلى فما زلنا فى مرحلة مبهمة وغير واضحة من المسميات، هناك خلل كبير يحتاج للإصلاح.
• • •
فقرة أخرى فى بيان الهيئة تحتاج لتعليق وهى: «إجراء 270 ألف عملية تحت مظلة التأمين الصحى الشامل، منذ تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل بمحافظات «بورسعيد والأقصر والإسماعيلية» وفقا لأعلى الممارسات والمعايير العالمية، وباستخدام أحدث التقنيات الطبية، حيث تم استحداث العديد من التقنيات الطبية وحزم الخدمات العلاجية كتقنيات TAVI والـ cerab & ever، والعديد من التقنيات التى تم استحداثها لإجراء الجراحات الميكروسكوبية ومناظير الجهاز الهضمى وجراحات القلب النابض، ومهما بلغت تكلفة العملية أو التدخل الجراحى لم يتحمل المنتفع بمنظومة التأمين الصحى الشامل الجديدة أكثر من 400 فقط كنسبة مساهمة، علما بأن تكلفة العملية خارج التغطية الصحية الشاملة قد تتخطى النصف مليون جنيه».
ذِكر رقم العمليات الخام هو أمر آخر ليس واضحا. أين التفاصيل؟ هل استخدام التقنيات المذكورة إنجاز فى حد ذاته؟ ما هى نسبة هذه التدخلات المتقدمة من إجمالى الخدمات المقدمة من التأمين الصحى؟
أيضا هناك فقرة غير واضحة من البيان لها علاقة بالتوعية الصحية، حيث ذكر البيان أن الهيئة قامت بـ «40 مبادرة صحية توعوية منذ إطلاق المنظومة فى يوليو 2019 وحتى الآن، وذلك لتوفير مزيد من خدمات الرعاية الصحية للمواطنين بالمحافظات» ما هى هذه المبادرات؟ ما أهميتها؟ ما هى جدوى خلق مبادرات رأسية داخل نظام تأمين أفقى؟
التعليق الأخير متعلق بمعايير الاعتماد لمقدمى الخدمة الصحية حيث ذكر البيان «تسجيل واعتماد 108 منشآت طبية تابعة للهيئة العامة للرعاية الصحية، منهم 54 منشأة صحية معتمدة وفقا لمعايير GAHAR2021 المعترف بها دوليا من منظمة الإسكوا العالمية، بـ 4 محافظات ضمن المرحلة الأولى للتأمين الصحى الشامل».
ما هى المنشآت التى تم اعتمادها؟ هل هى قطاع عام أم خاص؟ أى نوع من المنشآت الطبية؟ علاجية؟ مستوى ثانٍ أم ثالث؟ أم معامل تحاليل طبية؟ ليس واضحا على الإطلاق من البيان أى معلومات واضحة ومحددة.
• • •
فى الخلاصة، فإن هناك تقديرا للمجهود المبذول لتطبيق التأمين الصحى الشامل، ولكن التعليق والإشارة للمشاكل هو طريق الإصلاح. من المفترض أن تكون بيانات الهيئة أكثر تفصيلا ودقة ومعتمدة على المعايير العلمية فى التقييم ودراسة الأداء. فطرق التقييم ونشر المعلومات المتعلقة بمراقبة أداء الخدمة الصحية معروفة ومحفوظة ولا يتم عرضها بهذه الطريقة التى قام بها البيان. من ناحية أخرى، لنا تجارب وتاريخ من محاولات تطبيق تأمين صحى شامل فى مصر، ولكن لم يكتب لها النجاح على مدى العقود الماضية. لذلك، من الطبيعى القلق على مصير تنفيذ قانون التأمين الصحى الشامل. ما يحتاجه التأمين فى المرحلة الحالية هو دراسة دقيقة وعلمية ومستقلة للفترة منذ صدور القانون حتى هذا العام.