تضيع الحقيقة.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تضيع الحقيقة..

نشر فى : السبت 28 أبريل 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 28 أبريل 2012 - 9:15 ص

لا يمكن أن يكون انعدام الثقة بين المصريين وبعضهم، انعدام الثقة فى أنفسهم، وفى قياداتهم وفى أحزابهم ومثقفيهم، قد بلغت هذه الدرجة، التى تجعل من الصعب تصديق معظم القرارات وما تحمله وسائل الإعلام، التى تختلط فيها الحقائق بالأوهام، والوقائع بالمؤامرات، والأقوال بالتمنيات، والمعاينة بالسماعيات والشائعات. وهى حالة من الإنكار العام وعدم التصديق، يحق أن يقال فيها ما قاله حافظ إبراهيم:

 

وصحف تطن طنين الذباب            وأخرى تشن على الأقرب

فيا أمـة ضـاق عن وصفها             جنان المفــوّه والأخطب

تضيـع الحقيقـة ما بيننـا      ويصلى البرئ مع المذنب

 

وخلال الأيام الأخيرة شهدنا بعض هذه المظاهر فى أنباء روجت لها الصحف ووسائل الإعلام، عن صدور تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تشكيل مجلس الشعب والتوصية بحله. وكأن هناك من يتمنى ذلك بالفعل.. فقد كذبته هيئة المفوضين ووصفته بأنه معلومات غير صحيحة، ولن تذيع تقريرها قبل شهر مايو.

 

وربما كانت واقعة الناشط المصرى أحمد الجيزاوى الذى ألقت السلطات السعودية القبض عليه لدى وصوله إلى الأراضى السعودية لأداء العمرة، وحالة الهيجان التى شهدتها شوارع القاهرة ومحاولة اقتحام السفارة السعودية والوقفات الاحتجاجية التى اتسمت بالعنف والبلطجة والسباب ضد المملكة السعودية.. وذلك قبل التثبت من حقيقة الأسباب التى أدت إلى اعتقاله. وهى ضبط كمية من الحبوب المخدرة، حاول الناشط المصرى تهريبها داخل المصاحف.. من مظاهر الغرور والجهل المتفشى الذى لا ينكر فى العواقب الوخيمة لمثل هذه التصرفات. والادعاء بأن السعودية تحتجز بعض المصريين فى سجونها دون محاكمة بغير سند من الحقيقة. ودون إدراك لأن ذلك يعرض بالفعل مصير ملايين المصريين الذين يعيشون ويعملون فى السعودية للخطر. ولعل المشكلة الحقيقية أن التزام السفارة المصرية والقنصلية الصمت وعدم التحرك السريع فى مثل هذه الحالات هو الذى يساعد على إشعال الفتنة بين مصر والسعودية فى ظروف بالغة الدقة والحرج للطرفين.

 

وفى حالة أخرى، نشرت الصحف بالمانشيت العريض أن السلطات المصرية أصدرت قرارا بمنع ثمانى منظمات أجنبية من بينها منظمة كارتر من ممارسة نشاطها الحقوقى فى مصر لأسباب أمنية. واتضح بعد أيام قليلة أن وزارة الشئون الاجتماعية والتأمينات تلقت عددا من الطلبات لمنظمات حقوقية أجنبية. ومازالت هذه الطلبات قيد البحث طبقا للمعايير التى وصفتها اللجنة العليا. ولكن الواضح أن هناك بعض دوائر تضغط بالشائعات والأخبار الكاذبة لحمل المسئولين المصريين على التعجيل بالموافقة لهذه المنظمات، دون التحقق من أهدافها ونشاطها ومصادر تمويلها.. وهذه نتيجة طبيعية لإرث ممتد من انعدام الثقة منذ حقبة مبارك.

 

وربما كان موقف بعض القوى السياسية من قضية تصدير الغاز لإسرائيل، وحملات التشكيك التى أعقبتها والتعليقات التى اتخذت منها تكئة للهجوم على المجلس العسكرى واتهامه بأنه يسعى لتحديد الفترة الانتقالية والبقاء فى السلطة، ما يكشف عن غياب تام للثقة فى النفس وفى سلامة القرار الذى يسجل للثورة نقطة مضيئة على حد قول فهمى هويدى، تنفيذا لحكم القضاء الإدارى الذى رفض النظام السابق تنفيذه عدة سنوات.

 

يصعب فى كثير من الأحيان فهم حالة الارتباك والتخبط وانعدام الرؤية التى انتقلت فيما يشبه العدوى من النخب السياسية والإعلامية إلى فئات الشعب المختلفة. وعادت تصب فى الوعى العام حتى وصلت إلى التأثير فى النخبة القضائية التى ترسى موازين العدل وتؤسس لمجتمع يقوم على انفتاح العقل وحرية الرأى والاعتقاد واعتبار الفن والإبداع من أدوات الرقى بالمجتمع والإنسان. ولذلك جاء الحكم بحبس عادل إمام صدمة للكثيرين، الذين رأوا فى الدعاوى التى رفعت ضد النجم الكوميدى، نوعا من تصفية الحسابات بحجة الإساءة للدين فى بعض أعماله الفنية.. وهى كلها أمور شكلية لا تخرج عن السخرية باللحية والجلباب وبعض التصرفات التى لا ينبغى أن تحسب طعنا فى الدين وازدراء الأديان.

 

لا أحد يريد أن يصدق أن سيطرة التيار الإسلامى بشقيه على الأغلبية البرلمانية، هى بداية لمرحلة إظلام وازدراء للإبداع والفن.. وإلا فنحن على أبواب مرحلة لا تبشر بخير.. وسوف نكشف مرة أخرى أن انعدام الثقة بالنفس وبالآخرين هى السبب فى كثير من هذه الظواهر!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات