مأساة الوضع الصحي في غزة - علاء غنام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مأساة الوضع الصحي في غزة

نشر فى : الأحد 29 أكتوبر 2023 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 29 أكتوبر 2023 - 10:15 م
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على شن حملة القصف والتدمير الجوى العنيف بقطاع غزة المكتظ بالسكان المدنيين (2.2 مليون نسمة)، وتدمير قرابة 130 ألف منزل، يمثلون قرابة 40% من منازل القطاع سُمح أخيرا بدخول المساعدات الإنسانية باتفاق دولى وإقليمى فدخلت بعض الأغذية والمستلزمات الطبية والأدوية، ولكن مازالت مستشفيات غزة تفتقد للوقود والطاقة اللازمة لتشغيلها بعد حصار كامل لقرابة ثلاثة أسابيع وأوشكت على الخروج من الخدمة تماما بسبب نفاد الوقود اللازم للعمل فضلا عن الطعام ومياه الشرب والكهرباء مما يهدد فعليا بانهيار النظام الصحى تماما فى القطاع.
الوضع الصحى هناك يشهد تدهورا خطيرا ينبئ بكارثة إنسانية وصحية لم تقتصر فقط على سكان القطاع بل قد تمتد إلى دول الجوار. إن نقص مياه الشرب والمياه التى يحتاج إليها المواطن والمواطِنة بصفة عامة وانتشار الرماد والغازات السامة نتيجة القصف المتواصل والعجز الشديد فى الكهرباء وتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة فى القطاع عن العمل أثر بطريقة مباشرة على عمل آبار المياه والكمية المستخرجة منها، وإلى توقف كثير من محطات تحلية المياه عن العمل، إضافة إلى توقف عمل محطات ضخ مياه الصرف الصحى؛ مما أدى إلى صبها مباشرة فى الوديان والشوارع وشواطئ البحر دون معالجة مما تسبب فى تلوث التربة، والبحار وآبار المياه، وانتشار الحشرات والذباب والبراغيت وخلافه بسبب نقص المياه اللازمة للنظافة واﻻزدحام فى البيوت ومراكز الإيواء، واستمرار وجود الجثث والدماء وبقايا الجثث تحت الركام وتعفنها والعبث بها من الحيوانات والقوارض، وعدم مقدرة فرق الدفاع المدنى على انتشالها ودفنها بطريقة صحية مما يؤجج خطورة الوضع الصحى القائم والقادم.
نضيف إلى ذلك، استهداف المستشفيات من قبل الطائرات وتضرر بعضها، وتوقف عدد منها عن العمل والطلب بإخلاء عدد منها من العاملين والمرضى، والنقص الشديد فى المهمات الطبية والأدوية والوقود، وإرهاق الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين بسبب العمل المتواصل صباحا ومساءً ووضعهم النفسى بسبب القصف الشديد المتواصل وفقدان البعض منهم لعائلاتهم وأصحابهم، وتوقف الخدمات الصحية الروتينية خاصة التطعيمات للأطفال ورعاية الحوامل وكبار السن ومرضى الأمراض المزمنة كالسرطان والفشل الكلوى مما يؤدى إلى تهديد حياتهم.
• • •
إنها مأساة كاملة تنذر بخطر تفشى الأمراض الوبائية والمعدية بين السكان وإعادة انتشار كثير من الأمراض التى نجح النظام الصحى فى التخلص منها (3150 حالة تعرضت لأمراض معدية)، مأساة لم تتكرر فى التاريخ البشرى حتى فى الحروب الكبرى الشاملة مما يعد انتهاكا للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى وحقوق الإنسان. ولذلك فالمؤسسات الدولية والصحية والحقوقية مدعوة للعمل الجاد من أجل وقف هذه الحرب فورا وإنقاذ الوضع الصحى من كارثة محققة لن يدفع ثمنها سوى سكان القطاع فقط وإنما محيطها الأوسع.
ولتوصيف بعض المعلومات عن هذا الوضع ننبه أن الأرقام تتغير ربما كل يوم فمن مصادر وزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطينى، إذ بلغ عدد المجازر التى ارتكبت فى الساعات الأخيرة ــ وحتى وقت كتابة هذه السطور ــ تجاوزت 40 مجزره إنسانية وبلغت الأعداد الإجمالية لضحايا القصف الوحشى منذ بدء العملية وحتى الآن قرابة 7800 شهيد، نصفهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى إصابة قرابة 16 ألف جريح من المواطنين المدنيين وتلقى بلاغات عن 1500 مواطن مفقود مازالوا تحت الأنقاض منهم عددا من الأطفال، وكما قلنا إنها ارقام متغيرة ليس فقط كل يوم بل ربما كل ساعة ومرشحة للزيادة المستمرة طالما استمر القصف والعدوان البشع.
كما تعانى الطواقم الطبية نفسها من مواجهة إصابات بحروق شديدة لم يروها من قبل ــ جراء استخدام قنابل مذيبة للجلد ــ على أجساد الجرحى ويصعب التعامل، معها مما يدعو المؤسسات الدولية الصحية بالكشف عن طبيعة القنابل المستخدمة فى إذابة الجلد.
إن تلك الممارسات الإجرامية أدت إلى استشهاد وإصابة أعداد من الكادر الصحى تجاوز 150 فردا، وأدى القصف العشوائى إلى تدمير عدد من سيارات الإسعاف وخروجها من الخدمة وفق تصريح مدير مرفق الإسعاف إضافة إلى خروج عدد من المستشفيات والمراكز الصحية بسبب الاستهداف ونفاذ الوقود. بدأت المستشفيات بالفعل فى فقدان قدرتها العلاجية واﻻستيعابية مما دفع الطواقم الطبية للعلاج فى خيام وإجراء العمليات دون تعقيم أو مواد تخدير، كما يواجه الأطباء والعاملون الصحيون فى مستشفيات القطاع (54 مستشفى) فى محافظات القطاع الخمس نوعا جديدا من الإصابات والجروح يتعرض لها المدنيون بسبب قصف الصواريخ الحارقة من الطائرات؛ جروح وحروق وكسور متعددة فى مختلف أجزاء الجسم البشرى وسقوط ركام البيوت على المصابين ومكوثهم تحت أكوام الهدم والتراب لساعات طويلة، وصعوبة انتشالهم بالسرعة الواجبة، ومعاناتهم من النزيف ونقص الأوكسجين لمدة طويلة مما يجعل الأطباء يقفون شبه عاجزين أمام خطورة وتعقد هذه الإصابات التى يعانى منها كل مصاب ويحتاج بسببها إلى جراحات متخصصة قد لا تتوفر فى القطاع مما يستلزم نقلهم إلى أماكن فى خارج القطاع فى الدول المجاورة.
إن عددا كبيرا من الجرحى (16 ألف شخص جريح) الذين وصلوا إلى المستشفيات يحتاجون إلى إنقاذ سريع وإنسانى فى ظل ازدحام غرف الطوارئ وغرف العمليات ونقص الأسرة والأدوية، كما أن دول العالم مدعوة لإنقاذهم من هذه الكارثة. إنه وضع مأسوى غير مسبوق يعد انتهاكا صارخا لكل الشرائع الإنسانية والقوانين الدولية وحقوق الإنسان مما يجعلها تقف عاجزة إزاء ذلك، ومطالبة العالم والضمير العالمى بالتدخل الفورى لوقف إطلاق النار فورا ووقف تلك الحرب المدمرة، والبدء فى إدخال المزيد من المساعدات العاجلة بكميات كافية وإنشاء مستشفيات ميدانية فى المناطق المجاورة.
• • •
إن دول العالم المختلفة ومنظماتها الحقوقية والإنسانية والصحية مدعوة إلى سرعة إنقاذ سكان قطاع غزة من خطر الإبادة، وهذا يتطلب أولا العمل على وقف الحرب وتهدئة الأزمة وسرعة إدخال الأطباء المتخصصين والمستشفيات الميدانية والأدوية والوقود والمهمات الطبية التى يحتاج إليها المدنيون والجرحى. كما أن الخطوة الأساسية الآن هى البدء فى إنقاذ الوضع الصحى والإنسانى فى غزة تمهيدا لتهدئة الأزمة وتبادل الأسرى من الجانبين والشروع فى التفاوض على خريطة المستقبل للقضية الفلسطينية، وضمان أمن كل الأطراف على الجانبين ونزع فتيل الموت والحرب. إن السلام العادل هو الطريق الوحيد لضمان أمن كل الأطراف بحل الدولتين العادل، فهل يستجيب ضمير العالم لهذا المسار؟
علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات