** «كلاسيكو دوس كلاسيكوس»، أو ديربى الدربيات أو أم المباريات. كل هذا غاب عن الديربى الأخير بين ريال مدريد وبرشلونة. ربما انحصر الاهتمام الأكبر فى مدرجات الليجا وشارع الكرة الإسبانية. وحتى أشهر قليلة كان الأهل والأصدقاء يجتمعون من أجل حفلة «الكلاسيكو»، كنا نعيش 90 دقيقة جميلة فى ظلال ريال مدريد وبرشلونة أو ما يعرف «بكلاسيكو دوس كلاسيكوس». وكان المجتمعون ينقسمون إلى فريقين. فريق يشعرك أنه من مواليد كتالونيا، وفريق مدريدى الجنسية.. لم أصدق أننى لم أشاهد مباراة ريال مدريد وبرشلونة الأخيرة التى انتهت بفوز الريال 2/1، وبإقالة المدرب الهولندى كومان بعد 14 شهرا فقط من توليه مسئولية قيادة برشلونة..!
** فى سنوات نجح الإسبان فى بيع كلاسيكو الأرض بين ريال مدريد وبرشلونة، إلى كل سكان الأرض. وكان النجمان ليونيل ميسى وكريستيانو رونالدو من أدوات تسويق الديربى الكبير وكذلك الليجا كله بمبارياته ومنافساته، فعندما يفوز الريال فإنه انتصار لرونالدو، وحين يفوز برشلونة، فهو الفوز الكبير لميسى. كلاهما بطل وأحد طرفى الصراع فى فيلم الكرة الإسبانية الشيق.. لكن اللعبة خسرت الكثير برحيل الثنائى اللامع. بقدر ما خسرت من أموال بسبب كوفيد 19.
** على مدى سنوات كسب البارسا والريال ملايين الانصار بهذا الصراع، الذى باعه الإسبان للعالم. وارتفعت أسهم برشلونة حين قدم أسلوبه الشهير تيكى تاكا الذى يمزج بين الكرة الشاملة التى تقوم على تبادل اللاعبين لمراكزهم بصفة مستمرة أثناء اللعب، وبين تبادل اللاعبين للكرة بتمريرات قصيرة، لفرض السيطرة النفسية والذهنية والبدنية ولإنهاك الخصم. وكسب الريال ملايين المشجعين والأنصار إعجابا بتاريخ الفريق العريق وانتصاراته الكبيرة بأجيال عظيمة من اللاعبين، مثل دى ستيفانو وبوشكاش وخنتو وديل سول وسانتا ماريا وهو الجيل الذى احتكر كأس أوروبا لسنوات. ثم جاء الفارس البرتغالى السنيور كريستيانو رونالدو يمتطى جواده الأبيض ليزيد من شعبية الفريق فى أرجاء المعمورة.. لكن. ذهب ميسى هذا الطفل الذى كان يلعب بالكرة فى كل مباراة ويلهو بها كأنه يمرح بها فى حديقة منزل أبيه. وذهب الفارس البرتغالى، بكل إبداعته وقفزاته الفضائية وتسديداته الصاروخية ليترك الريال بمن حضر إن حضر..!
** على وجه الدقة لم تكن مباراة القمة الإسبانية مجرد لقاء فى كرة القدم بين فريقين كبيرين، فهى أولا ليست مثل كل المباريات، تخضع لمستويات وخطط فقط، وإنما هى تاريخ صراع سياسى فى مظروف رياضى. وهى تاريخ يصارع بعضه، وصراع لم يتوقف ولا يتوقف، وهناك فى زوروبا والدول المتقدمة، يكون الفوز صاخبا، وانتصارا لأفكار وموروثات، وخلافات، وسياسات، لكن اثاره تظل محددة بخطوط الملعب وحدود الرياضة.
** اليوم واصل برشلونة الابتعاد عن صراع قمة ترتيب المسابقة، التى فقد لقبها فى الموسمين الماضيين، بعدما تجمد رصيده عند 15 نقطة فى المركز التاسع وما زال يمتلك مباراة مؤجلة. وفرط ريال مدريد فى فرصة الانفراد بصدارة ترتيب الدورى، بعدما سقط فى فخ التعادل بدون أهداف مع ضيفه أوساسونا فى المرحلة الحادية عشرة للمسابقة، وأصبح رصيد الريال 21 نقطة، ليتصدر الترتيب بفارق الأهداف أمام أقرب ملاحقيه إشبيليه وريال بيتيس وريال سوسيداد، المتساويين معه فى نفس الرصيد وهو الساعى لاستعادة اللقب الغائب عنه فى الموسم الماضى لمصلحة جاره اللدود أتلتيكو مدريد..
** الفريقان الكبيران سيعودان بما يملكاه من شعبية وتاريخ وبطولات. وما جرى هو جزء من دورة الحياة ودوران كرة القدم. فلا فريق يظل بطلا دائما، إلا أن الكلاسيكو فقد الكثير من أثره وتأثيره برحيل ميسى ورنالدو دون شك!.