لماذا يقتلون الأطفال ويقصفون المستشفيات؟ - علاء غنام - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يقتلون الأطفال ويقصفون المستشفيات؟

نشر فى : الإثنين 20 نوفمبر 2023 - 6:25 م | آخر تحديث : الإثنين 20 نوفمبر 2023 - 6:25 م
سؤال صعب قد ﻻ نجد إجابة واحدة قاطعة عنه، هل هى مجرد الرغبة فى اﻻنتقام أم أهداف أكبر تسعى للإبادة الجماعية لهذا الشعب العظيم وتهجيره قسريا إلى خارج أرضه، كما حدث فى نكبة 1948؟
الخطاب الأخير لمدير منظمة الصحة الدولية عن الوضع الصحى فى غزة بتاريخ 10 نوفمبر الحالى (ألقاه أمام جلسة خاصة دعت لها الإمارات العربية المتحدة بجلسة فى مجلس الأمن) كان عاطفيا وإنسانيا عظيما ولكنه ربما تأخر عن موعده بعشرة أيام على الأقل. ومع ذلك فأن تأتى متأخرا على أية حال خير من ألا تأتى أبدا، وقد رصد فى خطابه تقريبا ما كتبناه فى مقال لنا سابق بالشروق بتاريخ 30 أكتوبر الماضى، وزاد عليه كثيرا حول أعداد الأطفال والنساء والشيوخ الذين قتلوا بلا ذنب أو جريمة، وقال فى خطابه إنه عرف الحرب ومآسيها عندما كان طفلا صغيرا فى بلدته الصغيرة فى إثيوبيا.. وعرف الرعب والخوف والذعر الذى تسببه الحروب بكل بشاعتها كما عرفها عندما أصبح أبا يخاف على أطفاله بعد ذلك وقد حدث فى ظل حرب أخرى، وهو ما جعله يدرك بشاعة ما يحدث لأطفال غزة ومستشفياتها التى تقصف بلا رحمة على رءوس مرضاها وجرحاها وأطبائها أيضا.
كان قد زار غزة سابقا فى سنوات ماضية ورأى بعينيه حالة الحصار وأوضاع المستشفيات وعدم قدرتها على الوفاء بحاجات سكان غزة الـ 2.2 مليون العزل الذين يعانون من الحصار والحاجة لسنوات طويلة، ورغم ذلك فقد رد عليه المندوب الإسرائيلى فى جلسة مجلس الأمن ردا غريبا خشنا وعنيفا بالرغم من أنه ممثل لمنظمة صحية دولية كما فعل نفس الشىء سابقا مع الأمين العام للأمم المتحدة متهما كليهما بالتحيز وعدم إدانة حماس، وكاد أن يتهمه لولا الحياء بمعاداة السامية وهى التهمة الجاهزة التى سوف يتهم بها أى مسئول أممى أو إقليمى أو محلى يحاول إدانة هذه الممارسات الوحشية للكيان الصهيونى وهذا يعكس الصلف والجنون الذى تمارسه دولة إسرائيل فى سعيها منذ سنوات لتصفية القضية الفلسطينية بالتهجير القسرى أو الإبادة لكل ما هو فلسطينى.

• • •

هكذا كان المندوب كلما تكلم أحد عن جريمة الحرب فى غزة يرد علينا فيذكرنا بمحرقة اليهود فى ألمانيا النازية مما يدعو إلى الدهشة من هذا السلوك ويا لها من عقدة نفسية مركبة تتضمن الإحالة والإزاحة المريضة التى لا حل لها، فما هذا المركب المعقد نفسيا والمظلومية الابتزازية من جلاد تجاه ضحية لم تكن يوما سببا لعقدته المركبة؟ فمن المحتل الآن؟وهل قام أحد فى التاريخ البشرى قبل ذلك بقصف الأطفال والمستشفيات بهذه البشاعة؟
إسرائيل تقتل الطفولة هنا، فقبل أيام استشهد 39 طفلا فى حضانات مستشفى بسبب نفاد الوقود والأكسجين وفق اليونسيف ــ الوكالة الدولية لحماية الطفولة ــ التى تدعو العالم لمساعدة أطفال غزة الآن مما جعل طبيبا نرويجيا رصينا ومتحفظا جدا يعمل فى أحد مستشفيات غزة يخرج عن رصانته ويصف ما يحدث بالعار التاريخى الذى سنحمل وزره جميعا، فهذا العار بسبب العنف العدمى غير المبرر وﻻ المتناسب تجاه ما حدث من المقاومة فى غزة.
وفى وسط هذا الدمار الشامل تعرض إسرائيل دعم مستشفى الشفاء التى توقفت عن العمل وتزويدها بحوالى 300 لتر من الوقود فقط وهو ما يمثل استخفافا بآﻻم وعذابات المرضى والجرحى والأطفال، فى حين خرج مدير مستشفى الشفاء ــ والتى هى أقدم وأكبر مستشفى فى غزة أُسست فى عام 1946ــ وأعلن أنها تحتاج على الأقل 10 آﻻف لتر من الوقود يوميا لتشغيلها.
وقد أدانت اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطينى فى مصر هذه الجرائم الحرب البشعة وﻻحظتُ إنه خلال أربع وعشرين ساعة فقط استهدف جيش اﻻحتلال المستشفيات ومنها مستشفى الشفاء وهدد بقصف كل من يدخل أو يخرج منها ومنع دخول المساعدات الإغاثية لها على الرغم من ازدحام ممراتها بالأشخاص المصابين النازحين المحتمين بها على نحو غير مسبوق فى تاريخ الإنسانية بلا سبب مفهوم بادعاء أن تحت هذه المستشفى أنفاقا لقيادة المقاومة فى غزة.
أعلن مدير مستشفى الشفاء قبل أيام وفاة أغلب مرضى العناية المركزة بالمجمع نتيجة الحصار والقصف ومنع الوقود عنها من قبل قوات اﻻحتلال. إذن، أصبحت المستشفيات فى قطاع غزة عاجزة عن تقديم الخدمات الطبية بفعل الاستهداف الإسرائيلى وأزمة نفاد الوقود، مشيرا إلى أنها ستتوقف عن العمل تماما قريبا.
طالب المتحدث باسم وزارة الصحة بتحرك عاجل لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بما فى ذلك الوقود والمستهلكات الطبية. وبحسب الوزارة، فإن 25 من أصل 35 مستشفى فى قطاع غزة خرجت عن الخدمة حتى الآن إلى جانب 52 مركزا صحيا للرعاية الأولية، كما أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى عن توقف مولد الطاقة الوحيد فى مستشفى الأمل التابع لها فى خان يونس جنوب قطاع غزة جراء نفاد الوقود.

• • •

يعانى قطاع غزة من انقطاع التيار الكهربائى منذ أكثر من شهر فى أعقاب قيام إسرائيل بإغلاق إمدادات الكهرباء واستنفاد احتياطيات الوقود اللازمة لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة فى غزة. وبالإضافة إلى قتل الأطفال استهدفت إسرائيل البنية التحية بما فيها تعطيل الإنترنت والكهرباء والمياه، واستخدام أسلحة محرمة على مستوى العالم ضد الشعب الفلسطينى وممارسة الإرهاب الدولى وفرض حصار على السكان المدنيين فى غزة.
تقع هذه المجازر المستمرة على مرأى ومسمع من العالم، بينما يتابع الاحتلال جرائمه دون أن يأبه بحقوق الإنسان، ولا برأى عام عربى أو عالمى. بل يتجرأ على تقديم جدلية وقحة ويسميه «حق الدفاع عن النفس» وهو أمر ينافى الحقيقة بشكل قاطع.
ألا تستحق كل هذه الجرائم تحريك دعاوى دولية جنائية أمام الجهات الدولية المسئولة لمحاسبة قيادات هذا الكيان المغتصب الدموى على هذا العنف العدمى وتلك الجرائم؟ وهل يستجيب المجتمع الدولى ويتفاعل بجدية مع هذه الدعاوى؟
لقد قالت طفلة من أطفال غزة المصابين بمرض السرطان والتى تتألم هناك تحت القصف أن آﻻم اﻻحتلال أضعاف آﻻمها بسبب المرض الذى ينهش جسدها الصغير. إنها جرائم لن تمر مرور الكرام فلن تغفر الشعوب لمن تعمد قتل أطفالنا ودهس قلوبنا ولم يضع فى الحسبان تلك الخطوات التى قدمناها فى طريق الحل والسلام منذ نصف قرن على الأقل، إنهم يرجعون معهم دون حل عادل للقضية الفسلطينية من جديد وهذه هى الكارثة الفعلية.
علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات